| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

علاء الخطيب

علاء الخطيب

 

 

الثلاثاء 23/11/ 2010

 

ضوء على جذور العلاقة العراقية البريطانية

علاء الخطيب *
 
كان العراق منذ القدم محط إهتمام دول العالم لما يتمتع به من موقع جغرافي وحضارة وتراث تاريخي ضارب في الاعماق, فهو موطن الحرف الأول ومسقط رأس القانون , وعاصمتة ذاع صيتها في ربوع العالم فهي موطن الف ليلة وليلة وقصص السندباد البحري وعلي بابا وكليلة ودمنة وغيرها وهي أرض الأنبياء والمقدسات وأرض الأحلام بالنسبة لقادة الدول والحالمون على حدٍ سواء. يقول (ريج): أنظرُ اليها كونها احدى المدن التي كان (نابليون) يزمع ان يقيم فيها مركزا لقيادته في طريقه لاحتلال الهند، ولعل البريطانيون أردكوا هذه الحقيقية, فازداد شعورهم باهمية العراق الاستراتيجية مطلع القرن العشرين، ونظرا لموقعه الجغرافي ومركزه السوقي الذي يربطه بايران والخليج، ويجعله طريقا سريعا ومختصرا تأتي منه المواد الاولية، وتعود الصناعات البريطانية عبره ثانية الى اسواق الشرق لذا دخل ضمن دائرة إهتمام الحكومة البريطانية حتى من قبل أن نزول القوات البريطانية في البصرة عام 1914م بقرون .وعلى الرغم من أن العراق فقد شكل الدولة وأصبح جزءً من دولة أخرى كما أشرنا سابقاً ولكن كان يتمتع بعلاقات مع شعوب العالم لذا يمكن أن أطلق عليها مصطلح ((العلاقات غير الرسمية )), فعلى سبيل المثال كانت هناك علاقات للعراقيين مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول منذ القدم وقبل تأسيس الدولة العراقية وذلك في أيام حكم المماليك والذي كان يتمتع فيه العراق بشكل من أشكال الحكم الذاتي أو الاستقلال الجزئي وبما أن هذه الدراسة تسلط الضوء على العلاقة بين العراق وبريطانيا فسوف نسلط الضوء على جذور تاريخ العلاقة بينهما.

يرجع تاريخ العلاقة بين العراق و بريطانيا الى العام 1640م حينما شوهد موظفوا و وكلاء شركة الهند الشرقية في البصرة والتي أسست لهذه العلاقة, ولو أن الشركة لم تتمكن في بادئ الأمر من تجد موطئُ قدم لها بشكل ثابت إلا أنها وجدته وثبتته بعد قرن من العام المذكور فقد اصبح وزن الشركة ملحوظاً منذ حوالي 1775م عندما كان الإنكليز يحمون ويقودون السفن المسلحة التي يملكها والي بغداد والتي كانت ترفع العلم البريطاني. وكان الوالي في أغلب الاحيان يتصرف بايحاءات من الممثل البريطاني والذي كانت له علاقات مع شيوخ العشائر الرئسيين وكان المقيم البريطاني يمتلك سفن تحمل المدافع تجوب في نهر دجلة و في العام1798م سمح الوالي حسن باشا بتعيين مبعوث بريطاني دائم في العراق وفي العام 1808م عينت بريطانيا المستر ريج قنصلا في بغداد ويعتبر هذا الرجل هو أول من عمل على تكريس الدور البريطاني في العراق وقد نجح في ذلك نجاحاً كبيراً, وكان ريج يتمتع بعلاقات كبيرة ومهمة مع العراقيين وكانت شخصيته أقوى من شخصية الوالي العثماني فكان محط تقدير وإعجاب العراقيين, خصوصا و أن النزاع كان على أشده بين الولاة والقادة في بغداد وكانوا في تغيير مستمر , فقد شعر العراقيون بأن المستر ريج باقٍ بقوته ولم يتغير خصوصاً حينما رؤوا أن الولاة في بغداد يلجأون اليه في دعمهم وتثبيتهم فأصبح الناس كما يذكر الدكتور الوردي في كتابه لمحات إجتماعية أن الناس في بغداد كانوا لا يقيمون وزناً لوعود بشواتهم وأعيانهم إلا إذا كانت مدعومة بضمان من المستر ريج. لقد دعم ريج نفوذه في المجتمع العراقي بناءاً على دراسته لثقافة العراقيين والعوامل المؤثرة فيهم فزاد من مظاهر الابهة والفخامة باستخدامه الموسيقى العسكرية عند خروجه وعند عودته وفرض على حرس القنصلية البريطانية زياً خاصاً فجعل أهالي بغداد يقفون على الطريق وهم مدهوشون لمنظر موكبه المهيب وأعتقدوا بأنه صاحب الكلمة المؤثرة في رسم السياسة العراقية ولعل العقل الباطن العراقي يحمل الصورة ذاتها الى زمن قريب بأعتقادهم بالتأثير والنفوذ البريطاني في العراق , ولعل النزاع الذي حصل بين ريج وداوود باشا في العام 1820م يوضح ما ذهبنا اليه من قوة النفوذ البريطاني ولعل العقل الباطن للعراقين على حق. ففي العام المذكور فرض والي بغداد داوود باشا ذرائب إضافية على الصادرات والواردات البريطانية فأحتج ريج على هذا الاجراء بقوله أن للبريطانيين حقوقا أقرتها الاتفاقيات مع العثمانيين فرد الوالي بأنه لا يعترف بأي حق للبريطانيين في بغداد وتطور الأمر ومنعت السفن البريطانية من دخول الى ميناء البصرة وأراد القنصل البريطاني الخروج من بغداد وحوصرت القنصلية البريطانية بالمسلحين وحصن ريج نفسه بالجنود وكادت تنشب معركة بين الطرفين ثم حلت بعد إدراك الوالي الى حجم المشكلة فأرسل مفاوضين عنه الى المستر ريج فاستقبلهم القنصل البريطاني بغضب وإنزعاج شديدين .

هذه الحداثة تؤكد على حجم النفوذ والعلاقة بين بريطانيا والعراقيين ومدى الصلة والتأثير لدى ريج في المجتمع العراقي لأنه كما يذكر أنه كان وثيق الصلة بأعيان بغداد وبقادة العسكر , ولعل إستقباله لمبعوثين الوالي تدلل على حجم موقعة في بغداد آنذاك. واستمرت العلاقة البريطانية العراقية بعد ذلك فعينت الحكومة البرطانية الكابتن تيلر قنصلا جديدا في بغداد ليكون خليفة ريج في هذا المنصب وذلك في العام 1821م. وحاول القنصل الجديد أن يتولى الضباط البريطانيون مهمة تدريب الجيش العراقي حينما التمس رغبة الوالي في تطوير القدرات العسكرية العراقية وبالفعل أعتد داوود باشا على بريطانيا في تسليح الجيش وجلب بعض الضباط البريطانيين امثال جورج كيبل ورفاقه لهذه المهمة لم تنحصر العلاقة بين بريطانيا والعراقيين في التمثيل الرسمي فحسب بل تعداه الى التمثيل الشعبي فقد بعثت بريطانيا المبشر المسيحي غروفز الذي سكن بغداد وأتصل بأهلها واصبحت له علاقات معهم ووقف معهم في زمن محنة وباء الكوليرا , أما على الصعيد التجاري فكانت هناك صلات بين التجار البريطانيين والعراقيين فقد ذكر بطاطو في كتابه العراق ان البريطانيون كانوا يحضون بمعامله خاصة ومتميزة في السوق العراقية فبموجب معاهدة الأمتيازات الانكلو عثمانية عام 1675م فقد أعفي التجار البريطانيون من الضرائب فأما البضائع التي يقومون باستيرادها وتصديرها فلا تخضع إلا لرسم مقداره 3% بينما كان العراقيون يدفعون 7.5% ولربما تصل الى 8.5% في بغداد , وكان التجار الذين يتمتعون بحماية البريطانيين متحررين من الضرائب والفرائض التي يفرضها الباشوات , وهذا يدلل على وجود علاقات خاصة بين العراقيين وبريطانيا , ومن جانب آخر كان البريطانيون يولون للعراق أهمية خاصة ولعل هذه السياسة كانت ذات مغزى بعيد إتضح فيما بعد فقد صرح اللورد كيرزن في العام 1892م بأهيمة بغداد التجارية فقال يجب أن تدخل بغداد ضمن السيطرة البريطانية,وذلك بعد التقرير الذي رفعة نائب القنصل البريطاني في البصرة الذي يحمل الرقم 921 للعام 1891م حيث قال إن تجارة ميناء البصرة تقع كلياً في أيدي أربع شركات بريطانية وقد أسهب لورد بريطاني في خطابه الذي ألقاه في مجلس اللوردات عام 1911م فقال (من الخطأ أن نفترض ان مصلحتنا السياسية تنحصر في الخليج كما انها ليست منحصرة بين بغداد والبصرة بل تتعداها وتمتد الى بغداد نفسها) , وفي العام 1909م كانوا التجار البريطانيون يجوبون بغداد.

وقد كتب نائب عراقي في البرلمان التركي في جريدة طنين التركية وهو يتحدث عن حجم النفوذ البريطاني في العراق عام 1910م يقول (أنى جلت بنظرك في البصرة يصدمك فوراً ألف شئ يرتبط بأنكلترا) ولعلنا نجد أثار ذلك في لهجة العراقيين ولربما شاهدت الكثير من الأميين في البصرة يتحدثون الانكليزية وذلك من آثار تلك الحقبة. وقد حملت الغرفة التجارية الأولى في بغداد أسماء 12 تاجراً بريطانيا كانوا أعضاء في تلك الغرفة تأسست في العام 1926م . ناهيك عن بعض العلاقات التي كانت بين بعض القادة العراقيين والحكومة البريطانية قبل الاحتلال البريطاني للعراق كالعلاقة التي ربطت السيد طالب النقيب عام 1913م مع بريطانيا.

يستدل مما سبق بأن العلاقات العراقية البريطانية غير الرسمية كانت وثيقة وممتده قبل الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914م , فلم يكن البريطانيون في العام المذكور قد دخلوا بلداً غريباً لا يعرفونه ولم يكن العراقيون يتعرفون على البريطانيين لأول مرة بل شفع التاريخ السالف للطرفين بالتعرف على بعضهم البعض عن كثب ولكن هذه المرة إتخذ شكل العلاقة الرسمية التي ستنظم فيما بعد بمعاهدة لترسم شكل العلاقة الرسمية بين البلدين وهي معاهدة 1922م, التي رفضها كل الوطنيون لأنها تحمل صفات الانتداب ولم تكن إلا معاهدة بين طرف غازي وطرف محتل , ومن الطريف ذكره أن اللغة الرسمية في الدوائر الحكومية العراقية منذ العام 1917م – 1920 م هي اللغة الانكليزية واستبدلت بعد تشكيل أول وزارة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب .


*
كاتب وإعلامي



 

 

free web counter