| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عربي الخميسي

 

 

 

الخميس 29/10/ 2009



العلاقات الدوليه وضيق الافق السياسي وقصة حبس الجواهري الشاعر الكبير
(1)

عربي الخميسي *

كنت قد قرأت منذ مدة ليست طويله موضوعا شيقا على موقع الحوار المتمدن الموقر للكاتبه القديره الدكتورة ميسون البياتي تحت عنوان السياسيه والعلاقات الدوليه ، ومنه استوحيت عنوان مقالتي المتواضعه هذه بعد اضافة اسم شاعر العرب الكبير الجواهري ، ورب سائل يسأل يا ترى ما هي العلاقة بين الجواهري بهذا الموضوع ؟ واليكم القصه وأبدأ بموجز المقالة .

المقالة باختصار شديد ، تتعلق بالحقوق الانسانيه ، يجسدها الفلم الوثائقي الاسترالي المسمى ( باليبو ) ، وباليبو هذا هو اسم فلم مأخوذ عن اسم قرية اندنوسيه صغيرة واقعة في تيمور التابعه لأندنوسيا ، واندنوسيا هذا البلد الشاسع الواسع الواقع في جنوبي شرق اسيا ، مؤلف من عدد كبير من الجزر المبعثرة هنا وهناك في المحيط الهادي، وان تعداد سكانه يبلغ حوالي 300 مليون نسمه الغالبية منهم يدينون بالدين الاسلامي .

وان موضوع الفلم كما تقول الكاتبه ، يكرس حالة القتال الشرسه التي دارت ابتداء بين الاستراليين نيابة عن البريطانيين ضد جيوش الامريكان ، الذين استخدموا هم بدورهم الاندنوسيين نيابة عنهم لطرد البريطانيين منها ، كما سبق لهم ان قاموا بطرد البرتغالين وقبلهم اليابانيين والهولنديين ، وهكذا تجري الحروب الخفية وغير المعلنه بين الاقطاب ذات المصالح والاهداف المتصارعه والمتقاطعه فيما بينها وبإنابة غيرهم من الشعوب المسالمة البرئيه !!

ففي سنة 1975 ولغرض تخليد ضحايا هذه الحرب الضروس والفضائح الانسانية المرتكبه من جرائها ، وعن واقعة تعتبرها استراليا ، حدث اجرامي وواقعه مؤلمة ومغيبه مذ ذلك التاريخ ، ولم تجر بحقها في حينه اية تحقيقات او اجراءآت قضائيه مشروعه ، فقد ارسلت استراليا الى اندنوسيا زمرة من الفنانين مؤلفه من خمسة اشخاص ، هم طاقم منتجي وممثلي فلم باليبو وكلهم من المدنيين ومن العاملين بالتلفزيون الاسترالي ، الا ان جميعهم تعرضوا الى المحاصرة ، ومن ثم اطلاق النار عليهم وقتلهم كلهم بدم بارد دون ذنب ارتكبوه ، ومرة اخرى في اعقاب هذا الحادث ارسلت حكومة استراليا وبعد ثلاث اشهر منه ، احد الفنانين المشهورين الى قرية باليبو مسرح الجريمه ، لتسجيل تقرير مصور عن ملابسات قتلهم ، فجرى قتله هو الاخر ، بعد القاء القبض عليه من قبل الاندنوسيين وكالعادة لم تحرك الحكومه الاندنوسيه ساكنا لاجراء التحقيقات اللازمه ..!

والان وبعد 34 سنة قامت الحكومه الاستراليه بفتح ملف القضيه من جديد ، باعتبار ان قضية مقتل اؤلئك الفنانين السته جريمة بحق الانسانية ، وتطالب الحكومه الاندنوسيه بالقاء القبض على الفاعلين ومحاكمتهم ، والذين لا يزال بعضهم على قيد الحياة ويشغل وظيفة ومنصبا عاليا في الدوله ، وفي القوات المسلحه الاندنوسيه.

وحيث ان الفلم الوثائقي ( باليبو ) فلم يثير الجدل والاحتقان وسيشحذ عواطف ذوي الضحايا .! ومعهم ستتعاطف الجماهير ليست المحليه فقط بل على نطاق عالمي ! وعلى مستوى جميع منظمات حقوق الانسان الدوليه ، مما سيحط من سمعة وقدر الدوله الاندنوسيه بكل تأكيد ، وهذا ما تخشاه وتحاول بشتى الوسائل احتواء الازمة بينها وبين استراليا ، ومحاولة منها باقناع الاخيرة بعدم تحريك شكوى امام المحاكم الدوليه المختصه او اجازة عرض الفلم واعتبار الجريمة عادية وليست جريمه ضد الانسانيه ، الا انها حتى الان لم تقدم اعترافا او اعتذارا او سببا مقبول لذوي الشأن للحادث المأساوي المذكور ،..! وعليه قامت الحكومه الاندنوسيه بمحاولة بائسه وذلك بالاتصال بحكومة نيوزيلانده هذا البلد القريب من استراليا ، والتي ترتبط معه بروابط متينة وعلاقات صميميه واشبه ما يكونا بلدا واحد بكل الاعتبارات ، وان كليهما عضوان في منظمة الكومنولث ، ولهذا فهي اي اندنوسيا تضغط على نيوزيلانده سياسيا واقتصاديا لكي تقوم بالتدخل لدى استراليا بشكل او بأخر ، وبهذا قد يمكن وعن طريقها احتواء القضيه ، او تخفف من حدية الموضوع وجديته ، وان تقنع استراليا بعدم السماح بعرض فلم باليبو الذي ترعاه الاخيره وتصر على عرضه .

ولما فشلت كل المحاولات لجر نيوزيلانده للتدخل ، وحيث لا توجد اسباب مبرره لأندنوسيا للضغط على نيوزيلانده ، لذا فقد قامت الاولى بتوظيف امور اخرى لخدمة هدفها المذكور ..! وهنا الفت عناية القارئ الكريم لبيان كيف وظفت اندنوسيا الامور الدينية لأغراض سياسيه ضيقه .. وهذا هو بيت القصيد من موضوعي واليكم التفاصيل ......

دولة نيوزيلانده تعتمد اقتصاديا على ما تصدره من منتوجات حيوانيه بجميع مشتقاتها ، وكذلك اللحوم الطازجه ،ودواجن واخشاب وبعض الفواكه ، وان اندنوسيا هي الدوله الاولى في تسلسل الدول التي تستورد اللحوم من نيوزيلانده ومنذ عشرات السنين ، وبكميات كبيرة نسبة لعدد نفوسها وحاجتها منه ، مما يوفر هذا ربحا كبيرا لنيوزيلانده سنويا يقدر بمئات الملايين من الدولارات لا يمكن للحكومه النيوزيلنديه الاستغناء عنه خاصة ، وهي تحت وطأة الازمه الاقتصاديه العالميه بالوقت الحاضر ، ومن هذا الباب جاءت اندنوسيا لتضغط على الحكومه النيوزيلانديه وتبلغها بامر غاية بالاستغراب ، وهي حالة تعبر عن ضيق افق سياسي ، ولتبرهن ان السياسيه لا لون ولا طعم لها ولا حتى اخلاق ، وان الغايه تبرر الوسيله .. جاءت اخيرا لتبلغ نيوزيلانده وعلى لسان وزير خارجيتها ان اندنوسيا سوف تقاطع استيراد مادة اللحم باعتباره لحم غير حلال ، بسبب طريقة ذبحه غير الاسلاميه حسب ادعاء وزير خارجيتها مبررا ، ان ذلك جاء استجابة الى اعتراض مجلس علماء الدين الاسلامي الاندنوسي ومعهم باقي رجال الدين في اندونسيا ، ولم يعد بعد الان الاعتراف بالوثائق المعتمدة المرفقه مع البضاعه المصدرة ، وذلك اعتبارا من الاول من شهر تشرين الاول الحالي ، حتى يعاد النظر بالموضوع من كافة جوانبه ..!

واللافت للنظر ، ان اندنوسيا وعلى مدى عشرات السنين اعتادت استيراد اللحم النيوزيلاندي، وخلال كل هذه المدة الطويله لم تعترض يوما على نيوزيلانده حول طريقة الذبح ، علما ان نيوزيلانده تملك مجزرة صحية حديثه للذبح ، وتقوم بذبح الضأن على الطريقه الاسلاميه ، وكما هو معلن على صفحات موقعها الالكتروني ، وبذات الوقت ان الامر ليس سريا ، حيث يمكن للزائر الاطلاع عن كثب بما يجري، وكيف تتعامل نيوزيلانده مع توفير اللحم الحلال وفق متطلبات الجاليه الاسلاميه في نيوزيلانده قبل البلدان الاخرى ...!

وهكذا جرى توظيف الامور الدينيه لأغراض سياسيه ، مما ذكرني بحادث ثان تاريخي تعرض من جرائه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري للحبس ولأول مره في حياته ، وقع ذلك خلال الحكم الملكي بالعراق وبسبب اللحم الحلال واللحم الحرام ، حادث يدعو الى الضحك يشبه الى حد بعيد هذا الحادث ولكن بالعراق وليس بنيوزلانده ، سأتي عليه لاحقا ايها القراء الكرام وبالقسم الثاني منه وشكرا لكم .
 

ت 1 / 2009

* حقوقي --- نيوزيلاند
 

 

free web counter