| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عربي الخميسي

 

 

 

 

الثلاثاء 25 /10/ 2005

 

 

 

عقال البندر.... والعدالة   !!
 


عربي الخميسي *

اشد ما اثارني وانا اتابع سير محاكمة الطغاة  اعتراض عواد   البندر رئيس محكمة ما كانت تسمى بمحكمة الثورة سيئة الصيت وهو يطالب القاضي بعقاله الذي انتزعه من على راسه والاخرين من  اصحابه المتهمين حراس المحكمة الجنائية الرئيسية المٌشكَلة لغرض محاكمتهم عن الجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق ابناء الشعب العراقي الكرام في مدينة الدجيل البطلة وغيرها من افعال يجرمها القانون والعرف والاخلاق وفي هذه اللحظة بالذات تذكرت حدثا تعايشت معه ايام رئاسة البندر لتلك المحكمة سنة 1993 وكيف كان هذا الطاغية الحاكم بامره آنذاك يجري محاكمة الابرياء في تلك المحكمة المشؤومة ( لا قوانين تراعى بها   ولا بطيخ )  ولن ينجو منها اي شخص بمجرد تخطي عتبتها وكانت لي قصة سارويها لكم يا سادتي القراء الكرام وانا وبعد اثني عشر سنة خلت لا زلت اتذكر احداثها وكأنها بنت البارحة ..
 
ومهما تكن عملية انتزاع العقال من على رؤوس  اؤلئك المتهمين عند دخولهم قاعة المحاكمة ومبرراتها واحتجاج البندر عليها فهي حالة لا تعدو كونها هفوة ادراية وتصرف فردي  احمق قام به حراس المحكمة علما لن يوجد ما تشير ا ليه بروتوكالات القضاء العراقي ما خلا القوانين العسكرية فقط  ،  ومع ذلك فهي تحسب لصالح المحكمة لا ضدها حينما اعطى قاضيها الاول أذنا صاغية  لسماع البندر  وامر باعادة العٌقل الى اصحابها رغم ما يؤخذ على المحكمة هذا الموقف عندما سمح للبندر بمقاطعة سير الجلسة واقول للبندر وامثاله  هذه ظاهرة ديمقراطية  تدخل ضمن مفهوم العدالة قياسا لممارساته الشاذة ايام ترأسه محكمة الثورة الظالمة وشتان ما بين الحالتين  !! .
 
هناك  اهزوجه او مقولة كان ولا يزال يرددها الصبًية العراقيين من باب المزاح والتهكم والاستهجان بحق أؤلئك الرجال ممن لا يصونون كراماتهم وكأن وضع العقال على رؤوسهم  هو الذي يزكيهم   ويصد حالة الطعون في رجولتهم   وشرفهم ويصونهم من الخائبات السيئات والافعال المشينة  وهي التي تقول ( يا  عقال بريًج بي لولة )  .
وهنا اقدم جزيل اعتذاري وجل احترامي لكل من اعتمر العقال  والكوفية  من اهلي ابناء العراق الافاضل والعرب جميعا من رجال العشائر العربية بشيوخهم وافرادهم ما داموا هم حقا لها   وبها ...!  فالعقال على الرأس هو شرف و فخر لكل ذي ضمير وانسان عادل وخير  وورع لا يقبل التدليس او ايقاع الظلم بحق اخيه الانسان وإن حكَمَ فاليحكم   بالعدل والانصاف وفق القانون واليكم القصة .
ففي تلك السنة التي اشرت اليها اعلاه  وذات يوم اتصل  بي احد الاساتذة المحامين الكبار الوقورين والشخصية الاجتماعية والسياسية المعروفة الاستاذ داود حبيب سابا  وطلب مني الحضور الى داره التي لم تكن تبعد عن داري كثيرا فذهبت اليه بحكم الصداقة التي كانت تربطنا مع بعضنا وواجب الزمالة ،  وبعد السلام والكلام  طلب مني ان احضر معه يوم غد الى محكمة الثورة البغيضة بناء على  تبليغه بالحضور اليها لمحاكمته عن عجزه لأحضار مكفوله في  قضية اقتصادية تافهة حيث سبق له ان  قام  ولأسباب انسانية بكفالة احد  معارفه بمبلغ مائتي دينار .  كان المكفل  موقوفا عن مخالفة اقتصادية ببيعه خمسة قناني من الكحول ( العرق ) المقطر محليا وان الشخص المتهم  بها  كان صاحب محل مجاز  لبيع المشروبات الكحولية قد هاجر الى امريكا بعد الحادث مباشرة  وحال خروجه من التوقيف الذي تعرض خلاله الى الاهانات والضرب والتعذيب من قبل جلاوزة  افراد أمن الشعبة الاقتصادية التابعة الى مديرية الامن العامة  وكان ذلك قبل سنتين ونصف من ذلك التاريخ.
كانت قوانين السلطة الساقطة وبموجب قرارا  صادرا من ما يسمى مجلس قيادة الثورة ( و ما اكثر القرارات )  احالة القضايا المتعلقة بالاقتصاد الى محكمة  الثورة وهي محمكة استثنائية اوجدها صدام حسين وجلاوزته البعثين الفاشست التي يفترض فيها ان تنظر في  القضايا ذات الاهمية الاقتصادية والمؤثرة على الاقتصاد العام  للبد او ذات الصفة التخريبية للاقتصاد  وهذه هي المطلوب احالتها الى تلك المحكمة كما يقتضي  وليست المخالفات الاقتصادية في مثل هذه القضية كونها لا تعدو ان تكون خمسة قناني من الكحول !! وبكفالة قدرها مائتا دينار لا غيرها ولكن هذا الذي حصل وهو حقيقة  مدعاة  لسخرية  القدر وقوانين السلطة البعثية  القره قوشية  الجائرة  آنذاك ..!
 
وذكر لي الاستاذ المحامي انه قام بايداع مبلغ الكفالة البالغة 200 دينار لدى الكاتب  العدل لصالح الشعبة الاقتصادية ولديه وصل منها بمبلغ الايداع  وانه غير  قادر على احضار مكفوله امام المحكمة كما تريد منه ذلك ، وطبيعي بالنسبة له امر تعجيزي لتنفيذ هذا الطلب لأسباب خارجة عن ارادته  كما اسلفت اعلاه .
وفي اليوم التالي اصطحبت صاحبي معي  بعد ان قام بتنظيم الوكالة الجزائية اللازمة لي  ووصلنا محكمة الثورة بالساعة الثامنة من صباح  ذلك اليوم .
تقع المحكمة في الجانب الايسر من معسكر ابو غريب بالنسبة لمن يقصدها من بغداد وكانت على بعد مائة متر تقريبا  من الشارع العام وقد لاحظنا كثير من النساء والرجال متواجدين خارج بناية المحكمة تحت ظل بعض الاشجار وطبعا شيئ عادي عدم  توفر   الماء او الطعام او المرافق الصحية   او محل مخصص لأيواء الناس   صيفا وشتاء  خاصة وكانت بعض النسوة يحملن الاطفال الرضع  وكانت علامات الحزن والكآبه والخوف هي الغالبة على  سيمات وجوههم الكالحة وجلهم من عامة  الناس البسطاء جاءوا لحضور محاكمات ذويهم واقاربهم او على الاقل هي فرصة يمكن ان تتيح لهم رؤية بعضهم البعض من خلال نزولهم أوركوبهم سيارات الشرطة التي لم تكن تسمح به السلطات الحاكمة آنذاك الا نادرا خاصة  لؤلئك المحالين الى هذه المحكمة الغاشمة  بالذات .
وفي باب المحكمة الخارجي لا يحق لغير المتهمين ومحاميهم دخولها  إلا بعد ان يبرزوا ما يفيد ذلك الى حراس المدخل  من مراتب الامن  .
دلف صاحبي الى الداخل وتبعته انا حتى دخلنا باب بناية المحكمة الداخلي المؤدي الى غرفة المحامين الصغيرة البائسة والتقينا  فيها  بثلاث محامين سبقونا بدخولها تعرفنا عليهم او كنا نعرف بعضهم فكان احدهم يمثل نقابة المحامين وينوب عنها ( لم اتذكر اسمهه الان ) الا انه كان من الاخوة اهل الموصل الكرام ام الاثنان الاخران فكانا من المحامين المرابطين في هذه المحكمة خصيصا يتوكلون عن المتهمين الذين لم يكن قد وكلوا احدهم او عند ما تقرر المحكمة توكيلهم على حساب الدولة لمن لا يتمكن من توكيل محامي عنه لأسباب عديدة ولا انسى ان احدهم كان من المحامين العرب الفلسطينين المتواجدين بالعراق ومن المعلوم ان هؤلاء المحامين هم بعثيين بكل تاكيد .
 
بعد مرور مدة قليلة من الزمن قام المحامي داود حبيب وانا برفقته لدخول غرفة ملاحظ المحكمة لغرض اخباره بحضورنا وابراز الكفالة الجزائية بغية ربطها باوراق القضية بعد المصادقة عليها من قبل رئيس المحكمة كما تقتضي الاجراءآت القانونية الا اننا فؤجئنا بشخصية  الملاحظ  الغريبة  الاطوار  حيث كان رجلا فضا وقحا  وحاقدا وحقيرا منتهى الحقارة حين قام بمعاملتنا معاملة سمجة لا تنمو عن خلق اواخلاق وخالية من كل القيم ومجافية لك اعراف مهنة المحاماة وانظمتها بهذا الشأن.  
وبوقاحة همش الملاحظ الوكالة من يدي  وامر الحراس من شرطة المحكمة باستلام موكلي المحامي المظنون  دون الالتفات لأعتراضاتي على هذه التصرفات خاصة  وان موكلي مكفل وهو جاهز للمحاكمة ولا داعي لأرساله الى غرفة التوقيف إلا انه لم يعر اي اهتمام لكلامي وكأنه لم يسمع احتجاجي الشديد على ممارسته هذه المخالفة  لقانون اصول المحاكمات الجزائية
رجعت الى غرفة المحامين وفي الساعة العاشرة عقدت المحكمة اولى جلساتها عندما نودي على احد المحامين الثلاث لغرض التوكيل عن احد المتهمين ولا نعرف من هو ولم يسمح لنا دخول قاعة المحاكمة لحضور المرافعات الجارية ولا نعلم ما ذا كان يجري داخلها ومضت الامور هكذا وانا جالس وفي قلق شديد على صاحبي حتى الساعة الثانية عشر ظهرا حين اخبرنا احد المحامين بان رئيس المحكمة غادرها وقد سبق وسمعنا تجمع حرس الباب النظامي لتأدية التحية له وعندها زادت حيرتي وقلقي على موكلي وفقدت كل امل في التشبث بالامور القانونية بعد ما ثبت لي ان لا قوانين ولا انظمة مرعية ذات شأن بهذه المحكمة الفضه .  فأخذت افكر  كيف اتصرف ولمن اشتكي فذهبت ثانية الى ملاحظ المحكمة وانا على مضض أسأله عن ماذا حل بموكلي فاجابني بان رئيس المحكمة قد امره بارساله موقوفا الى موقف شرطة ابو غريب لمدة خمسة ايام وانه ( والكلام للملاحظ ) بصدد طبع كتابه لتنفيذ امر الرئيس وسيقوم عضو المحكمة العميد الحقوقي داود التكريتي بالتوقيع عليه نيابة عنه .. في هذه اللحظة فقدت اعصابي وشل تفكيري وسألت نفسي ما العمل ؟ خاصة وان لا فائدة من النقاش مع الملاحظ الحقير وطلبت من ممثل نقابة المحامين وهو على وشك مغادرة المحكمة ان يتدخل بالموضوع ويقوم بمساعدتي مستندا بذلك على قانون المحاماة القاضي بعدم جواز توقيف المحامي الا بحضور من يمثل نقابة المحامين ولسبب مبرر الا انه لم يعمل شيئا بعد ان تكلم مع الملاحظ وجائني خائفا  مضطربا  ثم غادر المحكمة فورا .
وبدأ  موظفو  المحكمة بالمغادرة  ،   بقيت انا واقفا مذهولا بباب المحكمة بانتظار ما سيحدث  وصدفة لاح لي  رؤية عضو المحكمة العميد الحقوقي داود سلمان  التكريتي وهو يخرج من المحكمة  ليقل سيارته العسكرية بغية المغادرة وفي تلك اللحظة تذكرت الملازم الاحتياط الحقوقي آنذاك داود سلمان التكريتي  والذي كان  معتقلا معي  يشاركني السكن في احدى غرف سجن رقم  واحد العسكري بصفته احد الاعضاء  القوميين العرب ومن جماعة الزعيم الركن الطيار عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء الذي قام بحركته الانقلابية الفاشلة المعروفة  وقد جيأ به الى التوقيف بعد فشل الحركة ،  وتذكرت ايضا كيف كان يدعي الاشتراكية والوحدة العربية والديمقراطية وحتما  هو الان قد بدل الولاء من القوميين الى البعثيين واصبح بهذه الرتبة  وهذا المركز .. فما كان مني الا ان اناديه برتبته واسمهه الصريح ،   فالتفت الي وسالني من انت  ؟  فقلت له انا فلان ..! فرحب بي الرجل وسالني سبب وجودي هنا ..؟ فشرحت له الموضوع فسكت برهة وقال .. يا فلان ان رئيس المحكمة اوصى بتوقيفه خمسة ايام  وقبل لحظة وقعت كتابه نيابة عن الرئيس .. وبعد الجدل والنقاش كون القضية تخص شخصا آخر وان  تكيفها القانوني لا تعدو كونها  مخالفة اوامر وتعليمات الشعبة الاقتصادية ولا تشكل جريمة ومع ذلك فان موكلي المحامي الاستاذ داود حبيب كان حسن النية عندما قام بكفالة المظنون  الغائب وانه   قام بايداع مبلغ الكفالة  وهي 200 دينار لدي الكاتب العدل لأمر الشعبة الاقتصادية  ومع ذلك انا  شخصيا مستعد لكفالة موكلي بالمبلغ الذي تقررونه علما انه محامي لا يجوز توقيفه الا بحضور ممثل النقابة واهم من كل شيئ هذا الرجل  وجه اجتماعي وسياسي  محترم ومعروف وكبير السن و و و  ..    فرد علي قائلا وهو يبتسم   هل هو من جماعتكم ؟؟ وواضح ما كان  يقصده بسؤاله هذا .. فقلت له نعم هو كذلك ونحن نتشرف به وبكل الاخيار الوطنيين والديمقراطيين . فرد علي قائلا انتظرني .. وتركني ودخل المحكمة وبعد حوالي ربع ساعة خرج وتوجه لي قائلا لقد قمت بتبديل صيغة الكتاب على مسئوليتي الشخصية لخاطرك  وسنرسله مخفورا الى محكمة جزاء الكرخ لتقوم هي بالتصرف وفق ما ترتأيه المحكمة  . ففرحت كثيرا وشكرته على موقفه هذا الذي لن انساه له ابدا .. وقد انقذني به وانقذ  شخص موكلي المذكور  .
وفعلا اخذت موكلي و ( الكلبجة ) بيديه تحت حراسة احد رجال الامن المأمورين من حراس المحكمة الى دار العدالة في الكرخ -رئاسة استئناف الكرخ الكائنة مقابل منتزه الزوراء والى  محكمة الجزاء بالذات فدخلنا على قاضي الجزاء  والمأمور معه فصعق القاضي من شدة المفاجئه حينما رأى المحامي الكبير السن والذي يعرفه جيدا  ومعصميه مكبلتين بالحديد خاصة عند ما قرأ نص الكتاب وتفاهة التهمة ..! وبعد ان انصرف المأمور علق القاضي على الحالة قائلا  ( هل من المعقول هذا ما وصل اليه الانسان العراقي ؟  حتى المحامين  ؟  وهذا الاستاذ بالذات ؟؟؟
وحالا امر كاتب الضبط بعقد الجلسة للمحكمة  علما ان وقت المرافعات كان قد انتهى  وخلا ل نصف ساعة فقط قرر القاضي الحكم على موكلي داود حبيب المحامي  بغرامة مقدارها  100 دينار لثبوت عجزه عن احضار مكفوله ( فلان ابن فلان ) المطلوب محاكمته امام محكمة الثورة  واطلاق صراحه فورا .
 
كلمة اخيرة اود اضافتها وهي ان الشعب العراقي لديه الكثير من التجارب والعبر فلا ديمقراطية دون احقاق العدل و ترسيخه عن طريق احترام القانون وتطبيقه شكلا ومضمونا
 
والديمقراطية ممارسة  تتحقق  وتبدأ  عبر عقال وغترة  عواد البندر وليست من خلال عدالة احكام البندر الجائرة ومحكمته محكمة الثورة سيئة الصيت .
 


*  حقوقي