| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل كنيهر حافظ
 

 

 

 

الثلاثاء 26/5/ 2009



الفساد الاداري والمالي في العراق
هو احد افرازات المحاصصه السياسيه

عادل كنيهر حافظ

الفساد الاداري والمالي كما يعرّفه البنك الدولي هو سوء استخدام السلطه العامه من اجل الحصول على مكسب خاص من خلال تقبل الموظف للرشوة او طلبها او ابتزازها من الافراد والشركات . وكلمة الفساد لغويا تعني نفي الصلاح وفي الدين معصية الله وفي السياسه العمل ضد الصالح العام اما في ادارة الدوله فهي تسيير المعاملات بما ينفع الموظف المسؤول و في المواد الغذائيه الفاسد من تجاوز تاريخ صلاحية تناوله وفي الطائفه المحسوبيه ...

وظاهرة الفساد هي ظاهرة قديمه جدا وقد عثر فريق الاثار الهولندي عام 1993 في موقع (دكا) في سوريا على الواح لكتابات مسماريه تبين موقعا اداريا بدرحة ارشيف دائرة الرقابه حاليا يكشف عن قضايا خاصه بالفساد الاداري وقبول الموظفين العاملين في البلاط الملكي الاشوري الرشوة قبل آلاف السنين .
وثمة لوح محفوظ عن الحضارة الهنديه قبل 300 عام من الميلاد كتبت عليه العبارة التاليه (يستحيل على المرء ان لا يتذوق عسلا او سمنا امتد اليه لسانه ,وعليه فأنه يستحيل ايضا على من يدير اموال الحكومه ألا يذوق من ثروة الملك ولو نزرا قليلا )(1)

وعمليات الفساد هي ظاهرة عالميه واسعة الانتشار وعميقة الجذور تشترك فيها عوامل عديدة من غير اليسير تمييزها ومعرفة درجة شموليتها في المجتمع ولا يكاد بلد ما في عالم اليوم خال من ظاهرة الفساد المالي والاداري. وهذه الظاهره تمارس على مستويات اقلها هو ما يسمى بالفساد غير المنظم او غير الموّجه وهذا المستوى من الفساد يمارسه افراد من الموظفين الصغار وفي مرحل زمنيه خاصه من تطور البلدان وبدوافع عديدة من بينها عسر الحال .

ثم هناك الفساد المنظم والمخطط له والذي يرعاه ويحمي من يمارسونه المسؤول العام عن المؤسسه او الوزارة ومدراء الاقسام حيث يكون الجميع شبكه يتقاسمون مغانم الفساد كل حسب موقعه . وكذلك المستوى الاعلى من الفساد وهو ذلك الذي تمارسه قمة السلطه ويسمى الفساد الشامل حيث يتجلى بصيغة النهب الواسع للمال العام عن طريق الصفقات الوهميه وتحويل الممتلكات العامه الى مصالح خاصه وبمبالغ طائله .

وعموم تلك المستويات في ممارسة الفساد نجدها في المجالات السياسيه كمثل استخدام المال العام لحملات الانتخابات الخاصه بالمرشحين من مسؤولي الدوله او في مجالات ادارة الدوله على شكل تعاملات غير قانونيه او قانونيه متفق سلفا على فائدة معينه للمسؤول واعوانه خارج العقد القانوني ... !

وتتميز ظاهرة الفساد بانها :

1- ظاهرة مرافقه للفوضى وغياب القانون وهي تنتعش وتتوسع في حال غياب او ضعف تطبيق القانون وتتقلص وتنكمش في حال تفعيل القانون وادوات الرقابه العامه .

2 - ترتبط بالوعي الاجتماعي وتتناسب مع درجة ذلك الوعي في هذا المجتمع او ذاك .

3- تعد ظاهرة دوليه نجدها تشمل كل بلدان العالم وبدرجات مختلفه .

وشمولية ظاهرة الفساد وخطورتها على المجتمع الدولي هو الذي حدا برئيس البنك الدولي السابق (بيتر ايجن) الى اطلاق مبادرته بتشكيل منظمة الشفافيه العالميه في عام 1993 وقتما شعر الجميع بخطورة تفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي وضرورة المساعدة على التحري عن حالات الفساد في 161 بلدا بالرغم من معرفة الصعوبه بكشف كل حالات الفساد في بعض البلدان لانه يمارس على درجات عاليه في السريه بحيث يعقد التحقيق والبحث بشأنه ويستخدم التكنلوجيا واحيانا يكون مغطى بقانون.. ومع ذلك تقدم الهيئات الفرعيه في البلدان تقاريرها عن حالات الفساد في كل بلد ثم يصار الى صياغة تقرير عام يشخص درجة الفساد في كل البلدان . وعلى سبيل المثال في عام 2008 كانت دول السويد والدنمارك والنرويج هي اقل دول العالم فسادا حيث بلغت النسبه 1,01 اما اعلى نسبة فساد في العالم فقد كانت الصومال بنسبة 8,4 وقبلها العراق اما السعوديه التي تطبق الشريعه الاسلاميه في الحكم والمصدرة الاولى للنفط في العالم والتي تعتبر من اكثر الدول استقراراً في المنطقه فقد جاءت في المرتبه 78 وقدرت الاموال التي اكلها الفساد الاداري والمالي في المملكه بحالي 3 ترليون ريال (2) اما في الاردن فقد سجلت 654 حالة فساد نظرت الهيئات المختصه في 538 حاله وتمت احالة 55 منها الى المدعي العام ولا احد يعلم كم مليون دينار اردني من اموال الشعب التعبان قد ابتلعها حوت الفساد .(3) وفي مصر فقد الف الاستاذ عبدالخالق فاروق (جذور الفساد الاداري في مصر) عام 1984 وهو كتاب كامل حول قضايا الفساد وما تركته من عواقب اجتماعيه سيئه على لقمة عيش المواطن المصري الذي يسمع من الاعلام ان رئيس الجمهوريه قد زاد راتبه 300 بالمئه في وقت لا تزيد فيه رواتب العمال والموظفين غير 22 بالمئه خلال 29 عام !! (4) . وتطل ظاهرة الفساد الاداري والمالي بكل هيئتها المرعبه في العراق وبكل مجالات السياسه والاقتصاد وادارة الدوله والمجتمع. والمحزن في الامر ان رد فعل المواطن العراقي يكاد لا يذكر ازاء آفة الفساد التي تنخر جسم المجتمع والدوله . بيد ان الجميع يدّعي الورع والتقوى والنزاهه ويخاف الله ولا تفوته صلاة الجماعه ويسيرعلى قدميه مئات الكيلومترات لزيارة الامام الحسين ليحسب له الله في كل خطوه الف حسنه وترى الامر عجيبا عندما يعلن السيد عيسى فرج رئيس هيئة النزاهه السابق في برنامج فضاء الحريه ليوم 16-5 ( ان حالات الفساد المسجله لدى هيئة النزاهه هي اكثر من سبعة الاف حاله جرى تقديم 3200 منها الى القضاء وجرى البت بحوالي 70 قضيه ولكن احدا لا يعلم من هم الاشخاص الذي جرى تجريمهم وما هي عقوباتهم وهل تتناسب مع حجم جرائمهم لاسيما وان الفساد ضرب اطنابه في كل مناحي الحياة وقد التهم اكثر من 120 مليار دولار خلال سنوات ما بين 2003-2008 حيث كانت الاموال المخصصه لهذه السنوات هي 250 مليار دولار جرى الاعلان عن استخدام 121 مليار دولار والمتبقي من هذا المبلغ لا يعلم به الا الله والعرابين من رجالات المافيا الجدد الذين انجبتهم وطوّرتهم حالة الفوضى في العراق بعد سقوط نظام البعث وغياب القانون وصراع القوى المشتركه في العمليه السياسيه على تحقيق اكبر قدر من النفوذ ومصدر القرار حيث ان معظم المسؤولين الكبار في السلطه العراقيه الجديدة يتحكم بهم عامل القلق من المستقبل والخوف من المجهول في الدورات الانتخابات القادمه فتراهم يحتاطون بأساليب غير شرعيه ومشرعنه ويعتقدون ان تكديس الثروة من الفساد سوف يمكنهم من البقاء من خلال شراء الذمم والاصوات .

ايضا لا يمكن اهمال مساهمة الشركات الامريكيه وخصوصا المملوكه لنائب الرئيس الامريكي ديك تشيني في عملية الفساد مما شجع بعض العراقيين على الانغماس اكثر تحت حجة الاجنبي يسرق بلادي وانا الاولى بها خصوصا وان نظام صدام قد عبث كثيرا في الروح الوطنيه عندما كان يبني القصور والشعب يتضور جوعا ..

وفي سياق ذلك الفساد ظهرت الان الى العلن تلك المافيات الهجينه والبعيدة عن الطبقه السياسيه البيروقراطيه ويتباهى رجالاتها بأمتلاك القصور الفخمه في مناطق بغداد الراقيه ويركبون السيارات الفارهه بعد ذلك الكفاف الذي كانوا يعيشونه وتعتبر تلك الجماعات ان الدوله بحاجتهم كمستثمرين محليين ينافسون الاستثمار الاجنبي لا بل لهم الافضليه كونهم من ابناء البلد بعد ان استقرت الاوضاع الامنيه ولا احد يعلم ربما يصل الكثير من رجالات ذلك الرعيل الهجين الى قبة البرلمان ويمثلون ابناء الشعب الذين سرقوا قوتهم وقوت اطفالهم يوما وفي غفله من الزمن .

اما الاثار السلبيه التي يتركها الفساد الاداري والمالي على المجتمع فهي كثيرة الى الحدود التي تجعل من افراد الشعب يفقدون الثقه بأهمية العمل الوظيفي الطبيعي طالما ان الممارسات الفاسدة تعود بربح كثير جدا عن ما يأخذه من الوظيفة وتهتز الثقه بالقانون لان الفاسدين هم من يملك امكانية تعطيل فعل القانون وقتل القرارات التي تمنع ممارسة الفساد في مهدها , حتى تصبح التجاوزات على القانون هي السائدة واحترامه هو استثناء , مما يقود الى قتل المبادرة وربما يُغتال صاحبها ثم تنتشر عدم المبالاة والاهمال في العمل وعدم الحرص على المصلحه الوطنيه وتنامي روح العداء للنظام مما يقود الى الاغتراب عن بيئة العمل وعدم احترام الوقت والتراخي والاهمال وعدم اطاعة الرؤساء والغش في انجاز المعاملات حتى تتحول هذه الممارسات الضارة الى امور عاديه وطبيعيه ولا تثير رد فعل المواطن ازاءها ثم ينتهي المواطن الى ان يفقد روحه الوطنيه بعد ان يملأه الشعور بان مواطنته منتهكه الحال الذي يؤهله عمليا وبسهوله ان يقبل عروض استخدامه ضد بلاده من قبل الجهات الاجنبيه بل لا يهمه بشئ دخول قوات غازيه لوطنه وهذه اخطر العواقب الاجتماعيه وأمرّها على الاطلاق اذا لم يتوقف نزيف الفساد الاداري والمالي من جسم الشعب لذلك يعتبر الوقوف بوجه الفساد في بلدنا العراق موقفا وطنيا لا يقل وطنية عن الوقوف في وجه الارهاب , لاسيما وان مجتمعنا العراقي قد ابتلى بآفة الفساد من ايام حكم البعث يوم كانوا يأتون بالمجانين من المستشفى ويعدمونهم عوضا عن مجرمين محكومين بعقوبة الموت , مقابل مبالغ كبيرة من المال تقدم لمدير السجن واسياده . ثم جاء الاحتلال وشركاته ليزيد الفساد فسادا حتى وصل العراق الان الى الدرجه ما قبل الاخيره في سلم ترتيب الفساد الاداري والمالي في العالم , وسبب ذلك كله يرجع الى عدم وجود آليه فعاله لادارة مؤسسات الدوله والمجتمع على الرغم من وجود حكومه منتخبه منذ ثلاثة سنوات غير ان آلية الحكم في العراق والمتمثله بآلية التوافقات السياسيه والتي هي تعبير مهذب عن المحاصصه السياسيه هي آليه تعتمد في اجراءاتها التوافق بين الكتل والاحزاب الحاكمه والفساد موزع على معظم مسؤوليها ووزرائها ومن هنا يأتي التستر على الفساد وتتحول آلية الحكم الى غطاء للفساد الذي يتحول الى روماتيزم يضرب كل مغاصل عمل الدوله العراقيه ويشل امكانية قيام مؤسساتها بعملها الطبيعي ابتداءً من مجلس الوزراء ومجلس النواب الى ادنى مؤسسه مسؤولة في الدوله بحيث لا يتمكن رئيس الوزراء الاستغناء عن وزير قد لبسته تهمة الفساد من رأسه حتى اخمص قدميه لان حزب ذلك الوزير الفاسد وكتلته التي ينتمي اليها ستدافع عنه وتهدد بانسحابها من البرلمان وتعطيل جلساته وتمارس الارهاب الفكري على رئيس الوزراء بكشف المتورطين بالفساد من وزراء ومسؤولي حزبه ان اصرّ على الاستغناء عن وزيرهم الفاسد وهنا تتوقف الاجراءات وتغلق الملفات على منبع الفساد كذلك الامر بالنسبه الى البرلمان فأنه لا يستطيع اقرار مشاريع بدون المصادقه عليها بالتوافق بمعنى ان القانون او التشريع المعين لا يمكن المصادقه عليه الا عندما يُطمئن مصالح كل الاحزاب والكتل السياسيه بصرف النظر عن المصلحه العامه للشعب والوطن .

لذلك ظلت مشاريع قوانين تهم البلد مثل قانون النفط والغاز وقانون التقاعد وحل قضية كركوك وغيرها من القوانين المعطله لعدم وجود توافق سياسي حولها لحد الان وعليه يمكن القول دون ادنى ريب اذا لم تتبدل ألية تسيير الدوله الحاليه في الدورة البرلمانيه القادمه ، ويصار الى اعتماد حكم الاكثريه وبقاء الاقليه في المعارضه الايجابيه ، والغاء مجلس الرئاسه ، او انتخاب الحكومه من اعضاء البرلمان وبالتصويت السري والمباشر وعلى اساس الكفاءة والاستقامه والنزاهه والاختصاص ، او اعتماد انتخاب رئيس للدوله من قبل الشعب ويكلف تشكيل الحكومه من قبل البرلمان حيث يتمكن البرلمان دستوريا من سحب الثقه عن الحكومه او اي وزير فيها يثبت تقصيره في العمل او تورطه بفضيحه او فساد اداري او مالي ، وخلاف ذلك سيبقى العراق يراوح في مكانه وستظل ازماته دون حل وسيبقى شعبه معذب وابنائه تلوح في وحوههم سيماء الذل والهضيمة ، واخيرا لابد من التأكيد على ان تبديل آلية عمل الحكومه يجب ان يقترن بحمله واسعه على الفساد بكل اشكاله لتسريع عملية تحجيمه والقضاء على تأثيره على المجتمع العراقي وضمن اتباع خطوات فعاله وملموسه من اهمها :

* تفعيل انظمة المساءلة والشفافيه داخل مؤسسات السلطه وتأهيل وتفعيل هيئة النزاهه واستكمال جميع المقومات التي تساعدها على مكافحة الفساد وتدعيم استقلاليتها الماليه والاداريه والايعاز لكل مؤسسات الدوله بتسهيل مهمة ممثليها وتقديم ما يمكن من العون .

* اشاعة روح الحماس والهمه في منظمات المجتمع المدني وتمكينها من ان تلعب دورها في الرقابه وبالتعاون الايجابي بينها وبين مؤسسات الدوله المختلفه ،

* اعتماد معايير النزاهه والاخلاص بالاضافة الى الاختصاص في عملية اسناد الوظائف وخصوصا العليا منها في الدوله وتسجيل ممتلكاتهم قبل التعيين والاستناد على تقارير هيئة النزاهه في هكذا امر .

* التعامل الطيب مع المواطنين خلال تعقيب معاملاتهم في دوائر الدوله ورفع شعار الموظف في خدمة المراجع وليس له الحق ان يتعامل بشكل بيروقراطي مع المواطنين والنظر للمسؤول والمواطن العادي بعين واحده .

* تفعيل الجوانب الروحيه والدينيه وتوجيهها صوب رفض الفساد باعتباره من الحرمات الكبيرة وجعل الجوامع والحسينيات منابر لمحاربة الفساد والحث والتشجيع على الاستقامه والنزاهه ومخافة الله في عمل السوء .

* ان تعتمد الحكومه اسلوب نشر برامجها ودعوة الهيئات المختصه لمناقشة تلك البرامج واغنائها وتجنيبها اللبس والاخطاء وكذلك اتباع مبدأ نشر النتائج وما حققته في تنفيذ تلك البرامج على الشعب لمعرفتها وتقييمها .

* توسيع المعارف لطلاب المدارس وتخصيص درس في التربيه الاجتماعيه للتثقيف بضرورة محاربة الفساد والمفسدين وكل ما من شأنه ان يضر بمصلحة الشعب والوطن .

* عرض المفسدين الكبار وخصوصا حالات الفساد الفاقع على اجهزة الاعلام لكي يتعظ ويتعلم ويكتسب مناعه من مرض الفساد .

* والحمله الكبيرة على الفساد تقضي ان يتحمل الاعلام الدور الاوسع وعلى مجالاته المرئيه والمسموعه والمقروءة من تكثيف الندوات وحلقات النقاش حتى الاعلانات القصيره وانتهاءً بصور الكاريكتير .

وهكذا تتعاون الحكومه والشعب في رد الاذى عن البلاد من وباء الفساد الاداري والمالي الذي ابتلى به المجتمع العراقي شر بلاء .

23- نيسان


(1) الاستاذ علي احمد فارس مقالته حل الازمات الفساد الاداري نموذجا
(2) موقع اللجنة العربيه لحقوق الانسان
(3) محاضرة الدكتور عبد الشخاينه حول الفساد في الاردن في الندوه التي نضمها ملتقى اصدقاء مدرسة السلطه .
(4) جذور الفساد الاداري في مصر كتاب لمؤلفه الاستاذ عبد الخالق فاروق.

 


 

free web counter