| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل كنيهر حافظ
 

 

 

 

الجمعة 31/8/ 2012



الانتفاضات الشعبية في بعض بلدان العالم العربي ­
هل هي عفوية ؟

عادل كنيهر حافظ

يحلو للبعض من الذين كتبوا عن الانتفاضات في بعض البلدان العربية , أن يصفوها بالعفوية , ويشيرون إلى أنها قامت دون تخطيط من حزب سياسي أو جبهة قوى حزبية , وليس لها زعماء أو منضرين , وبالتالي يكون القول باطلا عن ضرورة الأحزاب والتنظيمات , والنظريات , وأن أطروحات الماركسية باتت غير دقيقة , ومتخلفة قياسا لما حدث في الربيع العربي ,حيث تعرب الانتفاضات ألشعبية عن نفسها , كونها نتاج طيب لجهد الشباب المتفتح , الذي نسق ألعمل المعارض , من خلال ألتواصل الالكتروني , حتى وصل الأمر إلى الاتفاق على الوقت والمكان , للتظاهر ضد النظام , وتجمع آلاف ألشباب والتف حولهم مئات آلاف ,انسياقا بدافع الخلاص من سلطة القمع , وصولا إلى نظام العدل والحرية , نعم هكذا يبدو الأمر من حيث الظاهر , ولكن هذا الظاهر يستبطن جوهرا كثير الغنى والتنوع من الدوافع لتلك الانتفاضات العارمة , حيث يتقدم جوهر الدوافع تطور الوعي الاجتماعي , الذي تراكم بفعل عوامل عديدة من بين أهمها جهد القوى والأحزاب الوطنية ,الذي سوف يأتي الحديث عنه مفصلا . ومن ثم تطور وسائل الاتصال الفائق السرعة , وارتباط الناس من خلال تلك الوسائل ,وتسارع تطور وسائط الأعلام وانتشارها , وخصوصا المرئية منها , حيث تنقل مئات القنوات الفضائية , ثقافة وكيفية معيشة شعوب أوروبا وأمريكا , ومقارنة أحوال الشعوب العربية ومعيشتها مع معيشة تلك الشعوب , وتسأل عن سبب الفقر المدقع الذي يرهقها ,مما يدفعها للبحث عن سبيل للخلاص من أوضاعها المزرية . كل هذا من جانب ومن الجانب الآخر تجاهل الطغم الحاكمة ,في الوطن العربي لما يحصل من تطورات حولها في العالم , وإصرارها على ذات الطريقة من الحكم , والمستندة على إرغام شعوبها بالقوة ,على السكوت على أوضاعها المتردية باضطراد . وبتأييد ودعم من الحكومات الغربية , وخصوصا الإدارة الأمريكية ,إلا أن قوى الغرب الداعم لتلك الأنظمة الغاشمة , رأت أن الاستمرار في ظلم الشعوب العربية واضطهادها , قد وصل إلى مشارف الانهيار الاجتماعي وأن الجماهير خرجت إلى الشوارع احتجاجا على ظلم حكامها , عندها تخلت أمريكا وحلفائها الغربيين ,تحت ضغط الخوف على مصالحها , حيث أرادت أن يكون لها نصيب في مساعي التغيير , ولذا ساعدت ودعمت القوى الثائرة في تونس ومصر , وبشكل أكثر قوة في ليبيا . الأمر الذي ساعد في نجاح وانتصار الانتفاضات الشعبية في تلك البلدان وتغيير رؤوس ألحكم فيها . بيد أن الأهم لم يأتي بعد , والمقصود هنا بالأهم هو تغيير النظام . حيث لازالت الآلة العسكرية ذاتها , وكذالك نظام التعليم , وسريان ذات القوانين التي تدير الدولة وتنظم حيات الناس . الأمر الذي يتطلب برنامج عمل جديد , لإدارة الدولة والمجتمع , وتعيين آلية للحكم ,وقادة مفعمين بالوطنية , ورؤساء مؤسسات من التكنوقراط و.... عموم الحال الذي لا ينفي بل يستوجب وجود أحزاب ومنظمات مجتمع مدني , ونقابات وزعماء ومنضرين . وكل ذلك يقع في أساس عملية تطوير الانتفاضات ,إلى ثورات حقيقية ,لذلك يكون ألحديث عن عدم ضرورة ألتنظيم الحزبي , وضرورة ترك النظريات , هو أمر في غاية السذاجة ,لأنه يفترض تقاطع وتعارض , بين جهد القوى المنتفضة وجهد القوى والأحزاب السياسية وخصوصا اليسارية والماركسية منها . نعم لم تتمكن قوى اليسار والماركسيين ,من أن يتصدرون مشهد الانتفاضات الشعبية بحكم عوامل , أبرزها اضطهاد الحكومات لليسار الماركسي , وتركيزها على مكافحته بأبشع أشكال القمع والتهويش ألإعلامي . الحال الذي قلص جماهيره وأعاق من إمكانية تأثيره في الأحداث . بيد أن الأحزاب اليسارية كانت لها مساهماتها ,في حشد وتأييد وتشجيع الناس على الاستمرار والتواصل في الاحتجاج , ولا أحد يستطيع إنكار , مساهمة اليسار المصري في الانتفاضة سواء كان في صياغة الشعارات ألتي تطالب بالخبز والحرية , أو تلك التي تطالب برحيل الحكام , وكانت وجوه يسارية معروفة مثل النائب أبو العز الحريري وغيره ,ضمن الجماهير المحتجة في ميدان التحرير , أما في انتفاضة اليمن, , كان كثير من قياداتها أعضاء في الحزب الاشتراكي اليمني وكان من بينهم المتحدث الرسمي باسم الانتفاضة . وكانت مساهمة اليسار التونسي واضحة من خلال مساهمة منظمة المرأة ونقابات العمال , التي له اليد الأطول في قيادتهما , كما أن شباب ألفيسبوك الذين تصدروا مشهد الانتفاضة , فيهم الكثير من المنتمين إلى الأحزاب السياسية لاسيما الماركسية منها . و كل ذالك في إطار الحديث عن دور القوى والأحزاب الوطنية في مجريات الانتفاضة , بيد أن هناك دور للأحزاب الوطنية , لا يقل عن دورها في مجرى الانتفاضات الشعبية في بعض البلدان العربية , وهو تثقيف الناس وتهيئة أذهانهم وتوعيتهم بحقهم في الحرية والعيش الكريم , كما تجلى ذلك الدور ببناء أسس وركائز , وتوفير قناعات , وتربية أفواج البشر وتحفيزهم و دفعهم لميادين النضال ,ليأخذوا مصيرهم بأيديهم , وذلك الدور عبدته تلك القوى والأحزاب والماركسية منها خصوصا بالدماء ودفعت فاتورة عملها غالية , حيث غيبوا في السجون والمنافي وقضى الكثير منهم نحبه تحت أعواد الشانق , والرمي بالرصاص , وتسويد صفحتهم , ومحاربتهم في الرزق , والتعتيم الإعلامي على كل نشاطهم التعبوي ,السياسي والجماهيري , ورغم ذلك , راكمت تلك القوى والأحزاب ,رصيدِا هائلا من عناصر الثورة , وهذا الرصيد هو الذي كان من بين أمور أخرى في جوهر نجاح الانتفاضات الشعبية في بعض بلدان العالم العربي , لذلك لا يمكن وضعه في تعارض أو تقاطع مع رصيد الجهد البطولي لشباب الانتفاضات , وإنما تضمينه لجوهر دوافع تلك الأعاصير الشعبية , التي أطاحت برؤوس الحكام , وأفضت المجال للشعوب المقهورة , أن تقول كلمتها في مصيرها القادم . وبذلك يكون تقييم الانتفاضات الشعبية , بضوء القانون الديالكتيكي العام {التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي } , وبالتالي نتمكن من حساب جهد الشباب النضالي في الانتفاضة , على انه أحد عناصر وأسباب فعالة أضيفت إلى جبل الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , التي فاقمتها الأزمة العامة للرأسمالية , وما ألحقته من خسائر في الاقتصاد العربي , وما تناقله الأعلام من عواقب و فضائع لتلك الأزمة . عموم الحال الذي يفرض تجنب التفكير , في العزل والتمييز بين شكل الانتفاضات ومضمونها , وبين صيرورتها وجوهرها الذي يقع في أساسه بين أمور عديدة جهد القوى اليسارية التعبوي على الصعيد النظري والعملي في تبصير الشعوب بحقوقها , ودفعها لتحقيق مصيرها بنفسها , وهذا الجهد الفكري والعملي لقوى اليسار الماركسي , كان وما زال وسيضل ماثلا في المشهد العام لحياة الشعوب حتى يتحقق حلمها , في العدل والحرية والعيش الكريم ....
 

 

 

free web counter