| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. عصمت موجد الشعلان

 

 

الجمعة 23/7/ 2010



هل كان عهد المللك فيصل الثاني عهدا زاهرا وديمقراطيا؟

د. عصمت موجد الشعلان
at_shalan@hotmail.com

نتوخى الدقة في سرد الأحداث ونقل الحقائق بأمانة لهذا الجيل والأجيال القادمة بحكم معايشتي لعهد الملك فيصل الثاني وللفترة التي سبقته، وبحكم موقع والدي في ذلك العهد وحضور مجالس رؤساء العشائر والنواب، لقد كان عمري عشرين عاما يوم اندلاع ثورة 14 تموز 1958 و كنت طالبا في الصف الثاني من كلية الزراعة في أبي غريب.

سأتناول حالة التعليم والصحة والحالة الأقتصادية والأجتماعية في لواء الديوانية آنذاك وبالتحديد يوم سقوط الملكية عام 1958، بعد ذلك نتطرق للأنتخابات النيابية التي هي اساس الديمقراطية ومن ثم نذكر بأحداث 14 تموز التي راح ضحيتها الملك الشاب وبعض افراد عائلته ونوري السعيد واردنيين كانوا وزراء في الأتحاد الهاشمي.

التعليم
في منتصف الخمسينات كانت مدرسة ابتدائية واحدة للبنين في ناحية الدغارة الواسعة الأطراف التي تمتد الى ناحية النعمانية في الكوت والى مدن الشوملي والقاسم في الحلة، فكان ابناء الفلاحين محرومين من التعليم وابناء القرى المجاورة يأتون للمدرسة مشيا على الأقدام او على ظهور الحمير.
كان في مدينة الديوانية ثانوية واحدة لكل نواحي واقضية اللواء، فرعين علمي وأدبي ، العلمي سنتين وكذلك الأدبي، كان عدد طلبة الخامس العلمي لا يتجاوز الخمسين طالبا من ابناء الموظفين الكبار والقضاة والتجار وملاك الأرض أي رؤساء العشائرولا يوجد ابن فلاح أو عامل بين الطلبة.
لا توجد كليات في اللواء، ومن يتخرج من الثانوية يكمل دراسته في كليات بغداد، فلا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة من دخل الكليات من ناحية الدغارة ، أما ابناء الفلاحين والحرفيين يكملون الثالث المتوسط والمحظوظ منهم يكمل دار المعلمين الريفية في الأعظمية فيصبح معلم ابتدائية.

الصحة
كان يوجد مستوصف صحي واحد يدار من قبل مضمد فهو الطبيب والصيدلي يعالج الألام والأسهال والملاريا بالمسكنات والكنين اما امراض الأسنان يعالجها الحلاق لطيف ويقوم بالتوليد القابلات الأميات وغير المرخصات، فلا توجد برامج للتطعيم ضد شلل الأطفال وبعض الأمراض المتوطنة.
في مركز اللواء كان آنذاك مستشفى واحد وآخر لعزل مرضى السل فمن الأمراض المنتشرة البلهرزيا والملاريا والسل والحصبة والتيفوئيد وارتفاع ضغط الدم والسكري والأمراض التناسلية كالسيلان وديدان الأمعاء.

الصناعة
لا توجد مصانع حديثة ولا قديمة ذلك الزمان، عدا معامل الطابوق التي يملكها اليهود، وانما يوجد حرفيون كالحدادين الذين يصنعون المناجل والمساحي والسكاكين والمحاريث والفؤوس والنساجين الذين يستعملون النول اليدوي في نسج الزبون والعباءة والبسط والنجارين الذين يصنعون الأسرة الخشبية ( التخوت ) والصناديق والأبواب، وهنا لابد من ذكر الحرفي اسمه كتاب الذي يصنع الأسرة والكراسي من سعف النخيل، وصاغة صابئة مندائيون ( ناصر وتومان ) يصنعون الحلي.

الزراعة
يملك اغلب الأراضي الزراعية رؤساء القبائل بموجب قانون تسوية حقوق الأراضي الذي حول افراد القبيلة من ملاك مساهمين الى فلاحين يتقاسون الأنتاج الزراعي مناصفة في بعض المناطق وفي مناطق اخرى لهم الثلث من الأنتاج، الحرث يتم بالمحراث الذي يجره حيوان، ونثر البذور والحصاد يتم يدويا، وتستخرج البذور من السنابل بواسطة سير الحيوانات على اكوام القمح اوالشعير او الشلب ثم يتم تذرية المدروس في الهواء ، تعبأ البذور في اكياس سعة 100 كيلو فتباع لتجار الحبوب اصحاب العلاوي او تخزن في مخازن عادية.
تزرع المحاصيل الشتوية كالقمح ( الحنطة ) والشعير والمحاصيل الصيفية كالأرز ( الشلب ) وزرعت اشجار النخيل في نواحي واقضية اللواء، تحت اشجار النخيل قد تزرع اشجار فاكهة كالحمضيات والعنب والتين,
السقي يتم سيحا بمياه انهر الدغارة والديوانية والشامية ومن الجداول المتفرعة من هذه الأنهر، لذلك ارتفع منسوب المياه الجوفية وسبب ملوحة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ولا توجد مبازل،الأرشاد الزراع مفقود ولم تستعمل البذور المحسنة والأسمدة والمكننة في الزراعة ولم تكافح الآفات الزراعية وتدهير الترع والجداول بالمساحي من قبل الفلاحين.

الطرق والمواصلات
الطرق الرئيسية بين النواحي والأقضية ومركز اللواء وشوارع النواحي والأقضية غير معبدة، المواصلات بين مراكز المدن والأرياف تتم بواسطة الحيوانات كالأبل والخيول والحمير، وتستعمل السيارات القديمة والباصات ( دك النجف ) للنقل بين مراكز الأقضية والنواحي ومركز اللواء، لا يوجد نقل عمومي سوى القطار الذي يربط مدينة الديوانية بالحلة وبغداد والسماوة والبصرة.

المساكن
بيوت الفلاحين تتكون من البواري والجريد ( حصران مصنوعة من قصب البردي والجريد سعف النخيل بعد ازالة الأوراق ) والسور يتكون من نباتات شوكية الصريم والعاقول والفضاء الواسع مرافقهم الصحية، اما دور السراكيل فتبنى الغرف والسور من الطين الممزوج بالتبن وتسقف الغرف بجذوع النخيل وحصران البردي، يبنى دار رئيس القبيلة من بلوكات الطين أو الآجر من الكور ( الكورة محل شواء بلوكات الطين )، سقف الغرف يتكون من الشيلمان والطابوق ( الشيلمان قضبان حديد )، اغلب المساكن في المدن مبنية من الآجر، عدد من الدور الحديثة تم بنائها للموظفين في الدغارة.

الأمن والقانون
يحفظ الأمن في مراكز المدن ( سكنى الحضر ) الشرطة، وفي حالة اضطراب الأمن والمظاهرات تشارك شرطة الخيالة والسيارة في قمع المظاهرات، وفي كل الأنتفاضات نزل الجيش للشوارع وفرض الهدوء خاصة عندما تعلن الأحكام العرفية، كان يوجد في مركز شرطة الخيالة المجاور للمتصرفية شعبة خاصة مهمتها مطاردة الشيوعيين ومعارضي النظام، والأمن في الأرياف من صلاحية رئيس القبيلة فأذا اتهم احد افراد قبيلة بالسرقة يطلب من رئيس القبيلة تسليمه وذا لم يرغب تسليمه يصبح افرار يتجول حرا في مضارب القبيلة.

يطبق القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على الحضر فيوجد محاكم وقضاة ومحامين، بينما يخضع افراد العشائر الى قانون دعاوي العشائر لسنة 1924الذي صاغ مبادئه الأنجليز سنة 1918، لقد تعززت سلطة رئيس القبيلة وترسخت الأعراف والسنن العشائرية كالحشم ( الغرامة والتعويض بالنقود أو بالحوانات كالأبل او الشياه او الأبقار ) والنهوة قريب الفتاة مهما كان فربه منها يمنع تزويجها والفصلية التي تزوج لرجل من العائلة أو العشيرة المعتدى عليها وغير ذلك من الأعراف، يقوم بتطبيق قانون دعاوي العشائر رئيس القبيلة حتى أذا كان أميا لايقرأ ويكتب، قد يسجن ويعذب احد افراد القبيلة اذا ارتكب جناية كالسرقة .

الوضع السياسي المحلي والأقليمي والدولي
دام عهد الملك فيصل الثاني خمسة اعوام وشهرين واحد عشر يوما، لقد تولى العرش في ظل الأحكام العرفية المعلنة سابقا في انتفاضة تشرين 1952، كما اعلنت الأحكام العرفية بعد ذلك مرتين مرة عندما اضرب عمال نفظ البصرة ومرة اخرىسنة 1956 اثناء العدوان الثلاثي على مصر، وتم اصدار مرسوم الطوارئ رقم واحد لسنة 1956 من اجل قمع اضراب القصابين في مدينة الموصل واضراب المنظمات المهنية المتضامنة معهم، ألف الملك عشرة وزارات خلال حكمه ففترة حكم كل وزارة بالمتوسط ستة اشهر تقريبا، ترأس هذه الوزارات جميل المدفعي وفاضل الجمالي مرتين وارشد العمري ونوري السعيد ثلاث مرات وعلي جودت الأيوبي وعبد الوهاب مرجان واحمد مختار بابان، اريقت الدماء في عهده حيث تم ضرب المظاهرات والمضربين بالرصاص في البصرة والموصل وفي السجون في السجن المركزي في بغداد وفي سجن الكوت، حدث في عهده فيضان دجلة في آذار 1954الذي غمرت مياهه اجزاء من بغداد واغراق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، الغاء امتياز الصحف واغلقت النقابات والأجتماعات العامة والمظاهرات ممنوعة والأحزاب السياسية والجمعيات والنوادي محلولة، ما عدا فترة حكومة فاضل الجمالي الأولى حيث قامت بالغاء الأحكام العرفية و الصحف عادت للصدور ومارسة الأحزاب نشاطها واعيد المفصولين الى اعمالهم ومدارسهم، المجالس النيابية غير منتخبة، جل الأعضاء يفوزون بالتزكية، تم حل البرلمان بضعة مرات، وعندما ألف الوزارة نوري السعيد في 3 آب 1954 قام بحل المجلس النيابي بسبب فوز 11 نائبا من الجبهة الوطنية المعارضة من اصل 135 نائبا، اعاد الأنتخابات في 12 ايلول ففاز121 بالتزكية، لقد كنت شاهدا على ما حدث في هذه الأنتخابات، طلب متصرف الديوانية ( المحافظ ) من احد رؤساء العشائر المنتمي الى حزب الأمة الأشتراكي ( حزب صالح جبر ) سحب ترشيحه للبرلمان واعطاه مهلة لصباح الغد وإلا يتم اعتقاله، فسافر رئيس القبيلة ليلا الى بغداد وفي صبيحة اليوم التالي قابل الباشا نوري السعيد، فقدم الطاعة له، فأرسل الباشا برقية للمتصرف يعلمه بالموافقة على ترشيحه الذي فاز بالتزكية لاحقا.

شهدت المنطقة العربية نهوض قومي قاده الرئيس جمال عبد الناصر ولعبت اجهزته الأعلامية وخاصة اذاعة صوت العرب دورا بارزا في ذلك من خلال المذيع احمد سعيد، وشهد عهد الملك فيصل الثاني الغاء الملكية في مصر سنة 1953والغت تونس الملكية في 25 تموز سنة 1957، واندلاع ثورة الجزائر سنة 1954، ونالت ثلاث دول عربية استقلالها وهي السودان وتونس والمغرب وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 الذي شجبته جميع الحكومات العربية عدا حكومة العراق وقامت حكومات السعودية وسوريا بقطع علاقتهما بفرنسا وبريطانيا، كانت الحكومة العراقية في واد والشعب في واد آخر، فخرجت المظاهرات مستنكرة العدوان وعمت الأضرابات جميع المدارس والكليات واعتصم طلبة كلية الزراعة في قاعات القسم الداخلي فأوقفت الدراسة، بعدها تم تسجيل الطلبة من جديد ولم يتم تسجيل الطلبة الذين قادوا الأضراب، وردا على قيام الوحدة بين مصر وسوريا في شباط 1958 اعلنت الحكومة العراقية قيام الأتحاد العربي ( الأتحاد الهاشمي ) بين الأردن والعراق في 14 شباط 1958.

شهد العالم وصول الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي الى ذروتها خلال فترة حكم الملك فيصل الثاني وكادت تندلع الحرب العالمية الثالثة يوم وجه الأتحاد السوفيتي انذارا الى كل من فرنسا وبريطانيا بأيقاف عدوانهما على مصر، وشهدت هذه الفترة قيام الأحلاف العسكرية حلف بغداد 1954 وحلف وارشو 1955 واعلان مبدأ ايزنهاور 1957 الذي ينص على استعداد امريكا للتدخل العسكري المباشر لدعم دول منطقة الشرق الأوسط ضد الخطر الشيوعي مع تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية للدول التي توافق على ذلك، وفي 21 نيسان 1954 وقعت حكومة فاضل الجمالي اتفاقية الأمن المتبادل والمساعدات العسكرية مع الولايات المتحدة، نلاحظ من ذلك انخراط الحكومات العراقية في الأحلاف العسكرية وانحيازها للمعسكر الغربي بدلا من أن تسلك سياسة عدم الأنحياز التي سلكتها مصر وعشرات الدول، وانعقاد مؤتمر باندونك في اندنوسيا سنة 1955 حيث تبنى المؤتمر مجموعة قرارلت لصالح القضايا العربية وضد الأستعمار.

انفجار دار السيد صبيحة 14 تموز سنة 1958
من غرور الباشا نوري السعيد انهى خطابه في مجلس النواب بهوسة ( دار السيد مامونه ) اي المملكة والملك بأمان ولا خوف عليهما، ولكنه لا يعلم بأن ( دار السيد ملغومة ) بما خطط له تنظيم الضباط الأحرار في الجيش وجبهة التحاد الوطني التي ضمت الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأستقلال وحزب البعث العربي الأشتراكي والحزب الشيوعي وبسياساته المضادة لأهداف الشعب العراقي والجماهير العربية المناهضة للأستعمار,
كان البيان الأول للأنقلابين الذي اذاعه عبد السلام عارف بمثابة الشرارة التي فجرت غضب الجماهير التي تعاني من الفقر والجهل والمرض، فأنطلقت جموع الشعب بشكل عفوي كحمم البركان تدمر وتحرق ولا يستطيع احد ايقافها.

روى احد اعضاء المجلس النيابي ما حدث صبيحة 14 تموز وكنت حاضرا مجلسه حيث قال: نهضت فجرا ، اديت صلاة الفجر ومن ثم اتصلت هاتفيا بصديقين من النواب لأيقاضهما والأستعداد للذهاب الى المطار ( مطار المثنى حاليا ) لتوديع سيدنا الملك المغادر الى تركيا، حاولت الأتصال بهما قبل انطلاقي بدقائق للتأكد من جاهزيتهما فلا جواب، لقد اختفت الحرارة من الهاتف فقلت لنفسي لربما اصاب الهاتف عطل، انطلقت من الفندق الواقع على شارع ابي نؤاس فلاحظت جنود في الساحات وامام الأذاعة فقلت للمرافقين وجود الجيش في الساحات من باب الأحتياط لتأمين سفر الملك، وصلت الفلكة ( الدوار ) امام المطار واذا بشرطي من العشيرة يناديني "يا حاج لا تدخل المطار سوف تعتقل"فقلت للسائق انطلق للأمام وافتح الراديو فسمعنا مارشات عسكرية ومن ثم البيان الأول، قلت للسائق عد بنا الى الديوانية، الطريق الوحيد الذي يجب أن نسلكه يمر امام قصر الرحاب وجسر الخر، عدنا وأذا بمظاهرة كبيرة امامنا متجهة الى قصر الرحاب وجاءت مظاهرة اخرى خلفنا، فقلت للمرافقين اخلعوا العقال واليشماغ واهتفوا مع المتظاهرين يسقط عبد الأله، يسقط نوري السعيد ، ففعلنا ذلك حتى اجتزنا جسر الخر، وصلنا الحلة فبدأ الناس بالتجمع وعندما وصلت الناحية شاهدت مظاهرة في ساحة المدينة.

نعم انها الثورة وليس كما يعتقد البعض بأن الذي حدث في ذلك اليوم انقلاب عسكري.



23-7-2010




 


 

free web counter