| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

عبدالكريم گاصد

 

 

 

 

 

الأربعاء 9/9/ 2008



ترجمات إليوت إلى اللغة العربية

عبدالكريم كاصد

يمكن القول إن ترجمة شعر إليوت إلى اللغة العربية ترجع إلى أوائل الخمسينات من القرن الماضي، وما سبقها لا يعدو أن يكون إشارات وتعريفات مبثوثة هنا وهناك في بعض الصحف والمجلات العربية، لعلّ أبرزها ما كتبه لويس عوض في مجلة الكاتب المصري التي كان يرئس تحريرها الدكتور طه حسين، غير أنّ البداية الحقيقية هي في مستهلّ الخمسينات حين صدر كتاب عن دار مجلة شعر ضمّ العديد من الترجمات التي سبق أن نشرت في مجلات مختلفة كالأديب والآداب ومجلة شعر، شارك فيه كلّ من: بلند الحيدري و د. ستورت بترجمة أغنية العاشق بروفروك، منير بشور بترجمة أربعاء الرماد، يوسف الخال بترجمة الرجال الجوف، أدونيس ويوسف الخال بترجمة الأرض الخراب، بالإضافة إلى ما احتواه الكتاب من مادة أخرى هي (مقتلة في الكاتدرائية) التي ترجمها المصريّ ابراهيم شكر الله.

أعقبها بعد ذلك بسنوات قليلة صدور كتاب آخر عن إليوت وأعماله كتبه الدكتور فائق متى عن دار المعارف بمصر في سنة 1965 ثم أعيد طبعه في السنوات الأخيرة عن دار المعارف بمصر، دون إعادة نظر في الطبعة الأولى أو أيّ تغيير ممكن حتى لأغلاطه المطبعية، ثم توالت الترجمات التي قام بها مترجمون مختلفون من أقطار عربية شتّى: لويس عوض، صلاح عبد الصبور، ماهر شفيق فريد، توفيق صائغ، عبدالله الطيّب، عبدالواحد لؤلؤة، يوسف اليوسف، صبري حافظ، عبدالقادر الجموسي وآخرون لم تتم الإشارة إليهم في أيّ كتاب أو مقالة صادرة كالناقد والمترجم العراقيّ الراحل مصطفى عبود الذي قام بترجمة الرباعيات الأربع في السبعينات ونشرها في مجلة الأديب المعاصر. ويبدو من خلال قراءتي لهذه الترجمات وما توفّر لي منها ثانية، بعد أن بعد العهد بقراءتها، أنها اتخذت مسارات عديدة تفترق من دون أن تتكامل أو حتى أن تتقاطع رغم ما رافقها من جهود تستحق التقدير حقّاً، فما يبدو صحيحاً في ترجمة سابقة يُترجم خطأ في ترجمة لاحقة، وما نراه خطأ يعاد صواباً ولكن بصيغة خاطئة غريبة في تركيبتها أو لغة هي أقرب إلى التفسير منها إلى الشعر، وبالذات شعر إليوت المعروف بكثافته وحيويته وإشاراته العديدة إلى ما هو يوميّ أوحسيّ. ورغم ما تخلل بعض هذه الكتب والترجمات أو أكثرها من نواقص أو أغلاط، فإنها خلفت جوّاً من الألفة لقرائها مع عالم شاعر يحوطه الغموض ويرافق ترجمته دوماً الإشارة إلى صعوبة شعره، حتى في نصوصه البسيطة الواضحة التي لم تخلُ من شروحات المترجمين وتعليقاتهم وحواشيهم، كما حصل ذلك لقصائده عن القطط.

والغريب أن الكتاب الذي صدر عن دار مجلة شعر هو أشدّ هذه الكتب تأثيراً، رغم أنه لم يحتو ِعلى أي شروحات بما فيها شروحات إليوت نفسه، إذ خلت ترجمة (الأرض الخراب) من أي هامش للشاعر أو لغيره من شرّاحه ومترجميه محققة بذلك، رغم المفارقة الساخرة، تأكيد إليوت المتكرر على " أهمية التوصيل قبل الفهم". ويزول استغرابنا حين نعلم أن (الارض الخراب) لم ترافقها أية شروحات حين صدرت للمرة الأولى في مجلة (المعيار).

وهذا التأثير الذي تحقّق يعود ربّما، رغم المآخذ الكثيرة على ترجماتهم، إلى قدرة المترجمين وحساسيتهم وخبرتهم الشعرية، إن لم نقل حداثتهم، وتمرس بعضهم في الترجمة كيوسف الخال الذي أصدر آنذاك كتابين مهمين أحدهما يضم أشعاراً مترجمة لروبرت فروست والآخر يضم منتخبات من الشعر الأمريكي المعاصر. ولعلّ حساسية بعضهم الكبيرة كانت تعويضاً عمّا ينقصه في جوانب آخرى كمعرفة اللغة الإنجليزية معرفة جيّدة، لذلك نرى بلند الحيدري يستعين بمترجم آخر هو د. ستورت لترجمة أغنية العاشق بروفروك، ونرى أدونيس يستعين بيوسف الخال العارف باللغة الإنجليزية معرفة تؤهله لترجمة أهم علائمها في الشعر. ولم تكن أغلاطهم، الشنيعة أحيانا، إلاّ جزءاً يسيراً ما كان بوسعه أن ينقض بناء كليّاً قائما على فهم خاص لعالم إليوت الشعريّ من خلال الترجمة التي حافظت على بنى الكثير من العبارات والجمل وإيحاءاتها ودلالتها الواقعية في آنٍ واحد، كما وردت في الأصل ولعل أبشع هذه الأغلاط هو الغلط الشهير الذي أصبح نادرة يتندر بها الكثيرون هو ترجمتهم : "ابلع ابلع" بدلاً من "سنونوة سنونوة" لانّ الكلمة تعني المعنيين في آن واحد.

كذلك لا يخلو كتاب فائق متّى من فائدة، رغم أغلاطه الفادحة في بعض المواضع بل وحتى في العناوين فهو يترجم (أربعاء الرماد) بـ (رماد الأربعاء) وشتان ما بين الاثنين، وغيرها من الأغلاط التي لا تقلّ طرافة من: "ابلع ابلع"، ولكنهُ استطاع، وهذا ما ينكره ناقدوه، أن يقرّب القارئ العربيّ الذي لا يعرف النص الأصليّ، إلى عالم إليوت من خلال ترجمته بعض مقاطع من قصائده، وشرحها كقصائد: صورة السيّدة، مقدمات، خواطر في ليلة عاصفة، الفتاة الباكية الصغيرة، فرس النهر، جيرينتيون وغيرها، ولم يكن بعض هذه القصائد قد صبح بعد جزءاً من الموروث الإليوتي كما نعرفه في لغتنا، إذ اقتصرت معرفتنا على قصائده الكبرى: (أرض الخراب) ،(الرباعيات الأربع)، (أربعاء الرماد)، (أغنية العاشق بروفروك)، (الرجال الجوف).

علينا ألاّ ننسى أن الفصل المكتوب عن (الأرض الخراب) والذي استغرقت صفحاته الستين هو أول محاولة لشرح القصيدة في لغتنا مهما كان رأينا في هذه الفصل.

وتبدو أهمية كتابة فائق متى على بساطتها وأغلاطها حتى في النحو والإملاء ذات أهمية حين نرى اختلاف الشرّاح في تفسير عوالم هذه القصائد وتقييماتهم، ومن بين الكتب التي اطلعت عليها والتي تتناول أحدى هذه القصائد وهي (فرس النهر) أو كما يترجمها متى بـ (عجل البحر) هو كتاب (إليوت: شاعراً ومسرحياً) لمؤلفه جوزيف شيرى الصادر بعد نشر كتاب متى بعشرة أعوام. يرى هذا الناقد أن فرس النهر هي رمز للكنيسة الطفيلية بظهرها العريض وبطنها المتمرغ بالوحل بينما يبدو تفسير متى هو الأقرب إلى الصواب فهو يرى "إن هذا الحيوان يبحث عن قوت يومه بغض النظر عن الوقت الذي يقوم فيه برحلاته وتجواله، أما معظم رجال الكنيسة فيقدّم لهم الطعام والشراب دون أي عناء. لقد شغلهم جريهم وراء المادة عن افتقاد النفوس الضالة" وهذا ما يبدو بوضوح منذ أبياتها الأولى التي يترجمها متى كالتالي:

إن عجل البحر يقضي يومه في نعاس
ويبحث عن قوته في الليل
هكذا تتحقق الإرادة الإلهية بطريقة خفية
لكن الكنيسة تطعم وهي تغط في سبات عميق

وهي واضحة أيضا حتى من خلال الأبيات المقتطعة التي يستشهد بها الناقد شيري وهي بترجمة ماهر شفيق فريد:

لسوف يغتسل حتى يغدو في بياض الجليد
وتقبله كلّ العذارى الشهيدات
بينما تظل الكنيسة الحقة تحت
ملفوفة في الضباب العفن القديم

ويبدو أن الدكتور فائق متى لم يطلع، أو لم يكن معنيّاً بمعرفة ترجمة دار مجلة شعر وإلا ما أورد (رماد الأربعاء) وغيرها من الأغلاط. ومقارنة بسيطة بين الترجمتين سيتضح لنا الفارق بينهما:

يقول متى في ترجمته لمطلع قصيدة أغنية العاشق بروفروك:

دعنا نمضي إذن، سويّاً
حينما تنتشر ظلمة الليل تحت صفحة السماء
كمريض مخدّر قد استلقى على منضدة العمليات
دعنا نمضي عبر الطرقات الخاوية تقريباً
وقد عاد الناس بتمتماتهم
عن الليالي التي أمضوها في أرقٍ في الفنادق الرخيصة
وأصداف المحار في المطاعم التي كستها نشارة الخشب
والطرقات التي تمتدّ بنا كالمناقشة المملة
ذات النية الغادرة
فتقودك إلى السؤال الملحّ
أوه، لا تسألْ، ما هو؟

دعنا نمضي وننتهي من زيارتنا

داخل الحجرة نجد النسوة في غدوهنّ ورواحهنّ
يتحدّثن عن مايكل أنجلو

بينما يرد هذا المطلع في ترجمة بلند الحيدري و د. ستورت هكذا:

لنذهبنّ إذن أنا وأنت
عندما يستلقي المساء على الفضاء
كمصاب بداء مخدّرعلى مائدة
لنذهبنّ خلال بعض الشوارع نصف الخالية
والتي تهمهم في عزلة
من الليالي المنهكة في فنادق رخيصة لليلة
ومطاعم تراكمت أوساخها لتزاح
شوارع تمتدّ كجدلٍ ممل
جدل مخادع
ليقودك إلى سؤال ملجم
لا.. لا تسلني ... ماهو؟

في الغرفة النسوة ذاهبات آيبات
يتحدثن عن فنان ولوحات

رغم عدم دقة بعض الأبيات في النصين كالمساء الذي يترجمه متى بـ "ظلمة الليل"، وكهذا البيت الذي تغلب عليه الترجمة التفسيرية "ومطاعم تراكمت أوساخها لتزاح" في ترجمة مجلة شعر، إضافة إلى إسقاط أبيات أخرى لم تترجم كما في الترجمة الأخيرة.

ويصبح البيت الشهير الذي كثيرا ما يستشهد به كمثال على مصطلح مايسمّى بـ"المعادل الموضوعي" لدى اليوت وهو:

"لقد كِلتُ حياتي بملاعق القهوة" بترجمة الحيدري وستورت

في ترجمة فائق متى كالتالي:

ونضب معين حياتي بملاعق القهوة

أما المقارنة بين ترجمة يوسف الخال وترجمة متى لقصيدة الرجال الجوف فإننا كمن يقارن بين ترجمة معنية بالمعاني وحدها وترجمة معنية بالمعاني والشعر معاً.

كتاب لؤلؤة:
من بين الكتب التي أعقبت هذين الكتابين تجدر الإشارة إلى كتاب عبدالواحد لؤلؤة المكرس لترجمة (الارض الخراب) وتفسيرها وتحليلها وما كتبه عنها بعض النقاد، وفيه يخصص فصلاً كاملاً لرصد أغلاط المترجمين الذين سبقوه. وقد تختلط بهذه الأغلاط أغلاطٌ مطبعية واضحة كهذا الغلط المطبعيّ: "ومن الحثالة التي يستقر عليها الاعتداء / استقرار القبعة الحريرية على رأس مليونير برادفورد"، الذي يعلق عليه لؤلؤة:" وكيف يستقر "الاعتداء"؟ لنقل إنها غلطة مطبعية صحيحها"الاعتداد". وهذه صيغة أقرب إلى الإنكار والشك. كما أنه يؤاخذ المترجمين على تقديم الأبيات أو تأخيرها أو استخدامهم العامية، ويضرب مثلاً على ذلك بترجمة لويس عوض في بعض المواضع.

ولا تخلو ملاحظات لؤلؤة من صحة، لكنّ ما يضيرها هو وضعه لها في مستوىً واحد، فلا يبين منها للقارئ ما هو جوهري أو ثانوي في علاقته بالنص ككل. وقد يصل في ملاحظاته حدّاً قد يُؤاخذ عليه حين ينسب نداء النادل في ترجمة متى إلى صديقة (إريل) وهذا غير صحيح وما يؤكده وعي المترجم بذلك وتعليقه عليه في تفسيره للقصيدة، ورغم إدراكه هذه الحقيقة فإنه يصرّ على أنها غلط فاضح. ولم تترك مآخذه هذه أيّ فضل لمن سبقوه. وحتى من مسه هذا الفضل قليلا كالناقد الفسلطينيّ يوسف اليوسف سرعان ما انقلب عليه، فهو يكتب في مقدمة طبعته الثانية مشيراً إلى يوسف اليوسف دون أن يسميه " وثمة متأدب آخر أعجبته مجاملتي له في مقارنة ترجمته بترجمة مشاهير غيره فانقلب إلى أهله يتمطى ونسي صفحتين من المآخذ أوردتها بعد المجاملة ولكن لا بأس تارة أخرى لندع ألف زهرة تتفتح". هذا الأسلوب لم يفارقه في تعليقاته الطريفة الأخرى التي تخترق جديته الصارمة اختراقاً مفاجئاً كهذا التعليق على استخدام لويس عوض للعامية :" أما استخدام مفردات العامية المصرية فلا أدري لماذا تفرض علينا بعد أن ابتلينا بأغاني أم كلثوم وصرنا نردد بين الماء والماء "اقول أقابلك فين." بعد تحويل القاف همزة ... إلخ"

ولم يكتف بذلك بل أنه يفصح بتعليقاته عن منحىً آخر لا علاقة له بإليوت أوعالمه الشعريّ، فهو في معرض حديثه المستنكر عن الحب في أوربا يستشهد ببيت لسليمان العيسى هذا نصه:

كلّ حبّ لا ينتهي بزواجٍ غير مجدٍ في ملتي واعتقادي

ولم يفارقهُ هذا الأسلوب في استطرادته المحيّرة فهو يكتب عن إليوت :"ويستمر الشاعر يرفع صوته عاليا وطويلاً كما تصيح فيروز:

يا صوتي ظلّك طاير زوبع بها الضماير
خبرهم عللي صاير بلكي بيوعي الضمير

فلا تدري أين يكمن منحاه الحقيقيّ في قراءته لإليوت، أم قراءته الأخرى؟

ولعل أغرب تعليقاته التي استوقفتني تعليقه هذا:"والقصيدة الأولى في المجموعة تحمل عنواناً يوحي باستخفاف الشاعر بالعاشق بروفروك وأغنيته لكننا نقرأ ستة أبيات مقتبسة من جحيم دانته بالإيطالية من دون الإشارة إلى موضع الاقتباس. والأبيات، على النقيض من عنوان القصيدة، رصينة، تدور حول مسائل مثل خيانة ذي المعروف (لا أدري ما يعني لؤلؤة بخيانة ذي المعروف؟ لعلّها خطأ مطبعيّ)، عودة الروح من عالم الأموات، عذاب السعير في العالم الآخر، وبلغة أهمّ شاعر أوربي في العصر الوسيط، مما يصفع القارئ على عينيه الجاهلتين ويناوله مرآة ليرى فيها آثار الجهل التي تركتها على وجهه صفعة الشاعر." ولا ندري هل أحس الدكتور لؤلؤة – مع اعتذارنا لهذا التساؤل - بالصفعة، بصفته قارئاً، قبل أن يفهم القصيدة حين قرأها أول مرّة. إنه في تعليقه هذا ينسى ما أورده لأليوت من مقتطفات يؤكد فيها على ضرورة الاستجابة للشعر قبل الفهم، منها هذا المقتطف من مقاله عن وظيفة الشعر أورده لؤلؤة في كتابه : " وقد يكون مبعث الصعوبة أن القارئ قد قيل له، أو أنه قد أوحى لنفسه، إنّ القصيدة ستكون صعبة. والقارئ الذي يبلغه تحذير حول غموض قصيدة قد يقع في حالة من الحنق لا تتلاءم مع التلقي الشعري... ولكن القارئ الأكثر نضجاً لا يحفل بمسألة الفهم، أو قل ليس من أول قراءة. إنّ بعض الشعر الذي شغفني هو شعر لم أفهمه من أول قراءة. وبعضه شعر لا أحسبني أفهمه حتى اليوم، مثل شعر شكسبير"

وهناك مواضع كثيرة في كتابات إليوت يكرّر فيها هذا الرأي بوضوح ولاسيما في مقدمة ترجمته لقصيدة (أناباز) للشاعر سان جون بيرس. ويذهب إليوت أبعد من ذلك في مقاله (موسيقى الشعر) حين يرى أنّ تفسير القارئ قد يكون أحياناً أفضل من تفسير الشاعر نفسه.

وليس بعيداً عن هذا الرأي نقاد كثيرون منهم ف. ر. ليفيزالذي يستشهد به لؤلؤة كثيراَ والذي يرى في كتابه (اتجاهات جديدة في الشعر الأنجليزي) :"إن الأرض الخراب يجب أن تكون قصيدة على نحو بيّن مهما كانت صعوبتها.. لأنها قصيدة ذات استمرارية ذاتية. ورغم أنها ستفقد الكثير إذا ظلّت ملاحظاتها طيّ الكتمان، فإنّ النقد المهم هو أنّ القصيدة لا تعتمد على الملاحظات كثيراً. بل يجب القول بأنها سوف لا تفقد الكثير بدون الملاحظات وبدون الاعتماد على كتاب (من الطقس إلى الرواية الخيالية). وهذا يعني أن لها تحديدات ملازمة للظروف التي انتجت القصيدة". (
الترجمة العربية ص101)

ولا يختلف ناقد ثالث أحدث من السابقين عن هذا الرأي وهو أ. ألفاريز في كتاب له يتناول فيه بعض الشعراء الإنجليز والأمريكان ومن بينهم إليوت. ولعل أطرف ما قرأت هو رأي الناقد بيتر جونز في كتابه (مدخل إلى الشعراء الأمريكان)، المتعلق بما يحتويه شعر إليوت من تضمينات تبدو أكثر ملاءمة في قصائده مما هي في الأصل، أي أننا حين نقرأها في مصادرها نتذكر إليوت بينما لا نتذكر مصادرها حين نقرأ شعر إليوت لأنها أصبحت جزءاً من نسيج هذا الشعر. وبالتالي فإن اتهام القارئ بالجهل لعدم معرفته بالمصادر تبدو واهية ولا سيما حين تبدو مرتبطة بالصفعة.

أما إليوت في شعره المتأخر كما في (أربعاء الرماد) و(الرباعيات) فلم تعد لديه المصادر ذات أهمية في فهم شعره وتذوقه، على سعة هذه المصادر كما يرى ذلك الناقد شيري الذي أشرنا إليه من قبل في كتابه: (إليوت شاعراً ومسرحيا). والغريب أن لؤلؤة يعود في نهاية كتابه، إلى تكرار ما سبق أن طرحه، فإليوت في رأيه:"لا يحترم الوزن والقافية" و ليفيز يعترف أن قصائد إليوت في"غاية البراعة والإهانة" مضيفاً إلى قول ليفيز" لقراء تجدهم القصيدة من الجاهلين" ولعل من حسن المصادفة أن كتاب ليفيز مترجم إلى العربية وليس فيه شئ من هذا القبيل، وبإمكان القارئ العودة إليه،.بل إن لـ (ليفيز) رأياً هو على النقيض مما ذكره لؤلؤة سواء من خلال ما لمسناه في المقطع الذي استشهدنا به سابقاً، أو من خلال مايرد في كتابه المذكور نفسه من عبارات كهذه العبارة:" لقد حيرني كثيرا الخوف من الإسهاب فيما هو واضح جلي إلى شتيمة القارئ"، إننا نلمس هنا تقديراً للقارئ وليس العكس.

ولو عدنا إلى ترجمته وقارنّاها بغيرها من الترجمات الأخرى لبدت بعض هذه الترجمات أكثر طلاوة، وإن أعوزتها الدقة في بعض الألفاظ.
سأورد بعض المقاطع من ترجمة لؤلؤة ومثيلاتها من الترجمات الأخرى وأترك الحكم للقارئ:


Winter kept us warm, covering
Earth in forgetful snow, feeding
A little life with dried tubers.
Summer surprised us, coming over the Starnbergersee
With a shower of rain; we stopped in the colonnade
And went on in sunlight, into the hofgarten,
And drank coffee, and talked for an hour.

الشتاء دفأنا، يغطي
الأرض بثلج نسّاء، يغذّي
حياة ضئيلة بدرنات يابسة
الصيف فاجأنا، ينزل على بحيرة (شتارنبركر)
بزخّة مطر، توقفنا بذات العمد
ثمّ واصلنا المسير إذ طلعت الشمس، فبلغنا "الهوفكارتن"
وشربنا قهوة، ثم تحدثنا ساعة

(
ترجمة لؤلؤة)

الشتاء دفّانا، غطّى
الأرض بثلجه الكثير النسيان، مغذّياً
بالكمأة اليابسة حياةً بسيطة.
فاجأنا الصيف، آتياً عبر ال"ستارنبرجرس"
مع وابلٍ من المطر، توقفنا تحت القناطر،
وواصلنا السير في نور الشمس، في "الهوفغارن"
ثمّ شربنا قهوة، وتحدّثنا ساعة

(
ترجمة أدونيس والخال)


Unreal city.
Under the brown fog of a winter dawn,
A crowd flowed over London Bridge, so many,
I had not thought death had undone so many.
Sighs, short and infrequent, were exhaled,
And each man fixed his eyes before his feet
Flowed up the hill and down King William Street,
To where saint Mary Woolnoth kept the hours
With a dead sound on the final stroke of nine,
There I saw one I knew, and stopped him, crying: ‘Stetson!
‘You who were with me in the ship at Mylae!
‘That corpse you planted last year in your garden,
‘Has it begun to sprout? Will it bloom this year?
‘Or has the sudden frost disturbed its bed?
‘O keep the dog far hence, that’s friend to men,
‘or with his nails he’ll dig it up again!
‘You! Hypocrite lecteur!- mon semblable, - mon frere!’
 

مدينة الوهم
تحت الضباب الأسمر من فجر شتائي
انساب جمهور على جسر لندن،غفير،
ما كنت أحسب أنّ الموت قد طوى مثل هذا الجمع.
حسراتٍ، قصيرة متقطعة، كانوا ينفثون
وكلّ امرئ قد ثبت ناظريه أمام قدميه.
انطلقوا صعداً ثمّ انحدروا في شارع الملك وليم
إلى حيث كنيسة ماري ولنوث تعدّ الساعات
بصوتٍ قتيلٍ على آخر الدقّة التاسعة
هناك رأيتُ واحداً عرفته فاستوقفته صائحاً: سنتسن!
"يامن كنت معي على السفائن في مايلي!
"تلك الجثة التي زرعتها السنة الماضية في حديقتك،
هل بدأت تورق؟هل ستزهر هذه السنة؟
"أم أن الصقيع المباغت قد أقضّ مضجعها؟
"أبعد الكلب عنها، فهو صديق للبشر،
وإلاّ فسيحفر بأظافره ويستخرجها ثانية!

(
ترجمة لؤلؤة)

مدينة وهمية
تحت الضباب القاتم في فجرٍ شتائيّ،
جموعٌ تدفّقت على جسر لندن، بكثرة،
لم أكن أظنّ أنّ الموت قد اباد مثل هذا العدد
تأوهات، قصيرة، كانت تصعّد،
وكلّ سمّر عينيه أمام قدميه
تدفقت تصعد التلة وتهبط شارع الملك وليم،
إلى حيث كنيسة القدّيسة مريم وولنوث، تعدّ الساعات
بصوت ميت عند الضربة التاسعة الأخيرة
هناك رأيت واحداً أعرفه ، استوقفته، صارخاً:"ستانسن"!
"يامن كنت معي بحّاراً في ميلاي!
"تلك الجثة التي غرستها السنة الماضية في حديقتك،
"هل بدأت تنبت؟ هل ستورق هذه السنة؟
أم أنّ الصقيع المفاجئ أقضّ مضجعها؟
"أوه دعِ الكلب بعيداً من هنا، إنه صديق للناس،
"وإلاّ نبشها بأظفاره مرة أخرى !


(
ترجمة أدونيس ويوسف الخال)

The time is now propitious, as he guesses,
The meal is ended, she is bored and tired,
Endeavour to engage her in caresses
Which still are unreproved, if undesired.
Flushed and decided, he assaults at once;
Exploring hands encounter no defence
His vanity requires no response,
And makes welcome of indifference.

الوقت مؤات الآن، كما يظنّ،
فالوجبة انتهت، وهي ضجرة متعبة،
يحاول أن يأخذها بمداعبات
لا ترغبها، لكنها لا تستهجنها
وإذ يستثار ويصمم، يهاجم في الحال،
بيدين تجوسان لا تقابلان صدوداً،
ولأن غروره لا ينتظر جوابا،
فهو يقلب اللامبالاة ترحابا

(
ترجمة لؤلؤة)

الوقت الآن ملائم، كما يظنّ،
الوجبة انتهت، وهي ضجرة ومتعبة،
يحاول أن يدخل معها في مغازلة
لم تُطلب، لكنها لم ترفض
يُقبل على الفور، محتداً وجازماً،
يداه ترودان وما من دفاع،
لا تعوز كبرياؤه تلبية،
ويجعل من اللامبالاة ترحيباً

(
ترجمة أدونيس والخال)

After the torchlight red on sweaty faces
After the frosty silence in the gardens
After the agony in the stony places
The shouting and the crying
Prison and palace and reverberation
Of thunder of spring over distant mountains
He who was living is now dead
We who were living are now dying
With a little patience


بعد وهج المشاعل على الوجوه العرقة
بعد صمت الصقيع في البساتين
بعد الآلام في الأماكن الحجرية
والصياح والعويل
والسجن والقصر وتجاوب
رعد الربيع على الجبال القصية
الذي كان حيّا هو الآن ميت
الذين كنا أحياء نحن الآن نموت
بقليل من الصبر

(
ترجمة لؤلؤة)

بعد أن ألقت المشاعل
بوهجها الأحمر على الوجوه التي تتصبب عرقاً
وبعد السكون المطبق في الحدائق
ثم العويل والصراخ
في السجون والقصور
وقصف الرعد وهو يتردّد على الجبال البعيدة
الآن قد مات من كان حيّاً
ونحن الذين كنا أحياء نموت الآن
في تباطؤ قصير الأجل

(
ترجمة متى)

في هذه المقاطع التي أوردناها للدكتور عبدالواحد لؤلؤة أعلاه لمقارنتها بالترجمات الأخرى العديد من المآخذ:

في المقطع الأول:
ترد ترجمة "الثلج النساء" والصحيح هو "الثلج الباعث على النسيان"، ولا أدري ماذا يعني لؤلؤة - لا إليوت بالطبع - بالثلج النسّاء، أما (ذات العمد) فهي لفظة مهملة لا إيحاء لها ولا يمكن أن تحلَ محلّ المعنى الحقيقي للفظة الأصلية التي تعني صفّاً من الأعمدة أوالقناطر وهذا ما جاء في ترجمة الخال وأدونيس اللذين يرتكبان الخطأ ذاته في ترجمتهما: الثلج كثير النسيان.

وفي المقطع الثاني:
ترد مدينة الوهم والصحيح هو المدينة الوهمية وثمة فرق بين المعنيين، كما أن الصفة التي تلحق الضباب وهي "الأسمر" تبدو من نافل الكلام، وكان الأولى به أن يترجمها بـ " القاتم" كما فعل الخال وإدونيس، وهي أدق للتعبير عن الضباب حين يتكثف في لندن ويصبح قاتما. مثلما تبدو ترجمتهما أدق باستخدام الفعل أباد لأنّ الفعل طوى لا يؤدي معنى الفعل باللغة الأصلية وما يرتبط به من عصف وتدمير. كذلك فإن استخدامه صفة قتيل للصوت وليس الميت هو مأخذ واضح لأنه بكل بساطة ميت للآذان الصدئة.. آذان الحشد العابر جسر لندن عند الساعة التاسعة وهي الساعة التي صلب فيها المسيح أيضا. أما جملة "أبعد الكلب عنها" فالأقرب إلى روح النص ولفظه، وكذلك إلى أسلوب اليوت الحسيّ الملئ بالحركة والإشارات أن تترجم هذه الجملة هكذا: "أوه.. دع الكلب بعيداً من هنا"

أما المقطع الثالث فيبدو لنا أن تركيب جمله بحاجة إلى دقة أكبر فالمداعبات" لا ترغبها، لكنها لا تستهجنها" والترجمة الأبسط والأكثر سلاسة هي: "لاترفضها وإن كانت لا ترغب فيها"، كذلك جملة "غروره لا ينتظرجواباً" فإنّ صحيحها "غروره لا يتطلب استجابة"، ولا ادري ما محل هذا السجع المفاجئ " جوابا، ترحابا" في أسلوبه الذي يتقعر في هذين البيتين:

الذي كان حيّا هو الآن ميت
الذين كنا أحياء نحن الآن نموت

والأسلم أن يقول:

من كان حيّاً هو الآن ميت
ونحن الذين كنا أحياء نموت الآن

ولا يخلو المقطع الرابع من التباسات أيضاً فـ "الصمت الصقيعيّ في الحدائق" يصبح "صمت الصقيع في البساتين".

وبعيداً عن ذكر الأغلاط وما يرافقها من تدقيق مرهق فإن مقاطع لؤلؤة تبدو، أحياناً، مفتقرة إلى الشعرمقارنة بالمقاطع الأخرى على كثرة أخطاء هذه المقاطع أيضاً، وقد اضرّ بها استخدام الأساليب أو الألفاظ القديمة:

* حسراتٍ، قصيرة متقطعة، كانوا ينفثون
* الوجوه العرقة
* تجاوب رعد الربيع الذي تذكرني بشطر بيت طرفة بن العبد: تجاوب أظآرٍ على ربعٍ ردي" ولا بأس من إحياء الألفاظ القديمة واستعمالها إذا كان في ذلك ما يمنح اللفظة في الشعر طاقات أخرى للإيحاء ولكن ما أوردناه كان نقيض ذلك.

وإذا كانت الدقة نصب عين لؤلؤة في رصده للأخطاء وفي تفسيره وتحليله بل وترجمته فإن هذه الدقة سرعان ما نفتقدها في أفكاره التي استغرقت مقدماته لتفسير القصيدة وتحليلها، يطرحها بشكل مسلمات وبتعميم يتناقض وحرصه على التدقيق والتشخيص، فهو يرى مثلا أن شعر إليوت يرتكز على ثلاث دعائم من التراث: الأولى دانتي، والثانية الشعر الإنجليزي في القرن السابع عشر، والثالثة الرمزية الفرنسية الممثلة بكوربير وبودلير ولاسيما بودلير في (أزهار الشر):" ثمّ وجد ذلك التركيز المفرط، في التعبير بالاقتصاد المفرط في الألفاظ، كما في شعر بودلير، وخصوصاً في أزهار الشر"
ص24 وكان من نتائج ذلك ، على حدّ تعبيره "تضحية بوزن الشعر كما حددته قواعد العروض وتغيير في تركيب الجملة كما حددته قواعد النحو. لقد وجد إليوت كما وجد كوبيير ولافورغ وبودلير من قبله هذه التضحية بالوزن وهذا التغيير في النحو يجعل التصاق الشاعر بالفكرة أشدّ "

غير أنّ نقّاداً كثيرين لا يرون هذا الرأي، ويشيرون إلى استخدام إليوت الشعر المرسل الذي استخدمه شعراء القرن السابع عشر، إذ وجد فيه استيعاباً أكبر لأفكاره مما لو استخدم طريقة سبنسر، كما يشيرون إلى ابتعاده ابتعاداً كليا عن طريقة باوند والحركة التصويرية التي لم يكن أحد شعرائها يوماً، منذ قصيدته جيرونتيون (يمكن مراجعة ذلك في كتاب "الأزمة في الشعر الإنجليزي" لفيفيان دو سولا بنتو) ، وأنه لم يتأثر بكل الرمزيين بل ببعضهم، فهو -على العكس من ييتس- لم يتأثر بمالاميه ولا بفرلين بل بكوربيير ولا فورغ، أما بالنسبة إلى بودلير فهو أشدّ تاثيراً بييتس كما تشير إلى ذلك بنتو أيضاً في كتابها الآنف الذكر. ويؤكد هذا الرأي الشاعر الأمريكي راندل في أحدى مقالاته عن إليوت.

و يضيف بعض النقاد إلى تأثير كوربير ولافورغ تأثير شاعر آخر هو د. بوسشير الذي تقرب طريقته في كتابة الشعر من طريقة آلان روب غرييه.
لم يتأثر إليوت بلافورغ لأنه أكبر الشعراء الرمزيين كما يذكر ذلك لؤلؤة بل بطريقته الخاصة في استخدام إيقاع اللغة المحكية والصورالمستمدة من الحياة المعاصرة والانتقال المفاجئ من الكثافة الغنائية إلى الواقعية الساخرة المتوترة على حدّ تعبير بنتو، كما أنه لم يكن أكبر الشعراء الرمزيين، و أهميته تكمن في طرائقه الشعرية في الكتابة. ولعلّ من فضائل إليوت هو تأثره بمن هم أقلّ مرتبة من غيرهم من الشعراء الكبار المعروفين، غير أن عزيزنا لؤلؤة كثيراً ما ينساق في تقييماته ولا سيما في ما يخص الشعراء الذين يتناولهم في مقالاته، فإليوت في كتابه هو الأول والأخير في الشعر، والشاعر الأمريكيّ ستفينس هو أشعر الشعراء في مقالة له في مجلة شعر، ولافارغ هو أكبر الشعراء الرمزيين، وريتشاردز شيخ النقاد، وليفيز الناقد الكبير وهكذا تأخذه الحماسة على طريقة نقادنا العرب القدامى، بينما نرى بعض الذين ذكرهم كليفيز مثلاً نال من سخرية النقاد والكتاب الإنجليز الشئ الكثير بسبب التواء اسلوبه وعدم دقة أفكاره.
أما بالنسبة إلى التضحية بوزن الشعر فلم يعرف عن بودلير أنه ضحى بالوزن في (أزهار الشر) بل جاء وفقاً للأوزان الفرنسية المعروفة. كما أن إليوت كان في غاية الدقة والبراعة في استخدامه الأوزان في أعماله الأخيرة ولاسيما (ديوان القطط).

يرى لؤلؤة أيضاً أنّ "طريقة الشعر الحرّ أساسية في التقويم الصحيح لشعره" وهو لو اطلع على مقال إليوت(تأملات في الشعر الحرّ) لتريث قليلا في إطلاق مثل هذا الحكم. يرى إليوت في هذا المقال الذي كتبه مبكراً في 1917 أن مصطلح الشعر الحرّ لا يعني شيئاً، وأن ليس ثمة شعر بلا وزن وأن غياب القافية يؤكد ضرورتها في بعض المواضع من القصيدة لإحداث أثر أو توتر مطلوبين، وأن الشعر المقفى لم يفقد دوره بعد. ثمّ يصل إلى نتيجة هي : ثمة شعرجيد وآخر ردئ. ولعل من المفيد الإشارة في هذا المجال إلى أنّ الناقد بيتر جونز في كتابه الذي أشرنا إليه سابقاً، يرى أن ما استأثر بانتباه إليوت إلى شعر لا فورغ هو استخدامه للأبيات المقفاة ذات الأطوال المختلفة وقوافيه التي تجئ في مواضع غير متوقعة.مثلما استأثر بانتباهه استخدامه للشعر المرسل الشبيه بشعر شكسبير المتأخر وشعر تورنر وويبستر.

ولو اتبعنا منهج لؤلؤة في ترصد الأغلاط لتبين لنا أن ترجمته لا تخلو من المآخذ، أوردنا بعضها في المقاطع التي استشهدنا بها سابقاً لمقارنتها بما يقابلها من مقاطع آخرى مترجمة من قبل آخرين، فهو يترجم الساعة البنفسجية بـ "ساعة الشفق" وهذه ترجمة تفسيرية غير صحيحة لأن إليوت يكرر الصفة في البيت " والخفافيش بوجوهها الطفلية في الضوء البنفسجي" الذي يترجمه لؤلؤة بـ"ضوء الشفق" لان اللون البنفسجيّ - كما يوضح ذلك الناقد بروكس أحد أبرز شرّاح الأرض الخراب: "هو واحد من ألوان الكنيسة الطقوسية، يرمز إلى الندم وهو أيضاً لون التعميد"

كذلك يترجم لؤلؤة صيحة فيلوميلا بـ"زق زق" والأصح كما وردت في الأصل "جك جك "لأنها أقرب إلى الصيحة وليست الزقزقة، فأغنية العندليب، كما يعلق على ذلك بروكس، لم تعد تملأ الصحراء بالصوت غير المغتصب لفيلوميلا المغتصبة بل هو مجرد صوت قبيح "جك جك" ويستشهد بروكس في هذا المقطع بما قال، تأييدا له، الناقد المعروف إدموند ولسن.
ولا تخلو ترجمته من باعث على التساؤلٍ حين يترجم حطام الملك بحطام سفينة الملك لأن المتحدث هنا يجلس عند قناة راكدة، أو ترعة آسنة بترجمة أخرى، وليس بحراً لتكون هناك بقايا سفينة تتحطم.

ثمة تساؤلات أخرى بصدد مقابلة الأممي باليهودي لأن الأممي يشمل اليهودي بالإضافة إلى إيحاءاتها السياسية والأصح:" أ كنت يهوديا أم غير يهودي" كما جاء في ترجمة الخال وأدونيس.

ولم تقتصر التساؤلات على قصيدة (الأرض الخراب) بل شملت ترجماته لعناوين القصائد الأخرى أو كلماتها الواردة في كتابه، كـهذا العنوان " إلى حبيبته الخجول" وهي قصيدة شهيرة لمارفيل يترجمها بـ "إلى حبيبته الصدود" , أو كهذه الترجمة لبيت بودلير:

حيث الطيف في وضح النهار يلتقط العابر

والصحيح: "الشبح"

وهو يؤاخذ محقا يوسف اليوسف على حوشية ألفاظه بينما لا تخلو ترجمته من الحوشي في مواضع كثيرة مثل "وجهه المدمل"، "أجواب"، "طغامة" بالإضافة إلى ما أوردناه من أساليب لا تتناسب وجو القصيدة كهذه الترجمة:

حسراتٍ، قصيرة متقطعة، كانوا ينفثون

وأخيرا أود أن أقف عند رأيه بترجمة يوسف اليوسف لـ (الأرض الخراب) التي صدرت في كتاب مستقل مع قصائد أخرى أرفقها المترجم بشروحاته أيضاً، فهو يعتبرها أفضل الترجمات، وهذا رأي بحاجة إلى الدقة لأن الأغلاط التي ذكرها في ترجمة اليوسف هي جزء يسير من أغلاط أخرى بعضها ما يؤاخذ به لؤلؤة نفسه "كساعة الشفق" وغيرها مما ذكرناه سابقا، وبعضها مما جاء مبثوثاً في الترجمة: " الشاب الأحوى"، ويقصد به الشاب الملئ الوجه بالبثور، "كالسيارة وهي تنتفض في وقوفها" ويقصد "كالتاكسي وهيِ تهدر منتظرة" بترجمة الخال وأدونيس،"الغرفة المسيجة" والكثير الكثير من الأغلاط التي لا نود التوقف عندها مثلما لا نود التوقف عند أفكار يوسف اليوسف المطروحة في تشابك هو أشدّ تعقيدا من تشابك آراء لؤلؤة في كتابه الموسوم:
(ت. س. إليوت) الصادر عن دار منارات للنشر في الأردن..

كلّ هذ الملاحظات وغيرها لا تقلل من الجهد الكبير الذي بذله لؤلؤة، المعروف بسعة معارفه واطلاعه على الآداب الأجنبية وترجماته التي حظيت بالتقدير، في تقديم ما هو ذو فائدة في تقريب قصيدة هامة كقصيدة الارض الخراب إلى القارئ العربي.

الأعمال الشعرية الكاملة لإليوت:
في منتصف التسعينات صدرت ترجمة كاملة لأعمال إليوت الشعرية، قام بها الدكتور ماهر شفيق فريد، باستثناء (ديوان القطط) الذي ترجم منه مقتطفات مبرراً ذلك بوجود ترجمة "ممتازة" سابقة لهذا الديوان.

استهل الدكتور ماهر شفيق فريد ترجمته بمقدمة للشاعر المصري الراحل صلاح عبدالصبورجاءت سرداً مختصراً لسيرة إليوت التي يعتبرها الصبور "سيرة هادئة أقرب إلى الفتور"، وليس هذا التصوربعيداً عما كتبه الدكتورماهر نفسه عن سيرة إليوت باعتبارها سيرة أقرب إلى الهدوء نسبياً، غير أن من يقرأ سيرة إليوت بقلم بيتر كرويد سيدهشه ما فيها من رعب وجنون وخيانة ومصير حيوات انتهى بعضها في المصحات أو ردهات المرضى من المجانين مثلما حدث لزوجته الأولى فيفيان التي كان يتخفى عنها خشية الالتقاء بها، مستبدلاً مكاناً بآخر من الفزع. وهذا ما انعكس في شعره في طبقاته الدنيا لمن يتأمله طويلاً. كما استهل ترجمته بالحديث عن تجربته في الترجمة وأغلاطه الفادحة التي دافع عنها دفاعاً مستميتاً أورثه الندم لاحقاً (وآمل ألاّ يمارس ذلك مع نقاده اللاحقين)، لكننا نراه من جهة أخرى ضنيناً بالإشارة إلى من سبقوه من المترجمين وموقفه منهم أو ما يشعر به من دين لهم أو عرفان، وما نراه ليس سوى إشارة عابرة إلي أسمائهم ومن دون ذكر للناقد والمترجم الدكتور عبدالواحد لؤلؤة الأولى بالعرفان من غيره لما بذله من جهد وسعي إلى الدقة وإن أخطأ السبيل إليها أحياناً، مثلما قد نخطئ نحن أيضاً، ومن دون توقف نقدي أو عرفاني من ترجمة لويس عوض بالذات وجهوده المتواصلة في تقريب إليوت إلى القارئ العربيّ منذ منتصف الأربعينات حين نشر أول مقالة له عن إليوت في مجلة الكاتب المصري. بالإضافة إلى ترجمته الشهيرة لـ (الأرض الخراب)،على ما فيها من أغلاط، وترجماته الأخرى التي من بينها (ديوان القطط) أو بعض منه، في مجلة أكتوبر المصرية، كما علمتُ ذلك من بعض المعنيين بالأدب ، ولكننا بدلاً من أن نجد مثل هذا الموقف المتمهل النبيل من جهود الدكتور لويس عوض لا نرى غير إشارة لا تبعث على الارتياح لدى القارئ في معرض حديثه عن "قاموس نهضة إسماعيل مظهر" : " لا أستطيع أن أغفر للدكتور لويس عوض أنه كتب يوماً بلهجة التحقير عن هذا القاموس الأخير، مع إنه يبدو لي من أقيم المعجمات في بابه، خاصة فيما يتصل بالعلوم" وتبدو الإشارة أثقل حين لا يغفر حتى الموت للويس عوض ذلك الجرم الذي لم يكن غير رأي شخصي مهما بلغت حدّته. بينما نجده من جهة أخرى يثني على ترجمة مليئة بالأغلاط ، كما سنرى بعد قليل، قام بها الدكتور صبري حافظ لديوان القطط، دون أن يشير الاثنان، ماهر وحافظ، أية إشارة، قريبة أو بعيدة، إلى ترجمة لويس عوض لبعض قصائد هذا الديوان وهذا يعكس جانباً أخلاقياً سائداً في نقدنا العربيّ.

وهو أي الدكتور فريد رغم إشارته إلى من سبقوه إلا إنه لم يستفد من أغلاطهم إذ كرّرها ثانية مثلما لم يستفد من صحيحهم لاًنه أخطأ فيه، فهو مثلاً يترجم ما ترجمه سابقوه بـ "مسدل الشعر" بدلاً من "مسدلة الشعر" في هذا المقطع:

‘what shall I do now? What shall I do?
I shall rush out as I am, and walk the street
With my hair down, so. What shall we do tomorrow?
What shall we ever do?’

"ترى ما عساني أفعل الآن! ما عساني أفعل!"
"لأندفعنّ خارجاً على هذه الصورة، ولأذرعنّ الشارع
"مسدل الشعر هكذا. ترى ما عسانا نفعل غداً؟
ترى ما عسانا نفعل إلى الأبد؟"

لأنّ المتحدث هنا امرأة وهذا ما وضحه لؤلؤة وكلّ الشروحات الأخرى في اللغتين العربية والإنجليزية، وما جاء في ترجمة مجلة شعر ومتى. فأين هي الاستفادة؟ وما نفعها إن لم يكن مثل هذا التدقيق في عمل الآخرين والاستفادة منه؟. كما أنه لم يستفد من ملاحظة لؤلؤة في ترجمتة هذه الأبيات:

واها واها واها لهذه القطعة الشكسبيرية
ما أرشقها
وما أذكاها

يقول الدكتور لؤلؤة الذي أجدني متفقاً معه هنا "والواقع أن هذا اسم قطعة من موسيقى الجاز من نمط "راك" فهو لحن جاز يحمل اسم شكسبير كما يقال (سمفونية العالم الجديد) أو (تانكو اسبانيول)"
مثلما يترجم المقطع الخاص بـ"فيلوميلا"هكذا:

….The change of Philomel, by the barbarous king
So rudely forced; yet there the nightingale
Filled all the desert with inviolable voice
And still she cried, and still the world pursues,

... ما صار إليه مآل فيلوميلا ، من جرّاء الملك البربريّ
في إكراهه الفظ: ورغم ذلك فقد مضى العندليب
يملأ الصحراء بصوته الذي لا نثلم

وكان من الأفضل المحافظة على كلمة "اغتصاب" في محل "إكراهه الفظ" والفعل "لا يغتصب" في محل لا تنثلم، لما هنالك من علاقة بين الاثنين كما هو وارد في النص الإنجليزي وليس استبدالهما بما يبعد المعنى الأصليّ ويُحلّ محله المعنى التفسيريّ للأبيات. ولا أدري كيف يمكن لمترجم إلاّ يتوقف عند مثل هذا البيت:

والمطاعم التي تغطي أرضها النشارة وتقدم أصداف المحار

أين يمكن أن نجد مثل هذه المطاعم التي تقدّم لزبائنها أصداف المحار؟. ما يقصده هنا إليوت هو المطاعم القذره التي تنتثر على أرضيّتها أصداف المحار.

ولأنّ لكلّ مترجم طرفته إن لم نقل فضيحته فإنّ طرفة الدكتور ماهر شفيق فريد هذه التي ترد في ترجمته قصيدة(صورة سيّدة):

ولنشمّ الهواء في غيبوبة الطباق

وغيبوبة الطباق هي ترجمة لـ : Tobacco trance أي نشوة التبغ الواردة في ترجمة فائق متى وترجمة أخرى للدكتور عبدالستار جواد الذي ترجم كتاب ليفيز(اتجاهات جديدة في الشعر الإنجليزي).

وما يدهشنا أن الدكتور ماهر يترجم المقطع الشهير لفتاة الزنبق في الأرض الخراب كالتالي وكأنه لم يقرأ أية ترجمة قبله ليستفيد منها:

وقد أهديتني السنابل البرية لأول مرة منذ عام
وقد أطلقوا علي اسم فتاة السنابل البرية
- وعلى الرغم من ذلك فعندما تأخرنا في العودة من حديقة السنابل البرية

وتمتلئ ترجمة ماهر شفيق فريد بمثل هذه الأغلاط التي لا تحصى. أما ترجمته لقصائد إليوت القصيرة المكتوبة باللغة الفرنسية، وهي أربع، فإنها أيضاً لا تخلو من الأغلاط الفادحة ،دون أن يبرر ذلك معرفته المحدودة باللغة الفرنسية كما يذكر هو ذلك في مقدمته، لاسيما إنه أشار إلى اعتماده على بعض العارفين باللغة، فهو يترجم عنوان إحدى القصائد بـ "غير نقيّ من كلّ شئ" وكان بإمكانه الاكتفاء بدلاً من هذا العنوان الطويل بكلمتين"خليط زائف" أو خليط ملفّق"
كما يترجم أحد أبياتها بـ:

إنّك لتدفع لمخي ثمناً غالياً

Vous me paierez bien la tete

وهو تعبير شائع ترجمته الصحيحة:

إنك تستهزئ بي

أو

إنك تسخر منّي

كما يترجم كلمة: Pourboire بـ "الرضائخ" وترجمتها بكلّ بساطة "بقشيش"، وكلمة : Chatouiller بـ "جمشتها" أي "دغدغتها"، بل أنه يترجم عبارة هي أول ما يتعلمه أي طالب مبتدئ بالفرنسية وهي: C’est dommage بـ "أيّ عارٍ مخزٍ"، وترجمتها الصحيحة هي: يا للأسف! ويستخدم كلمة "الدخس" ويعني به "الدلفين"، كما يستخدم جملة :"يهرش براجمه " ويعني بها "يقضم أظفاره"، ويترجم "المولود في بعض حانات آنتويرب" في قصيدة جيرنتيون "وقد تسلمه أبواه في بعض حانات آنتويرب"، و"روائح القسطل في الشوارع " بدلاً من "وروائح الكستناء في الشوارع" ويضيف عبارات لا معنى لها لبعض الأبيات بلا سبب، ويختلط لديه القول فلا يدري من المتحدث في القصيدة؟ كما في قصيدة (صورة السيدة) ، مثلما تختلط الضمائر لديه فيصبح "حساءه" "حسائي" كما في قصيدة ( في المطعم) المكتوبة أصلا بالفرنسية، ويخطئ في اللغة كفائق متى، وإن كان بشكل أقل. ولعلّ خطأه الأفدح هو الاكتفاء بترجمة مقاطع من قصائد ديوان القطط، وهو بذلك يرتكب فعلة شنعاء بحق إليوت الناقد والشاعر وبحق نفسه أيضاً هو الذي طرح نفسه مدافعاً عن الوحدة العضوية في القصيدة كما في تصديره لكتاب (الديوان في الأدب والنقد). ولا تشفع له كل ترجماته لشعر إليوت أو كتاباته النقدية. كيف يسمح لنفسه أن يقتطع أبياتاً من قصائد إليوت ليترجمها بينما يسمح لعقله وذائقته أن ينعتا بعض قصائد العقاد العادية التي لا تتمتع بالوحدة العضوية حتى في البيت الواحد بالعظيمة؟

مع ذلك نقول بلا مجاملة وبكل صدق أنّ ما بذله من جهد لا يمكن إنكاره، ولعلّه سيبقى علامة في ثقافتنا في تعريف إليوت إلى القارئ العربي في كل نتاجاته الشعرية.

ديوان القطط:
الكتاب الأخير الذي اود أن أتناوله هو )ديوان القطط ( بترجمة الدكتور صبري حافظ لا سيما أن الدكتور ماهر شفيق فريد قد نوّه بترجمته "الممتازة" التي صرفته عن إعادة ترجمته ثانية إلاّ بضعة مقاطع من قصائد شتّى.
تطالعنا إشكالية الترجمة ابتداءً من العنوان فهو يترجم الديوان بعنوان هامشي آخر بـ "ماقاله الجرذ العجوز عن القطط العملية" والأفضل الإبقاء على بوسوم الواردة في العنوان الفرعيّ دون ترجمتها، كما فعل الدكتور ماهر شفيق فريد أي "كتاب بوسوم عن القطط العملية" لاسيما أنّ إليوت كان يسميه أصدقاؤه بـ "بوسوم العجوز" التي أطلقها عليه عزرا باوند كما يذكر ذلك بيتر كرويد. وهذا ما فعله لويس عوض عندما تحاشى كلمة الجرذ وايحاءاتها المختلفة بالنسبة إلى القارئ العربي الذي لم ير جرذاً متماوتاً أو ذا جراب لحمل صغاره. وإن كان ثمة جرذ من هذا النوع فهو لم يعد جرذاً بل حيواناً آخر لذلك استبدله لويس عوض بالنمس لتماوته وخداعه. وهو بالفعل من فصيلة الجرابيات وأقرب إلى الكنغرولعلّ ذلك هو ما دفع باوند لأن يطلق على إليوت تسمية أخرى قريبة لهذه التسمية هي: "الكنغر العجوز" كما يذكر ذلك بيتر كرويد ايضاً. ويبدو أن إليوت تقبل الصفة على مضض كما يذكر ذلك كرويد في كتابه الضخم عن إليوت لكنه كان أكثر أريحية في مقدمة ديوانه (بوسوم العجوز)، حين وقّع بهذا الاسم تحت أهدائه، أما ماذهب إليه الدكتور صبري حافظ فهو مذهب بعيد إذ ليس لدى إليوت ما يحميه كما يحمي البوسوم صغاره في جرابه، وكان الأولى بحافظ أن يصنع صنيع لويس عوض وأن يجهد نفسه في إيجاد ما هو معادل للفظة بوسوم أو الإبقاء عليها وليس بترجمتها بجرذ بكل ما تعنيه هذه الكلمة من إيحاءات ليست هي المقصودة في النص, فليس إليوت بذلك الجرذ الذي يتخفى بل يتماوت مخادعاً أعداءه، كما أنه ليس هنالك من جرذ ليعدد مآثر القطط في بعض القصائد بل ويترنم بالانتصار في أحدى القصائد على القط الشرير كراولتايجر حين يحتفل الناس بموته، فرحاً بشواء الفئران:

وشويت فئران كاملة في برنتفورد

وإذا تجاوزنا العنوان إلى القصائد ذاتها فإننا سنصطدم بأغلاط شتى في القصيدة الواحدة تطالعنا منذ البيت الأول, وأغلاطه ليست من الأغلاط التي تقتصر على مفرداتها بل تمتد لتشمل عالم القصيدة نفسه فتغيم الرؤية، ويضحى بإسلوب إليوت المكثف الدقيق ليصبح إنشاء، كما في هذه القصيدة التي سنتناولها الآن ألا وهي قصيدة كراولتايجر. منذ السطر الأول يطالعنا الغلط فكلمة برافو يترجمها بكلمة شرير وكلمة مركب (أو سفينة) يترجمه بالقارب النهريّ:

كان جراولتايجر قطّا شريرا
يسافر في قارب نهري

Growltiger was a bravo cat, who travelled in a barge:

وإذا صارت كلمة برافو شريرا فلا ندري كيف يصير المركب قارباً، ثم يصير القارب سفينة في وسط القصيدة، ليصبح في ما بعد قوارب نهرية عديدة في نهايتها، مثلما لاندري كيف يتسع القارب للمخزن ولمخدع هذا القط الشرير وحبيبته، ولأسرّة نوم بحارته؟ أ كلّ ذلك في قارب نهريّ واحد؟ وبعد أن يطمئننا إلى أن القارب سفينة، في وسط القصيدة، يعود ثانية ليترجمه بالقارب الذي يحيط به الأعداء السياميون:

وأخذت الزوارق تدنو وتدنو
محاصرة الزورق النهريّ

لكنّ القارب في النهاية يصبح قوارب.
هذه الفوضى في الترجمة تمتدّ حتى لوصف معطف القط الذي يترجمه حافظ بما يلي:

ففراؤه أقرب إلى الأسمال البالية الرثّة،
ناصع اللون، فضفاضاً عند الركبتين

مما يدفعنا إلى التساؤل كيف يكون رثّاً وناصع اللون، غير الموجودة أصلاً في النص، مثلما ليس من وجود للفراء وترجمة البيت الذي أصبح بيتين هي بكلّ بساطة:

معطفه الممزق البالي الفضفاض عند الركبتين

His coat was torn and seedy, he was baggy at knees;

وكلّ ما عدا ذلك من إضافات المترجم وهي إضافات لا تغني في إبراز النص بل تشوشه لما تحمله هي نفسها من تناقضات ولبس. ما جدوى ذلك وما الدافع إليه؟

هذا الأسلوب المترهل البعيد عن أسلوب إليوت قاد الدكتور صبري حافظ إلى اسلوبية خاطئة تماما في ترجمته لإليوت فهو يترجم مقطعاً بسيطاً بالطريقة ذاتها:

Now on a peaceful summer night, all nature seemed at play,
The tender moon was shining bright, the barge at Molesey lay.
All the in balmy moonlight it lay rocking on the tide-
And Growltiger was disposed to show his sentimental side.

الآن وفي ليلة صيفية هادئة
حيث تبدو الطبيعة مزدهية رائعة
والقمر الحنون يسكب نوره المؤتلق
فوق القوارب النهرية الطافية عند مولزي
والجميع يستحمون في ضوء القمر المنعش العذب
وقد أخذ القارب يتأرجح مع تيار المد
مال جراولتايجر إلى أن يظهر جانبه العاطفيّ

في هذه الترجمة ثمة زيادات يرفضها اسلوب إليوت الكثيف الخالي من الزوائد:
صيفية وهادئة صفتان لصفة واحدة في النص الأصليّ. مزدهية ورائعة صفتان مبتذلتان لكثرة تردادهما وغريبتان على النص وهما ترجمة لكلمة at play التي تعني صفة اللعب حين تنطلق الطبيعة بأسرها مرحة، كذلك ليس ثمة قوارب نهرية بل مركبٌ كان قارباً واحداً في بداية القصيدة وأصبح قارباً ثانية بعد بيت واحد من القصيدة:

وقد أخذ القارب يتأرجح مع المدّ

لا أدري ما مبرر تحاشي حافظ للفظتي مركب أو سفينة كما وردت في ترجمته وسط القصيدة مع أنهما ستجنبانه كلّ هذا العذاب في الترجمة والانتقال من معنى إلى آخر بلا معنى.
ومثلما ليس ثمة قوارب في القصيدة، ليس هنالك أيضاً من يطلق عليهم حافظ بلفظة "الجميع":

والجميع يستحمون في ضوء القمر

إذ لا استحمام هناك وإنما سفينة عند مولزي تتهادى جيئة وذهاباً مع المدّ والجزر في ضوء القمر الذي يرسل أشعته الوضاءة.
مع ذلك فإن هذه الترجمة تبدو مقبولة، على علاتها، إذا ما قارناها بترجمة هذا البيت في قصيدة أخرى وما أصابه من استطراد مثير للغرابة حقا.
البيت الأصلي هو:

They know how to dance a gavotte and a jig

لقد أصبح هذا البيت الذي يمكن ترجمته بـ: "وهي تعرف كيف ترقص رقصة الغافوت والجيك"
أبياتا في ترجمة حافظ :

وهي تعرف كيف ترقص
رقصة الجافوت الفرنسية
فترفع سيقانها في الهواء، وتوقّع بأقدامها
وتعرف أيضا كيف ترقص
رقصة الجيج السريعة

لم كلّ هذه الأبيات لبيت واحد؟ ولكن لنعد إلى القصيدة التي تناولناها لندرك مدى تخبط الترجمة وعدم دقتها وانسراحها مع الألفاظ العربية الخادعة في الترجمة فهي مضرة مثلما هي مضرة ترجمته الحرفية للجرذ. ولعلّ اطمئنان حافظ وثقته بترجمته وانسراحها ربّما يعودان، إلى كون هذه القصائد مما يكتب للأطفال، دون أن يدري أنها قد تكون أصعب بكثير من ترجمة الارض الخراب نفسها لما فيها من لعب لغوي ومجازات وألفاظ وتعابير عامية ينبغي الرجوع لمعرفتها إلى بطون القواميس وأبناء اللغة من العارفين بشعر إليوت واستشارتهم مثلما استشار ابنه الذي قد تغمض عليه الكثير من التعابير لدقتها والتواء معانيها رغم وضوحها الساطع. كما أنها ليست كقصائد إليوت الأخرى التي اشبعت تفسيراً وتحليلاً ونقداً. وهنا أذكّر بتحذير إليوت من الكلمات الخادعة لأن القصيدة ليست مصنوعة من الكلمات الجميلة فقط كما يذكر ذلك في مقاله (موسيقى الشعر). مثلما أودّ أن أذكّر بما قاله إليوت عن الشعر القريب من شعره عن القطط في مقاله (تأملات في الشعر الحرّ) باعتباره لوناً من ألوان العبقرية يحتاج إلى شاعر شديد البراعة. وهذا ما تتحقق في شكله الجليّ في شعره اللاحق في (ديوان القطط). وهذه البراعة بدورها تحتاج إلى ترجمة بارعة أيضا ذات معرفة بمداخل الألفاط والصياغات الشعرية. ولو اطلع صبري حافظ على مقالة إليوت الشهيرة عن بودلير(بودلير في عصرنا) لأدرك أية وسوسة تسكن إليوت في ترجمة الشعر، فهو يؤاخذ مترجم بودلير إلى الإنجليزية حتى على نظام الكلمات، مبدياً انزعاجه من استخدامه الكلمات الرنانة، مؤكدا على أهمية كل كلمة يستخدمها بودلير.

إن أغلاط حافظ على مستوى الألفاط كثيرة وتبدو أحياناً غير مبررة لو بذل فيها قليلاً من الجهد، دون الاطمئنان لمعرفته العابرة، فالكلاب البكينية يترجمها بالبطات البكينية:

الويل للبطات البكينية المدللة
إذا ما واجهت غضب جراولتايجر وثورته

وكان بإمكانه الرجوع في ذلك إلى أيّ قاموس في اللغة الإنجليزية. أما "ثورته" فهي لم ترد لا في هذه القصيدة وحدها بل ربما في شعر إليوت أجمعه، وها هما البيتان في الأصل:

Woe to the pampered Pekinese, that faced Growtiger’s rage;

ولعلّ أطرفها ترجمته التالية:

الويل للفأر الهنديّ المشعر
الذي يتجول على سفينة غريبة

ولا ندري كيف يتجول الفأر حتى الهندي منه في سفينة بمثل هذا الاطمئنان؟. وهو لا يتجول في سفينة مألوفة لديه بل في سفينة غريبة كما يفعل البحارة بلا خوف. وهذا ما لا يمكن أن يعقل حتى في الشعر، فالفعل في الأصل يعني كل هذه المعاني: يختفي، ينسلّ، يكمن، إلا كلمة يتجول، فمن أين جاء حافظ بـ "يتجول" التي ترجمها الدكتور ماهر شفيق فريد بـ "يربض" رغم عدم دقتها أيضاً. ولعله بترجمته مقتطفات من (ديوان القطط) إنما يشير بشكل غير مباشر إلى أغلاط صديقه الذي اثنى على ترجمته بكلمة "ممتازة". وحتى تسميته للفأر بالهنديّ المشعر هي غير دقيقة ولو رجع إلى القواميس الإنجليزية لوجد أن هذا الفأر يعيش في: استراليا، اندنوسيا، غينيا الجديدة ، ولا يرد ذكرٌ للهند أبداً، كما أنه ليس بفأر بل حيوان من فصيلة الجرابيات كالكنغر. ولعل ما دفع الدكتور حافظ إلى هذه التسمية هو قاموس المورد الذي جاءت فيه هذه التسمية غير دقيقة، وكان الأولى بالمترجم أن يرجع إلى قواميس أخرى أيضا. وليس صعباً إيجاد البدائل لتلافي كل هذا الإرباك إذ يمكن ترجمته بـ:

البانديكوت الخشن الشعر

the bristly bandicoot,

محافظين على الصفة في اللغة الأصلية وهي خشونة الشعرالتي لم يحافظ عليها حافظ في ترجمته مع هامش صغير لمعنى البانديكوت..

في هذه الترجمة تفقد الصفات دقتها ويصبح ما هو شائع من تعابير مكرورة هو السائد وفي ذلك اجتراء على النص الأصلي, وجرّ الشعر إلى العاديّ وقد يترافق ذلك مع أغلاط فاضحة كما في هذين البيتين:

His bucko mate, Grumbuskin, long since had disappeared,
For to the Bell at Hampton he had gone to wet his beard;

اللذين يترجمهما حافظ كما يلى:

فقد انقضى زمن طويل،
منذ أن اختفى ذات مساء
صديقه الحميم جرامبوسكن
عندما ذهب ليبلل لحيته
في حانة "الجرس" في هامبتون

والحميم هي ترجمة لكلمة عامية بمعنى: التيّاه،، المتبجح، الصخاب، المتنمر، إذ ليس ثمة حميمية في عالم الجريمة، إلاّ في ذهن المترجم. أما ذهاب جرامبوسكن إلى الحانة ليلل لحيته فهي طرفة جديدة تضاف إلى :"ابلع..ابلع" و "غيبوبة الطباق" و"رماد الأربعاء" ولكن هذه الطرفة أبلغها أثراً، فهل هناك من يذهب إلى الحانة فتسأله ليقول لك إنه ذاهب إليها لـ "يبلل لحيته" أي لـ "يشرب" وفي اللغة الأنجليزية to get drink وكان الأولى بالمترجم أن يشرحها إذا آثر أن يُبقي عليها كتعبير في اللغة الإنجليزية لا لكي بترجمها حرفيا، بينما يشرح لنا، من جهة أخرى، معنى اسم جرامبوسكن حيث لا ضرورة للشرح. وهو يفعل العكس في أسماء الحانات التي كان يفترض أن يبقى على اسمائها كما وردت في الأصل. وهذا ما أشار إليه وناقشه لؤلؤة في كتابه بإسهاب. وقد يتعسف فيضيف أبياتاً منه إلى الترجمة، كما في هذا المقطع:

Growltiger had no eye or air for aught but Griddlebone,
And the lady seemed enraptured by his manly baritone,
Disposed to relaxation, and awaiting no surprise -
But the moonlight shone reflected from a hundred bright blue eyes.

وكان جراولتايجر مستغرقاً في شغفه،
بمعشوقته المخططة الجميلة جريديليون،
وما أستطاع أن يحوّل عينيه
عنها، فلم يعر أيّ شئ سمعاً
وبدت السيدة منتشية بصوته الرجاليّ الجهير،
استلقت مستمتعة باسترخائها،
وقد دغدتها كلماته،
ولم تكن تتوقع أيّ مفاجأة
إير أن أشعة القمر الفضية
ما لبثت أن انعكست ساطعة
على مئات العيون الزرقاء اللامعة

فلا "مستغرقاً في شغفه" موجودة في الأصل ولا "معشوقته المخططة الجميلة" ولا *وقد دغدغتها كلماته" ولا "الفضية" أيضا وحتى الأبيات الأخرى لم ترد بهذه الصيغة الفضفاضة ولكن يمكن اعتبار ترجمتها اجتهاداً مقبولاً مادام ليس مضراً بالنص الأصلي، لكنه من جهة أخرى نراه حرفياً ينقل الكلمات بأصواتها من النص الأصلي دون أن يجد البديل الملائم لها في لغته كهذه الأصوات:

At the end of all his crimes was forced to go ker-flip, ker-flop

كر.. فلب كر ..فلب

أو ينقلها في تركيب عاديّ كما في جملة"مركزا كلّ اهتمامه" التي كان يمكن أن يستعيض عنها بكلمة أخرى كأن تكون "مأخوذاً". إن أغلاطه تلاحقنا لا في كلّ قصيدة بل في كلّ مقطع، إن لم تكن في كلّ بيت، بل إنني أستطيع أن أقول أن أغلاطه أفدح في المقاطع الأخرى:

وتقدّم الأعد\ء في عناد
يحكمون الحصار وقد خلت قلوبهم من الرحمة
وأجبر جراولتايجر لدهشته،
على أن يتقهقهر إلى الألواح الخشبية
وهاهو القط الذي طالما ساق
مئات الضحايا إلى حتفهم
ينتهي به الأمر بعد كلّ هذه الجرائم
إلى أن يصعّد حشرجة الاحتضار:
كرْ فلب؟ كر فلب

فإذا تجاوزنا إضافاته: " يصعّد حشرجة الاحتضار" وهذه الترجمة الكليشة "وقد خلت قلوبهم من الرحمة" فإن ترجمته لهذين البيتين لا معنى لها على الإطلاق:

وأجبر.......
على أن يتقهقر إلى الألواح الخشبية

Growltiger to his vast surprise was forced to walk the plank.

ما معنى أجبر على التقهقر إلى الألواح الخشبية؟

ما أراد أن يقوله الشاعر في هذا البيت الذي صار بيتين، هوبكل بساطة، أن القط الشرير أجبر على السير على حافة المركب ليسقط أخيراً في البحر. وهذا ما يفعله القراصنة بأعدائهم وتذكر بعض القواميس أنهم يسيرون على حافة المركب أحيانا معصوبي الأعين.

إن إنشائية الترجمة وعادية أوصافها البراقة جاءت وكانها وسيلة لتسد نقصاً في الترجمة التي ظلت ممتلئة بالفراغات واللامعنى في الكثيرمن المواضع، وحين نقول جميع المقاطع فلا مبالغة في ذلك فها هو مقطع آخر يترجم حافظ بعض أبياته هكذا:

فاندفعوا بغتة في هجمة مرعبة
يصْلون السفينة بنيرانهم الخفيفة

دون أن ينتبه أنه ترجم المقطع الذي قبله واصفاً المهاجمين الذي هجموا على المركب أنهم مسلحون بالشوك والسكاكين. فكيف يصلون السفينة بنيرانهم وهذه النيران ليست موجودة في القصيدة وما هو موجود ألعاب نارية يشبه إليوت اندفاع المسلحين المباغت بانفجارها:

Then Gilbert gave the signal to his fierce Mongolian horde;
With a frightful burst fireworks the Chinks they swarmed aboard.

من النادر ألا تجد ملاحظة هنا أو هناك سببها عدم الالتفات إلى تعامل إليوت مع الجزئيات التي تمنح شعره حياة، فحين يترجم حافظ مثلا هذا البيت "مغلقين منافذ النجاة على البحارة" فهو لاينتبه لما أهمله وهي الألواح التي تعطي البيت حيوية وحسية نادرة وطرفة "مغلقين المنافذ بالألواح على البحارة " والمنافذ ليست بالضرورة منافذ النجاة بل حتى المنافذ الاعتيادية.

كلّ هذه الأغلاط وغيرها في قصيدة واحدة هي قصيدة (موقف كراولتايجر الأخير). ولعل طرفته الثانية التي تضاف إلى طرفته الأولى هي ترجمته لكلمة بواب في اللغة الإنجليزية في قصيدة( القط مورجان يقدّم نفسه ) بكلمة"مندوب مفوض":

كنت يوماً قرصانا، وأبحرتُ في أعالي البحار
وقد تقاعدت الآن وأصبحت مندوباً مفوضاً
وهذا هو السبب في أنك تجدني متراخياً
وأنا أعمل بوابا في أحد ميادين بلومزبري

I once was a Pirate what sailed the ‘igh seas-
But now I’ve retired as a com-mission- air:

وبدورنا نسأل أ لم يستوقف المترجم هذا التناقض بين كون القط مندوبا مفوضا وبوابا في آن واحد؟

في هذه القصيدة تطالعنا بعض الأغلاط التي لايمكن أن نمر دون الإشارة إليها منها:

I got knocked about on the Barbary Coast,
And me voice it ain’t no sich melliferous horgan;
But yet can state, and I’m not one to boast,
That some of gals is dead keen on old Morgan,

وقد طردتُ وركلت على شاطئ باربري
وذكري لهذه الواقعة، ليس استجداء لمعسول المواساة
ولكني أحب أن أكرر، دون مباهاة،
أن بعض الفتيات متيمات،
في هوى مورجان العجوز

ما معنى: " وذكري لهذه الواقعة، ليس استجداء لمعسول المواساة"؟
ما أراد أن يقوله الشاعر أو القط مورغان أن صوته لاينم عن لسان حلو الحديث ولكنه يستطيع أن يذكر بلا مباهاة أن بعض البنات متيمات به.

إن سلسلة الأغلاط في هذه الترجمة طويلة كهوامش المترجم التي كانت بلا ضرورة في كثير من المواضع وهذا ما ادركه الدكتور ماهر شفيق فريد في ترجمته للمقاطع العديدة من الديوان.

في ورقتي هذه تجنبت الحديث عن الرباعيات الأربع التي ترجمها توفيق الصائغ ومصطفى عبود وأعاد ترجمتها الصديق عبدالقادر الجموسي وقد أمضينا وقتاً طويلاً في مناقشتها قبل أن يدفعها إلى الطبع طبعة ثانية، و ما أتمناه أن يُخصص سمنار خاص لمناقشة الرباعيات وترجمتها إلى العربية لما في ذلك فائدة بلا شك. ولنا وقفة مع هذه الكتب مرة أخرى بشكل منفصل


بعض المصادر التي تمّ الاعتماد عليها في هذه الدراسة:

1- Chiari, J. 1972, T.S Eliot; Poet and Dramatist, Great Britain, Vision Press
2- Alvarez, A. 1958, The Shaping Spirit; Studies in Modern English and American Poets, London/Toronto, Chatto & Windus
3- Jones, P. 1979, An Introduction to 50 American Poets, London/Sydney Pan Books.
4- Pinto, V. 1963, Crisis in English Poetry 1880-1940. New York/Sydney/Toronto, Arrow Books
5- Cox, C. Arnold, H. 1968 (Eds).T.S Eliot The Waste Land; A Casebook, Hamphire/London/Basingstoke, Macmillan

6- ف. ر. ليفز. اتجاهات جديدة في الشعر الإنجليزي. ترجمة د. عبدالستار جواد. دائرة الشؤون الثقافية العامة، بغداد. 1987.
* نص المقالة التي ألقيت في ملتقى الشعر العربي الأول المنعقد في القنيطرة – المغرب يومي 16 و17 يناير 2009.



 

free web counter