| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عربي الخميسي

 

 

 

الأثنين 19/10/ 2009



يا اهل مدينة اوكلاند ماتت كاشين ....؟

عربي الخميسي *

مسكينة كاشين ماتت وهي لم تبلغ من العمر سوى سبع وثلاثون سنة ، وقد وجهت جريدة .. ( مشهد اوكلاند ) ليوم 30 من آب سنة 2009 (City Scene) الدعوة لأهالي مدينة اوكلاند لحضور تشييع جثمان المتوفاة الى مثواها الاخير .

كاشين هذه مغلوب على امرها ، جرى تهجيرها وربما بٍيعت وهي لا تدري .. وسُفِرّت من مسقط رأسها في تايلاند الى بلدها الجديد نيوزيلاند دون ارادتها ، وهي لم تزل صبية فتية لا يتجاوز عمرها الاربع سنوات ، هكذا ورد بهذه الدعوة . ومما يلفت النظر الصيغة التي كَتِبت بها هذه الدعوة ، فقد جاءت بمانشيت عريض خَط بأحرفِ كبيره تصدرت الصفحة الاولى من الجريده وفي الاعلى منها ، حيث تقول كلماتها : ( الجمهور في اوكلاند وعموم نيوزيلانده مدعون للحضور الى حديقة الحيوانات هذا الاسبوع ، للمشاركة بتشييع وتوديع احدى الأناث المسماة كاشين التي رحلت عنا يوم الاثنين الماضي، والدعوة قائمة لكل هؤلاء وإؤلئك الذين يضمرون لها في قلوبهم حبا وتربطهم واياها ذكريات مثيرة طيبة )-
الترجمة بتصرف -

أتدرون من هي السيده كاشين الراحله عنا والتي جرى نعيها في هذه الدعوه ؟ هي احدى اناث الفيلة ذات التاريخ الحافل .!
هذا ما صرحت به رئيسة الهيئه الاداريه لحديقة الحيوانات في اوكلاند ، واضافت مشيده باوصاف وصفات السيده كاشين قائلة ( انها ايقونة الحديقه ورمز حيواناتها تستحق الاحتفاء بها وتمجيدها في يومها الخالد هذا ) وان السيد اندرو رئيس الفريق المسؤول عنها في الحديقه ، ايدها في نعوتها لها ، وعدد هو الاخر مواهبها وثر عطائها ، قائلا ( كانت تبدو ملكة فوق عرشها بل عملاقا شاخصا وعظيما بين رفاقها تستحق الاحترام والتبجيل ) واستمر بطرح محاسن هذه الفقيدة ، ولكي لا اطيل عليكم سأبين المقصود ، رغم استمرار الحديث عنها ، وسرد الذكريات والافعال المميزة للفقيدة كاشين بهذه الصحيفة المحلية وبصحف اخرى تصدر في اوكلاند على توالي الايام والاسابيع ولا تزال و حتى هذه اللحظة ...!

نحن بمجتمعنا العراقي ومنطقة الشرق الاوسط عامة ، ننعت نهاية حياة الحيوان ، فنقول نفق ذلك الحيوان ولم نقل مات لا اعرف السبب ، وربما لكي نعلو بالانسان منزلة ورقيا ، وقد يكون الامر صحيحا ، لأن الانسان يقع في قمة هرم المخلوقات ، لتمتعه بصفات وممارسات تختلف جوهريا عن غيرها مما يقوم بها خلق اخر ، وهذه الامور يعرفها العلماء والاختصاصيون وغيرهم ..
الا ان من المؤلم حقا اننا عكس ذلك تماما ، ففي هذه الايام نحن معشر العراقيين ، لا نقيم وزنا ليس للحيوان فقط بل للانسان وقيمته وحقوقه باعتباره اغلى كائنات هذا الكوكب ، بل هو اثمن الموجودات كافة ، وقد سخرت له الطبيعه كل مصادرها ، ومنحته الحرية المطلقه بالتمتع بمعطيات الكرة الارضية على وفرتها واتساعها بما تحتويه من مأكل ومشرب وملذات هذه الدنيا ، وقضى بتسخير الكائنات والموجودات كلها لخدمته وتحت تصرفه ، والمهم ان الطبيعه ذاتها زودته بالعقل والفكر والادراك ، وهو وحده على الاطلاق منحته موهبة النطق والتفاهم ، فما عليه الا حسن التصرف والممارسة اتجاه نفسه وضمن الجمع وما يحيط به من كائنات ومكنونات كثيرة

نحن من تقاليدنا الباليه نمقت الحيوانات والطيور والزواحف ، وقياسنا لهذا الفهم ودرجة هذا المقت يتحدد بمقدار الفائدة التي نجنيها منه طعاما ، او عطاء ، او خدمة ،واستخداما او استئناسا ، وعلى العموم ، تعودنا او هكذا كانت ثقافتنا ، ان نحمل لها في قلوبنا كرها وتحريما واقصاء إلا ما ندر منها رغم فوائدها الكثيرة ، فنحن مع الاسف بشر تغلبت علينا الانانيه وحب الذات ، وزرعت في قلوبنا الضغينه والحقد ، وربما ممارسة جبلنا عليها او معتقدا دينيا إتمرنا به ..! وقياسا للتعامل مع انثى الفيله كاشين موضوع حديثنا هذا وحضور جمهورها ، نطرح السؤال الأتي .. اين نحن منها يا ترى ؟ اين الخطأ ؟
هل ان كياننا البنيوي ودرجة وعينا الثقافي وتقاليد وعادات مجتمعاتنا ومن ثم قوانينا الوضعيه كانت هي السبب ؟ ام هي انعكاسا لقهر وظلم السلطة والتسلط وانظمة الحكم التي زرعت الخوف والكره بقلوب مريديها ؟
لا اعرف لماذا يحدث الان بالعراق ؟ وقد اباح الانسان لنفسه قتل اخيه الانسان الاخر ؟ وهل هو طبع ام تطبع ؟ ومن الغريب حقا ترى ان هذا الكائن العراقي هو نفسه ومن قديم الزمان شرّع القوانين واوجد قواعد احترام بني البشر واسس للحياة قيمتها وحرم الاعتداء عليها لأنهائها والتجاوز عليها ..! واكرر السؤال ..كيف حدث العكس بعراقنا الحبيب ؟ اسئلة كثيرة واردة وهي بحاجه الى دراسة ميدانية من قبل العلماء وذوي الاختصاص ، كظاهرة اجتماعيه سلبيه حلت بالشعب العراقي في ظروف قد تبدو جديدة وغير مسبقه وبالتأكيد لها اسبابها ومسبباتها سابقا ولاحقا ؟

وخلاصة القول ارى ان العراق يجب عليه ان ينهض من هذه الكبوة، ويؤسس مجددا للتربيه والاخلاق ، ويرتفع بالوعي الفردي والجماعي ، لتوطيد مفاهيم المحبه والتآخي بين بني الانسان كافة ، ويقر الحقوق الشخصيه للفرد والجماعه ، وان نتعلم مما وصلت اليه الامم والشعوب في هذا المجال ، وهي تحترم الخلق من بشر وحيوان على حد سواء ، وحتى النباتات يجب ان تشرّع لها قوانينها وكيفية الحفاظ عليها وتطوير زراعتها وتحسين جماليتها ..! امور كثيرة تنقصنا فهما وممارسة قياسا لما وصلت اليه باقي الأمم المتحضره ...!

رحلت عنا كاشين الى الابد ، ونَثِرت على جثمانها الزهور والرياحين ، وغنى لها عشرات الاطفال اناشيد الحب والوداع ، وحيّاها الكبار ساعة توديعها الوداع الاخير، وخلدت ذكراها كل وسائل الاعلام المرئية والسمعية والمقرؤة ، وما علينا نحن معشر العرب والشرقيين ، الا ان نتعلم كيف نتعايش مع بعضنا ، ونستوحي العبر من هذه الواقعه ، وليكن حبنا لبعضنا البعض حميميا ، ولنوطد شعور السلام بيننا وبين البشر كافة ، ومع كل ما حولنا من كائنات ومكنونات ، والتي اصبحت من اساسيات الحياة وجوهرها ومقومات الانسانية الناهضه ، داعين للسلام والمحبه ، ولتسود اواصر الاخوة والمشاركة ، وليعش الجميع بوئام على هذا الكوكب وبسلام
 

ت 1 / 2009

* حقوقي --- نيوزيلاند
 

 

free web counter