| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

عبدالكريم گاصد

 

 

 

 

 

الأربعاء 4/11/ 2008



غابات الماء
أم غابات الأخطاء

عبدالكريم كاصد

لم أطلع على كتاب ( انطولوجيا شعراء البصرة ) الصادر منذ أكثر من سنة إلا قبل يومين، على الرغم من معرفة القائمين على إعداد الكتاب وطبعه بعنواني، من خلال اتصال بعضهم المتكرر بي، وإذا كان هذا مما ألفناه عادة، فإن من الصعب أحيانا القبول بألفةِ ما يتكرر لا سيما إذا كان ما يتكرر أخطاء فادحة لا في الآراء والأفكار والمفاهيم فهذه لا تشغلني هنا كثيراً، وإن لم أألفها، وإنما في طباعة النصوص المختارة حين لا تمتلئ بالأخطاء وحدها، وإنما تتداخل فلا تعرف أين ينتهي هذا النص أويبتدئ. وقد كانت المفاجأة الأولى أن النصوص التي أرسلتها إلى القائمين على الأنطولوجيا مرتين بطلبٍ من صديقين اثنين منهم لم تنشر، و حلّت محلّها نصوص أخرى اختير أغلبها من مجموعة واحدة هي (سراباد)، باستثناء قصيدة قصيرة اختيرت من مجموعة ثانية لي هي (دقات لا يبلغها الضوء)، ولأن النصوص المختارة هي من شعري لذا لم تأخذ المفاجأة مدىً أوسع مما تستدعيه، وهذا جانب أخر أيضاً مما اعتدناه، وإن كان من المتعارف عليه في مثل هذه الحالات أن يتصل القائمون على الكتاب بالشاعر للاعتذار أو لتوضيح ذلك ، لاسيما أن من اتصل بي منهم، ترك أمر اختيار القصائد لي لكنني سأتجاوزهذا الأمر مادامت جميع القصائد هي قصائدي وسأحصر القول في ماذكرت من تداخل القصائد بعضها ببعض، فقصيدة (مرثية عامل مقهى) التي تنتهي بـ:

فاحترس ياعليّ
سينقلب الشاي من راحتيك
احترس ياعليّ

تنتهي أيضاً بمقطع آخر من قصيدة أخرى هي بعنوان (المسلّة الحجريّة) في مجموعة ( سراباد)، وهذا المقطع هو نشيد لا علاقة له بقصيدة (مرثية عامل مقهى) لا بشكله ولا بمحتواه مما يجعل المفارقة شديدة الوضوح. كيف قفز هذا المقطع النشيد من قصيدته ليحاذي القصيدة السابقة من دون واسطة ولا عنوان حتى ولا حيّزٍ يشي باختلافه، في الاقلّ،؟.

بعد هذا المقطع النشيد تأتي قصيدة بعنوان (بيت) تنتهي بـ:

لي بيت
وأعرف بابهُ
ولعلني ما زلت أطرقهُ هناك
لعلّني ما زلت أسكنهُ
وأنكر كلّ بيت

غير انّ هذه النهاية لم يشأ لها الكتاب أو القائمون عليه أن تستريح إذ تلتصق بها قصيدة أخرى حذفت أبياتها الخمسة الأولى وضاع عنوانها وهذه القصيدة هي (من سورة الأنفال) المكتوبة في سنة 1977 والتي سأوردها هنا كاملة، تاركاً الإشارة إلى ما ورد من أغلاط مطبعية في مواضع أخرى:

من سورة الأنفال

كلّهم مخلصون
حاملو الختمِ والمخبرون
والمباعون بالثمن البخس
والمشترون بنا ثمناً (في جيوبهم مرضٌ)
والمعدّون من قوّة ما استطاعوا لسمْل العيون
والمصلّون تحرسهم آية الفتح
(ما كان إلاّ صفيراً صلاتهمو)
والملاقون ربّهمو حافضي الجنح
والقائمون على سدّة العرش والقاعدون
والمغيرون في الصفحات
المنادون في الحجرات
المذيقون أعداءهم في المنام
الشجيّون إمّا تراءتْ مطوّقة
والحفيّون
والجانحون إلى السلم يتبعهم سربُ طيرٍ أبابيل
والصيرفيّون
والحافظات وراء مكاتبهنّ الفروج الأمينةَ والحافظون
كلّهم.. كلّهم مخلصون
يشهد الله والمؤمنون

وحين رأيت الأمر بمثل هذه الفوضى أيقنت أنّ ما جرى لي ليس متعمداً بكل تأكيد بل هو إهمال واضح لا بدّ، قلت لنفسي، أن يتكرر مع الآخرين فلأرَ قصائد أقرب الشعراء إليّ لأعرف ما حلّ بشعرهم أيضا، وكأنني على يقين من ذلك، وكانت المفاجأة الاخرى هي قصائد البريكان وما حلّ بها لا من تداخل بل من زحف قصائد لآخرين نسبت إلى البريكان. كيف حدث مثل هذا؟
قرأت قصيدة البريكان (أسطورة السائر في نومه) فلم يستوقفني خطأ فكان ذلك مبعث حيرتي وحتى الأخطاء التي صادفتني في القصيدة الثانية (الطارق) لم تمحُ هذه الحيرة كحذف كلمة "قليلا" التي ترد في الأصل مرتين بينما ترد مرة واحدة في الكتاب حتى ولا هذا الخطأ الطريف:

أتت تطلب النار

بدلاً من (الثار)، والذي يذكرك بقول أحمد شوقي الشهير :

أم جئت تطلب نارا؟

غير أن المفاجأة المتوقعة حين ورد مقطع من قصيدة (انتماءات) مباشرة بعد قصيدة (الطارق) منزوعاً من قصيدته، وعارياً من دون عنوان لتلتصق به بعد ذلك مقاطع تمتد على مدى ثلاث صفحات تقريبا بلا عنوان أيضاً، ولا تمت بصلة لا لعالم البريكان المألوف لقرائه ولا لأسلوبه المعروف بعمقه وكثافته وبعده عن كل ما هو مباشر في التعبير. والمقطع المنزوع من قصيدة (انتماءات) هو:

وحيداً أنتمي ، حرّاً، إلى فكرهْ
أرادت نحتها الموتى
(ولم تنحت على صخره)

أما المقاطع التي التصقت بهذا المقطع من قصيدة ليست للبريكان بكل تأكيد فهذا بعضها:

إلى قاتل

أتعرف من قتلتَ؟
يقال شاعر كبير
ما همّ من كان.. أو يصير
والموت (هل الموت تبرير)
(هكذا وردت في الكتاب)
أعرف لم قتلت
لكنني علمت بالأخير
بانني أخطأت في اختياري
فهل يكون شاعر إلا فقير

هل يمكن أن يُنسب شعر كهذا إلى البريكان؟ وحتى لو افترضنا أنها للبريكان - وهذا مستحيل – أهذا مما يُختار له؟

تقول مقدمة الكتاب "هذه الأنطولوجيا اقترحت سياقاً جاذباً للفاعلية الشعرية في البصرة، أو ربّما اقترحت شكلاً من اشكال المتحف الذي ينبغي أن نديمه بالإضافة والمتابعة لكي تتعرف الأجيال على المنجز الشعري خارج فرضيات الزمن السياسيّ....إلخ"
أبهذه الطريقة تبنى متاحف الشعر؟
حسناً لننتقل لشاعر آخر شاءت المصادفة أن تكون مجموعتاه الأخيرتان لديّ هو الشاعر عادل مردان. لقد اختيرت لهذا الشاعر قصيدة هي حقاً من بين قصائده الجميلة، عن الشاعر جان دمو بعنوان (ثاني أوكسيد البيجاما)، فتفرح لهذا الأختيار ولكن سرعان ما تفاجأ أن جزءاً كبيراً مهمّا في نهايتها محذوف بكامله هو:

( على الشاشة مقبرة جماعية
أمرأة بثيابٍ سودٍ وعصابة
تحمل جمجمة تقبلها مراراً
على حافة قبر)

جان
جان
جان
راحت البيجاما تلطم
المرأة تحفر بجنون
والجمجمة خلفها تثرثر
..........................
.........................
.........................
جان يغفو أخيراً
نمْ قدّيس التجوال
نومتك الأبديّة
هذا ما حصدت
من الإرهاب

وإذا كان هذا الاختيار مفرحاً رغم ما شابه من كدرٍ في النهاية فإن ما اختير للشاعر الراحل مصطفى عبدالله لا يدل إلا على عجالة لا يمكن أن يتأسس عليها متحف شعري على الأطلاق. لم يرد اسم هذا الشاعر في الفهرست، وورد في متن الكتاب في حرف العين أي في الموقع الخطأ، ولم يذكر كتابه الذي ضمّ كل شعره تقريبا والذي صدر في بغداد عن وزارة الثقافة سنة 2004 بعد ان بذلتُ في تحقيقه وجمعه ونشره جهدا كبيراً اضطرني إلى السفر إلى براغ للاطلاع على مخطوطاته الأصلية التي هي في حوزة أخيه خالد عبدالله، من أجل تلافي ما جاء في الطبعة السابقة من نواقص ذكرتها في مقدمة الكتاب عن شعره مما كان يتطلب من القائمين على الكتاب الاطلاع على هذا العمل الذي لم تتم الإشارة إليه في الحديث عن مصطفى، لا سيما أنه مطبوع في بغداد، وأن هدفهم – كما تدعي المقدمة- أبعد مما هو عابر وتأسيسيّ لا للجيل الحالي وإنما للأجيال اللاحقة.
ما استوقفني في الكتاب أيضاً أن بعض القصائد وردت فيه بصيغة هي غير الصيغة الواردة في المجموعات الأصلية للشعراء. هل هذا اختيار الشعراء أنفسهم؟ الجواب بلا شك سيكون "نعم" لأنه من غير المعقول أن يلجأ القائمون على الكتاب إلى مثل هذا التغيير لذا تتطلب الإشارة إلى ذلك وهذا ما لا حظته في قصائد الشاعرين طالب عبدالعزيز وعزيز عسير، ولاسيما قصائد عسير التي ترد مختلفة في المتنين فهذا المقطع يرد في صيغتين الأولى (في الديوان) هي:

عد إلى موجة في السماء
وقل:
يا عيون
اقلعي
لم أعدْ شاهداً صنعته الأيادي من الريش
أو عقدت شبكات
لأسلاكه الشائكه
شهق المايكروويف
وتوثب ثم استدار بصيوانه التلستار
كلّ أقراصها أشرعت للسماء
نبأ
طائر قد هوى في المحيط
صرّح العلماء
ليس في صنعه خللٌ
ربّما دمعة في أعالي السماء

والأخرى في الكتاب وهي:

عد إلى موجةٍ في السماء وقل: يا عيون
أقلعي .. قبل ان يتهاوى بقعر المحيط
قمر.. صنعته أيادٍ
أتقوى على حمل..؟؟؟.. أيّما النبأين؟؟؟
إيا ..هدهدا.. مرّ فوق مدينتنا الباكية

مثل هذا الاختلاف الكبير بين النصين يستدعي توضيحاً قد ينفع في فهم النص في صيغته الجديدة. لكننا لا نخطئ في تشخيص خطأ القائمين وراء التحريف الحاصل، سهوا بالطبع سببه الإهمال، في بيت السياب الآتي والذي أحاله إلى نثرٍ مقيت:

وفي العراق خوفٌ وجوع

الذي هو في الأصل:

وفي العراق جوع

ثمة اختلاف آخر في شكل القصيدة كما هي في الاصل وشكلها في الكتاب كما هوواضح في قصائد كاظم الحجاج القصيرة مثلا حيث تختزل القصيدة ذات الأبيات الخمسة إلى ثلاثة أبيات أو بيتين وهذا ما نجده أيضا إلى حدّ ما في بعض قصائد الشاعر جواد الحطاب حيث الفراغات جزء من عالم القصيدة الممتلئ. ويبدو أن الاختزال وحده لم يكن نصيب كاظم الحجاج إذ رافقته أغلاط كابوسية في قصيدته الصغيرة (كابوس الشاعر).
لا بدّ من الإشارة إلى الأغلاط المطبعية و غير المطبعية التي لا تخلو منها قصيدة إلا نادرا ففي قصيدة قصيرة لسعدي يوسف كقصيدة (النقيض) نجد ثلاثة أغلاط فبدلاً من "الباب الموارب" نجد "الباب موارب" وبدلاً من "يلفون" نجد يلقون وبدلاً من "خطوتي" نجد "خطوي". وقل ذلك في قصيدته القصيرة جدا (ارتياب) حيث يرد فعل "تكتنز" بدلا من "تكنز" وهكذا...
هل يمكن تلافي مثل هذه النواقص في طبعة قادمة؟ إنها قد تبدو شكلية إزاء قضايا الشعر الأخرى الجدية ذات الإشكالات الأعمق ولكنها، من جهة أخرى، لا يستقيم من دونها شعر. إنني لا استطيع تحمل الخلط الحاصل في كل صفحة وبيت بين همزتي القطع والوصل. هذا لا يمكن أن يحدث إلا في المجلات العادية للمنظمات التي يمتلئ بها الوطن والمنفى. كذلك لا يخلو الكتاب من أخطاء ونقص في المعلومات كولادة البريكان في أبي الخصيب. إنني لأول مرة أسمع أن البريكان ولد في أبي الخصيب وليس في الزبير, أرجو أن أكون مخطئاً، كما أنني أقرأ عن كاظم التميمي وكأنه على قيد الحياة وهو المتوفي منذ سنوات. أتساءل أيضاً ما معنى أن يُقدم شاعربهذه الأوصاف: "شاعرٌ وقاص وسياسيّ"؟ ما تعني كلمة سياسيّ هنا؟.

أهملت الأنطولوجيا شعراء عديدين كان الأحرى أن تضمهم أسوة بأخوتهم الشعراء الآخرين ومن بين هؤلاء: مؤيد حنون، حسين عجمي، عباس الحساني، محمد حبيب، قصي الشيخ عسكر، صبري هاشم، جعفر كمال، يحيى البطاط ، أما إشارة المقدمة إلى أهمية بعض الشعراء التي ذكرَتْهم بصفتهم مهمين رغم أنها لم تورد لهم أي نص في الانطولوجيا فتظل لغزاً، لأننا لا نفهم كيف يكونون مهمين ولا تشملهم ببركتها. وهل نفهم من ذلك أن من أوردت نصوصهم مهمون؟ ثمة أشياء كثيرة قابلة للنقاش في المقدمة ليس غرضي الآن التوقف عندها لمناقشتها.

تقديري وشكري لأصدقائي القائمين على إصدار الانطولوجيا




 

free web counter