عادل كنيهر حافظ
الأربعاء 6/5/ 2009
بمناسبة مرور سته وعشرين عاماً وقرن على وفاة
كارل ماركس ( 1818-1883)عادل كنيهر حافظ
في الخامس من ايار عام 1818 ولد الرجل الذي ندر نظيره في حقل المعرفه وروافدها من الاقتصاد والفلسفه وسايسلوجيا المجتمع .... حيث كتب التاريخ عن الخمسة والستين عاماً التي تكون عمر الفيلسوف نادر المثال بالرغم من انه عاش عيشة غير ميسورة الا انه كان دائم الحركة ولا ينام اكثر من اربع ساعات في اليوم كما ينقل عنه احد المخبرين السريين الذي كلفته الحكومة ان يقترب من تفاصيل حياة ماركس الخاصه حيث يضيف ان بيت ماركس المتواضع تملأه الفوضى واثاثه لا تثير شيئاً من الحسد لكن الرجل متوسط القامة قوي البنية داكن السمرة كثيف اللحية يثير دهشة المرء بتفائله وعلاقته مع ابنائه وزوجته التي تنحدر من عائلة ثرية لكن حبها لذلك الرجل مخملي الحواشي جعلها تتكيف للعيش مع اجواءه الخاصة .وقد لفتت انتباهي رسالة كتبها رجل من الاسلاميين لاحد المواقع الاسلاميه يطلب فيها تعريفه على شخصية كارل ماركس الذي تحدثت عنه استاذتهم ببالغ الاعجاب ثم انه حاول اقتناء بعضاً من كتب ماركس لكنه وجدها نافذة في مكتبات المدينة التي يقطنها وشد انباهه اكثر انه وجد الكثرة من اصوات الناس تذهب لصالح ماركس في الاستفتاء الذي اجرته احدى وسائل الاعلام الغربية على موقعها في شبكة الانترنيت حول سؤال (من هو برأيك شخصية العصر ) .
ولكن لاغرابة في الامر لمن هو مهتم بتاريخ وعلوم المجتمع اذا رأى ان ماركس يحصد غالبية اصوات المستفتين باعتباره شخصية العصر . كيف لا وهو الرجل الذي يصفه احد اقرانه من اساتذة الجامعات الالمانية (دكتور ماركس هذا هو اسم معبودي, ما زال شاباً يافعاً بعمر لا يتجاوز24 عام وهو الذي سيوجه الركلة الاخيرة لسياسة ودين القرون الوسطى . انه يمزج بين جدية العمق الفلسفي والسخرية اللاذعه ,تخيل فولتير , هولباخ ,هاينه ,لسيبنغ ,وهيغل متحدين في شخص واحد . (1) وبالفعل حقق ماركس انجازات فاقت تقديرات ذلك الاستاذ عنه وعن عبقريته فقد حقق اكبر انجاز في ميدان المعرفه حين اجاب على السؤال الاكبر الذي حيّر عقول البشرية منذ نشوئها عن من هو اولياً الوعي ام المادة ؟ حيث اجاب (ان الطبيعه والمجتمع والعقل البشري ما هم الاّ نتاج لتطورالمادة وحركتها ولا غير) وان تطور المادة ناتج لفعل وحدة ثلاثة قوانين عامه , قانون التراكم الكمي والتغيير النوعي , وقانون وحدة وصراع الاضداد , وقانون نفي النفي , ثم تصدى ماركس للسؤال الذي اعيا كل دهاقنة الفكر الاجتماعي عن ماهية تاريخ التطور الاجتماعي مشيراً الى ان تاريخ البشرية كله عبارة عن تاريخ الصراع الطبقي وان هذا الصراع نشأ في اعقاب نهاية مرحلة المشاعية البدائية وتخلل مراحل العبودية والقنانة وصولاً الى مرحلة الرأسمالية وكان الصراع الطبقي يدور عادة بين طبقتين رئيسيتين في كل مرحلة من تلك المراحل سواء بين العبيد واسيادهم او بين الفلاحين الاقنان وملاكي الاراضي او بين الرأسماليين وشغيلة اليد والفكر في راهن زماننا .
وان الصراع الطبقي سببه الملكية الخاصة لوسائل الانتاج التي تتيح لاصحابها استغلال جهد الشغيلة وكل الأجراء المساهمين في عملية الانتاج وطبيعة الاستغلال هي التي تدفع المستغلين بفتح الغين الى حلبة الصراع الطبقي الذي يأخذ اشكال مختلفة منها عنفية واخرى سلمية ولكن الصراع الطبقي لا ينتهي الا بنهاية الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وليس الملكية الشخصية للافراد . وفي مجال الاقتصاد السياسي حقق ماركس ما عجز عن تحقيقه كبار المفكرين في هذا الميدان امثال ريكاردو وآدم سميث وغيرهم فقد بيّن ماركس ان ارباح المؤسسات والمصانع والمعامل هي ليست من بيع المنتوج بحد ذاته في الاسواق وانما من جهد العمال الزائد عن اجورهم في صناعة البضائع التي تتحول الى نقود عند بيعها للمستهلك وعملية جني الارباح من جهد الشغيلة كل يوم وكل شهر وكل سنة هي مصدر تراكم الثروة الاساسي والذي يتكرس بقانون موضوعي (قانون الربح العام) حيث لا يكترث هذا القانون بما تتجلى عنه من عواقب اجتماعية وخيمة نسبية ومطلقة في املاق الطبقات الاجتماعية الكادحة التي لا تملك غير قوة عملها التي تبيعها بأبخس الاثمان في سوق العمل .وبقدر دوران العملية الانتاجية تتراكم الارباح وتتسع وتتنوع دائرة الانتاج وتتطور معها وسائل الانتاج وقوى الانتاج لكن علاقات الانتاج الرأسمالية تظل ذاتها فيما يتعلق بملكية الانتاج ووسائل صناعته ومواده الاولية وكيفية توزيعه واستهلاكه وحصة كل طرف من اطراف العملية الانتاجية . ولا يمكن لعلاقات الانتاج ان تتطابق مع قوى الانتاج الا اذا تغيّر شكل الملكية لوسائل الانتاج وما ترتب عليها من انظمة وقوانين تكّون البناء الفوقي لتلك العلاقات الاقتصادية . ولم يترك ماركس افكاره خارج الممارسة فقد طوّر نادي العادلين ووضع له برنامج تمثل في البيان الشيوعي ثم كوّن الاممية الاولى وشارك مع الجماهير في المظاهرات والاعتصامات ونفي وطرد جراء مساهمته بتلك الفعاليات .وفي زمننا الراهن لا يمكن الاستفناء عن افكار الفيلسوف دائم الحضور حيث نرى ان مؤلفه الشهير رأس المال يطبع في المملكة العربية السعودية التي تعتبر من اكثر الدول المحافظة في العالم الاسلامي.
وبالمناسبة عن الفرق بين علماء الدين والشيوعيين كما يلخصه ماركس في الحكاية التي نشرتها صحيفة البرافدا بمناسبة عيد ميلاده السادس والتسعين تقول الحكاية ان صديق الصبا والشباب وابن جيران العمر لعائلة ماركس اصبح رجل دين وشاءت الايام ان التقاه ماركس وهو في طريقه الى القاء موعظة في احدى الكنائس وبعد سلام حار بعد فراق طويل قال القس لماركس انا سألقي موعظة في الكنيسة ولم يتبقى لي وقت ان شئت مرافقتي اكون مسروراً ويبدو ان ماركس اعجبه العرض خصوصاً وانه لم يستمع عن كثب كيف يحدّث رجال الدين مستمعيهم وفي طريقهم الى الكنيسه سأل ماركس صديقه عن من يملك القصر الكبير عالي البنيان قال له القس انه يعود الى مالك اراضي العزبة الذي يعمل فيها الاهالي الذي سوف اتحدث لكم اليوم وبعد دقائق وجد ماركس نفسه بين صفوف الناس الذين تجمعوا في الكنيسة وهم فاغري الافواه وثيابهم مهلهلة وعلى وجوههم سيماء العوز والفقر الامر الذي احزن ماركس كثيراً مع ذلك انصت بإهتمام لما قاله القس لاؤلائك المعذبون كون ان الله سبحانه عليم بأحوالهم وهو سياعدهم ويشد من ازرهم ويمنحهم العافية اذا اطاعوه وتجنبوا عمل الحرام ..... وبعد ان ختم القس خطبته قاد ماركس الى طريق العودة ثم سأله الا تعتقد يا كارل اني اشبهك في عمل الخير وكلانا يدل الناس الى الطريق السوي رد ماركس على نضيره هناك فرق كبير بيننا انك يا صاحبي تحدثت قرابة الساعة والنصف وانت تدعو الناس وتوجههم الى الله الذي خلقهم واعطاهم السمع والبصر و ...ولم تدلهم بكلمة واحده عن مسبب فاقتهم وفقرهم في القوت الذي يجدر بك ان تدلهم على صاحب القصر العالى الذي ينتصب مثل الاسد على مشارف اكواخهم المتهالكة وهذا هو الفرق الرئيسي والاساسي الذي بيننا نحن معشر الماديين وبينكم يا رجال الدين نحن نشير للجماهير عن من هم سبب ظلمهم وعذاباتهم وانتم تحيلهم الى الله ليساعدهم .
5 - ايار
(1) مقالة الاستاذ فوزي الحاج في موقع الافق الطبيعي .