| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عربي الخميسي

 

 

 

الأربعاء 20/2/ 2008



يخت صدام حسين ويخت الملك فيصل الثاني
والعراقي المهندس البحري صبري عريبي مخيطر

عربي فرحان الخميسي

نشرت وسائل الاعلام خبرا مفاده ، ان القضاء الفرنسي بمدينة نيس وضع اشارة التحفظ على اليخت العائد لحاكم العراق السابق صدام حسين بناء على طلب الحكومه العراقيه والمعروض حاليا للبيع في هذا الميناء ـ، ويقدر بدل بيعه بمبلغ يزيد على تسعة ملايين وسبعمائة الف يورو !!! والذي كان قد صنع في بلجيكا سنة 1981 والى اخره من معلومات مثيره تتطلب الاجابه على كثير من التسائلات والاستفسارات ، من حيث عائدية الشركه المصنعه ، واصل الملكيه ، وتاريخ انشاء اليخت المتزامن وميزانية الدوله الخاويه في ذلك التاريخ كما كان يدعي صدام حسين ، جراء شراء الاسلحه وعقد الصفقات السرية منها والعلنيه مع دول الشرق والغرب وتهيئة وتحضير القوات العراقيه المسلحه لدخول الحرب مع ايران ، و يمكن متابعة الخبر لمن يريد المزيد بالرجوع الى المواقع الألكترونيه ومعظم الجرائد العربيه ...

هذا الخبر عن اليخت اثارني واعاد بي الذاكره الى يخت ثان من اليخوت ، وربما يظهر المزيد منها في المستقبل القريب ، لأن العراق بقرة حلوب ..مساكين اهل العراق والله مساكين ( ولد الخايبه )  .

وذلك اليخت الثاني موضوع حديثي هو يخت الملك فيصل الثاني ، الذي كانت قد استولت عليه حكومة ثورة 14 / تموز 1958 والذي اطلق عليه فيما بعد ب( الباخرة ثورة ) واليكم القصه ..

بعد ايام قليله من قيام ثورة 14 / تموز بحوالي الاسبوع تقريبا ، وردت برقية من دائرة الحاكم العسكري العام الزعيم احمد صالح العبدي في بغداد ، تطلب من امرية موقع البصرة العسكري اية معلومات متوفرة عن اليخت الملكي ، وصورة من البرقية تلك مُرسَلة الى مديرية الموانئ العامه لنفس الغرض . ارتأى أمر الموقع العقيد مجيد علي ان يعهد امر متابعه هذا الموضوع لي شخصيا ، اذ كنتَ اشغل منصب ضابط ركن الحركات والاستخبارات بالموقع المذكور ، وقد أجبنا الحاكم العسكري العام على برقيته - ان الموقع ليست لديه اية اوليات سابقه ، ولا اية معلومات حاليه تخص هذا اليخت ، وان الاتصالات معه من قبلنا مستحيله، إذ ليس بمقدورنا الاتصال به لعدم توفر الاجهزه اللآسلكيه ذات المدى البعيد لدينا . وبقى الحال قيد الرقابه والمتابعه من قبل مديرية الموانئ العامه ، وكانت من جهتها تحاول هي الاتصال باليخت عن طريق البرق ( المورس ).

تقول معلومات مديرية الموانئ العامه ان اليخت الملكي كان قد غادر ميناء البصرة ، متوجها الى تركيا قبل يوم الثورة بحوالي الثلاثة اسابيع ، وكان عليه الرسو في ميناء اسطنبول بانتظار قدوم الملك فيصل الثاني لحضور مؤتمر بغداد ، الذي سيعقد هناك وقضاء موسم الصيف للأستجمام والاصطياف هو وحاشيته على شواطئ بحر ايجه ومضيق البسفور ، ومن المعلوم ان العراق كان عضوا فاعلا ومهما في حلف بغداد ، وكان الموعد المقرر لسفر الملك فيصل الثاني ورئيس الوزراء نوري السعيد هو الثلاثاء الموافق 15 / تموز اي بعد قيام الثورة بيوم واحد فقط .

وبعد يومين حضر الى مقر امرية موقع البصره العقيد الركن الطيار صادق العزاوي ، والذي كان طيار الملك الخاص قبل الثورة ويشغل حاليا وظيفة مدير الارصفه والنقليات في مديرية الموانئ العامه ، وجاء يحمل بيده صورة البرقيه التي استلمتها الموانئ من اليخت توأ ، تنص على تأييد جميع افراد كادر اليخت الملكي من موظفين ونوتيه على قيام الثورة ، وتقدم التهاني الحاره للشعب العراقي وللزعيم عبد الكريم قاسم وقادة الثورة . وردت هذه البرقيه مذيلة بتوقيع المهندس البحري صبري عريبي مخيطر الخميسي ، وقد افرحنا هذا الخبر كثيرا وقمنا على الفور بتبادل التهاني فيما بيننا على نجاح الاتصال وعلى سلامة البحاره العراقيين المتواجدين على سطح اليخت ، والان اصبح بامكاننا الاتصال به مباشرة ، ومعرفة اخباره يوم بيوم وساعة بساعه وكانت البرقيه مقتضبه جدا ، وبدورنا نحن ارسلنا نص البرقيه الى دائرة الحاكم العسكري العام ومن ثم توالت البرقيات.

كانت البرقيه الثانيه تشير الى ان اليخت محاصر من قبل ثلاثة فرقاطات تركيه من ثلاثة جهات ، وان نوتية اليخت مُنِعوا من النزول الى الشاطئ لأي سبب وحتى لأغراض تبضع الحاجات اليوميه ، وان المهندس البحري صبري عريبي قد أنتُخِب بالاجماع من قبل الكادر الفني والبحاره والخدمي لتولي رئاستهم وتمثيلهم والتكلم باسمهم ، بعد ان غادر اليخت قبطانه ( الكابتن ) البريطاني الجنسيه وتركه محاصرا في ميناء اسطنبول ، كما مر ذكره اعلاه ، وانهم يُعاملون بخشونه من قبل السلطات التركيه التي اخذت تمارس الضغوط حيالهم بشتى الوسائل .!!
كان عدد العاملين باليخت لا يتجاوز العشرين فردا مؤلفا من المهندس البحري ومسؤول الاتصالات والطباخ ومساعده والقائم بخدمة الملك الشخصيه والباقين نوتية اليخت ..

تأزمت الحاله داخل اليخت جراء تدخل سلطات الموانئ التركيه بشؤون اليخت ، ومضايقته على اثر رفض طلب الملحق العسكري العراقي العقيد الركن عبد القادر فائق الذي رجا فيه من السلطه التركيه السماح له لزيارة وتفقد حالة الافراد واليخت وللأطلاع على احتياجاتهم ، خاصة بعد ان قام الامير زيد ابن الحسين سفير العراق في تركيا آنذاك ، بزيارة مفاجئه الى اليخت في اليوم الثاني للثوره وبرفقته الكابتن البريطاني ودخلا كابينة (غرفه نوم ) الملك الخاصة ، ومكثا فيها عدة دقائق ثم خرجا ، وكان الامير زيد يحمل حقيبة كبيرة تعود الى الملك ، لا احد يعرف محتواها ، كما لم يتمكن احد من منعهما خوفا من السلطات التركيه التي كانت مرابطه بالقرب وحول اليخت...

بقت الحاله على ما هي عليه ، وعندما اخذ الوضع يسيئ يوم بعد يوم كان على الاستاذ المهندس صبري عريبي تولي الامر والخروح من هذا المأزق وفك الحصار ، فعقد اجتماعا مهما مع معيته نوتية اليخت لأتخاذ القرار المناسب ، وهو قرار مصيري وخطير ، وبعد المناقشات وافق الجميع على المجازفه والتسلل ليلا من ميناء اسطنبول والخروج باليخت سالما من المياه الاقليميه التركيه نحو المياه الدوليه مهما كلف الامر ومهما كانت خطورة القرار ، واضعا بحسابه كل المعوقات ، والتوقعات ، والاحتمالات ، كما قام بتهيئة اليخت وحساب مقدار الوقود والمياه المتوفره والارزاق ، والاستفاده مما كان يحتويه مخزن المطبخ العائد للملك من مؤونه وارزاق عينيه ومعلبات ومشروبات وسيكاير ، والاحتفاظ بها مركزيا ، وتوزيعها على الافراد بشكل عادل ، وقام بتقليل حصة الفرد منها ومن الحصه اليوميه الى النصف..

وامر بأخذ التحوطات الامنية والفنية ، وتقليل التحركات حتى تحين الفرصه المؤاتيه ، وبقوا على هذه الحال ثلاثة ايام طوال ! وهم بوضع درجة التأهب القصوى ، وفي الساعه الواحده بعد منتصف ليلة 2 / 3 من شهر أب سنة 1958 ، قام الاستاذ المهندس صبري باعطاء اوامره بتحرك اليخت بحذر وبطئ شديدين ، مستفيدين من الظلام الدامس ، و تقليل الاضاءه الى الحد الادنى الممكن للرؤيه، ومنع الاناره الفرديه منعا باتا ، ولأي سبب كان مثل تدخين السكاير .

سارت الامور بشكل جيد ، وتمكنوا من التملص والتسلل ببطئ بعد معاناة وصعوبات فنية وضغوط نفسية ، وخوفهم من السلطات التركيه وتعرضهم للمساءله القانونيه في حالة القاء القبض عليهم وعلى اليخت ، وهم الذين تواصوا باخلاص وامانه وبشرف العراقي ان يعودوا باليخت سالما الى العراق وتقديمه هدية للثوره وقادتها ؟؟

واخيرا ، هكذا تمكنوا من الافلات من طوق الحصار ، وبعد ساعات قليله دخلوا المياه الدوليه ، وتنفسوا الصعداء واخذوا ينشدون الاناشيد الوطنيه ، ويغنون طربا ويرقصون فرحين وهم يهتفون بحياة العراق وشعب العراق . اما الاستاذ المهندس صبري فقد تجنب الرسو في موانئ جزيرة قبرص خوفا من السلطات البريطانية التي كانت تحتلها ، واستمر اليخت بابحاره متوجها الى ميناء بورسعيد المصري مباشرة ، وحال الاقتراب من الميناء المذكور ودخول المياه الاقليميه المصريه ، اتصل المهندس الاستاذ صبري بواسطة جهاز المورس بالاسطول المصري والموانئ المصريه ، كما تقتضيها القوانين في مثل هذه الاحوال ، فرحبت السلطات المصريه غاية الترحيب بهم ، وقامت باتخاذ الاجراءات اللازمه لتسهيل مهمة دخول اليخت الى الميناء والرسو على الرصيف المعين له ، وعلى اثرها تناقلت الانباء اخبار اليخت ، بحيث اكتظ ميناء بورسعيد بالمستقبلين والمرحبين من مسئوولين حكوميين ، ومراسلي صحف ، وجماهير حاشده من المنظمات والنقابات العماليه المصريه ، وهي تهتف بحياة العراق وشعب العراق ، ومهنئه بسلامة الوصول باليخت وبطولة بحارته . وعندها تناقلت اخبار اليخت محليا وعالميا ..
وفي اليوم التالي خرجت الصحف المصريه وهي تشيد ببطولة وتضحية رجال اليخت ، وتخص بالذكر الاستاذ المهندس صبري عريبي وحسن تصرفه ، كما نشرت المقابلات الصحفية معه بمنشيتات كبيره على صفحاتها الاولى ، وهي مزينة بالصور الملونه لليخت وابطاله الميامين ..!!
وبعد قضاء مدة عشرة ايام في ميناء بورسعيد المصري لغرض الاستراحة والتزود بالوقود وتبضع حاجات اليخت والافراد ، واصل اليخت ابحاره صوب العراق عن طريق البحر الاحمر، متوجها الى ميناء عدن ، ومن ثم الى البحر العربي والى الخليج العربي وقد قطعها بفترة زمنيه قصيره ، حتى نقطة الادلاء ، وهي موقع مصب مياه شط العرب في الخليج ، حيث كان باستقبال اليخت حشد غفير من الجماهير العراقية التي ركبت الزوارق والبواخر الصغيره التي انتشرت وغطت عرض شط العرب على اتساعه ، وكانت بقيادة اتحاد العمال وعلى رأسها نقابة الموانئ البطله والنقابات العماليه الاخرى ، كنقابة شركات النفط والطلبه والفلاحين والمعلمين والمهندسين والاطباء وغيرهم ، وجمع من الناس من مختلف الانتماءأت والاطياف ، كلها جاءت تهتف باسم الجمهورية العراقيه الخالده وقادة الثوره والزعيم قاسم ، وهي ترفع الاعلام واللافتات المعبره عن شعور واحساس عراقي صميمي ، كما شارك في الاستقبال متصرف اللواء الزعيم الركن عبد الرزاق عبد الوهاب ، والعقيد مجيد علي امر موقع البصره ، والعقيد الركن عامر حسك مدير شرطه البصره ، وطارق الكاتب رئيس مهندسيي الموانئ ، والعقيد خضر عبد الجليل نائب مدير الموانئ ، وغيرهم من كبار المسوؤلين الموظفين والسياسين ممثلي الاحزاب ، وكان اللقاء حارا ومؤثرا بالنفوس بشكل فريد اشبه بزفة عرس عراقيه ، رافقت اليخت وتحيط به حتى مرساته في ميناء المعقل !!!
وفي اليوم التالي ، وصل مقر الموقع المقدم الركن صالح مهدي عماش موفدا من قبل مديرية الاستخبارات العسكرية ، للتحقيق حول الحقيبه التي استحوذ عليها الامير زيد ابن الحسين والتي اشرنا اليها اعلاه ؟ ولكننا لم نعرف نتيجة التحقيق حتى هذا اليوم مع الاسف الشديد ، كما اقامت نقابة الموانئ حفلة تكريم على شرف قائد الباخره الجديد المهندس صبري ، وباقي نوتيته الكرام ، حضرها كافة المسؤولين من رسميين و منظمات ما عدا ، اللواء الركن مظهر الشاوي مدير الموانئ العام الذي لم يحضر الحفل إذ كان متزمتا وطائفيا متعصبا ومتشنجا وغير راض على وظيفته ومنصبه الجديد كمدير عام للموانئ ، الذي عَين به ولا عن الثوره وقادتها ، من خلال احاديثه في محضر زواره بالمديريه وفي جلساته الخاصة وهذا الانسان كان من المقربين وعمود من اعمدة نظام الحكم الملكي ....!

لقد عُشت الاحداث هذه لحظة بلحظه ومهما وصفتها فلا يمكنني اعطاءها الوصف الكامل الذي تستحقه ابدا . والى هنا تنتهي قصة اليخت الملكي ( الباخرة ثورة ) !!!!!! هذا الاسم الجديد الذي اطلق على اليخت وقَرِرَ استخدامه لأغراض السياحه .. الى هنا واختتم قصة اليخت الملكي ولكل يخت قادم قصه .

واخيرا ، وبعد كل هذا لا يصدق المرء ابدا ان يكون جزاء هذه التضحيه والمخاطره من قبل المهندس المذكور وصحبه البحاره ، هو النقل من وظائفهم وتفريق شملهم !! إذ لم تمض مده اشهر قليله حتى اصدرت مديرية الموانئ العامه امرا اداريا يقضي وللمصلحه العامه ان ينقل المهندس البحري صبري عريبي الى وظيفه اداريه مغايره لأختصاصه المميز ..!!
ومن ثم احالته على التقاعد بعد سنتين اي في بداية سنة 1960 ؟ مما اضطره على المغادرة وعائلته مدينتة البصره الى بغداد .. متواريا عن الانظار خوفا وتحفظا

صبري عريبي مخيطر الخميسي في سطور

ولد سنة 1928 في قضاء قلعة صالح -- العماره
عراقي الاصل عن اب وجد صابئي مندائي ذو حس وطني مخلص سليل عائله مندائية محترمه جميع افرادها مثقفين ومتنورين انهى الابتدائيه في قضاء قلعة صالح اكمل الدراسه المتوسطه والثانويه بين العماره والبصره اتاحت له الفرصه خيارين الاول الالتحاق بكلية دار المعلمين العاليه والثاني الانضمام الى بعثة الموانئ التي نجح في امتحان قبولها بتفوق وقد فضل الأختيار الثاني وأرِسلَ الى انكلترا - اسكوتلاند ليتخرج من جامعتها مهندسا بحريا بتفوق ، ومن ثم التحق باحدى الشركات البحريه البريطانية العالميه لمدة سنتان لأغراض الممارسة والتطبيق قبل عودته الى العراق ، زار خلالها معظم موانئ العالم واطلع على امور كثيره ثقافية واجتماعيه تخص شعوب العالم شرقها وغربها ، إضافة الى خبرة واختصاص مميزين ..
رجل وطني ، غيور ، مثقف ، حريص، مخلص، هادئ الطبع ، حاد الذكاء ، طيب المعشر ، مرح المزاج ، يحب الانسان اي انسان ، ويحترم الصداقه ؟؟
هاجر الى كندا منذ اوائل الثمانينات ، ويعيش وعائلته هناك وقلبه الحي لا زال ينبض مع نبض العراق ومع قلوب كل العراقيين الاباة !!!

ويبقى التاريخ محطات للتأمل وأخذ العبر لمن يعتبر !! والسلام

نيوزيلاند
شباط / 2008


 


 

Counters