| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد جعفر

 

 

 

الأربعاء 12/9/ 2012



الخطيب: يستحضر روح الشاعر
الذي صفع الذوق السائد في المانيا

عبد جعفر - لندن

نظمت لجنة تنسيق التيار الديمقراطي في المملكة المتحدة يوم 9-9 أمسية في بناية المقهى الثقافي وسط لندن، للكاتب ماجد الخطيب بعنوان ( هاينريش هاينه: روح الشعر الألماني ) وذلك بمناسبة صدور كتابه الذي يحمل العنوان نفسه. وقد صدر من المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ويقع في ثمانية فصول، تليها مسرحية المنصور الشعرية لهاينه بالاضافة الى 15 قصيدة له.

والشاعر ولد يوم 13 ديسمبر 1797 لعائلة تاجر اقمشة من مدينة دسلورف في غرب المانيا. ودرس القانون  وارتبط بصداقة مع الفليسوف الكبير هيغل، وكارل ماركس، والموسيقار فاغنر وغيرهم . بدأ باصدار كتبه عام 1826 ولاحقا صدرت له ، (صورة رحلة) و (كتاب الاغاني) و (العودة الى الوطن) و (رحلة الهارتس) و (بحر الشمال) وغيرها

عاني الكثير من اضطهاد الحكومة البروسية له،  ومنعت اعماله، بقرار من الفاتيكان، وبعد رحلة عذاب توفي يوم 17فبراير 1857 ودفن في مقبرة مونماتر الباريسية. ويعتقد انه مات مسموما على ايجدي جواسيس الدولة البروسية.

اما المحاضر فقد عمل في نهاية سبعينيات القرن الماضي مع الصحافة الفلسطينية، ومن بعد مع (ميديا بروب)، ثم مراسلا لصحيفة الحياة اللندنية في بداية تسعينيات القرن الماضي، والآن مع صحيفة الشرق الأوسط. وله ست مسرحيات، وترجم 10 اعمال عن الانكليزية والألمانية والمجرية الى العربية.  

وفي تقديمه قدم الكاتب فيصل عبدالله، تعازي التيار الديمقراطي برحيل الفنان المبدع قاسم مطرود، والناشطة الاجتماعية السيدة نضال كمال الدين (أم عشتار) اللذين وافاهما الأجل في لندن مؤخرا.

واشار الى ان موضوع أمسيتنا سيكون بمعنى من المعاني عن الموت في المنفى ، ويسرنا ان يكون معنا هذه الليلة الكاتب والاعلامي ماجد الخطيب، حيث سيتوقف عند الشاعر الالماني هاينه والذي يعتبر الثاني في الأهمية بعد الشاعر الكبير غوته. اختار المحاضر ترجمة حياة واشتغالات هذا الشاعر على قصيدته لسد فراغ كبير في المكتبة العربية. ذلك لأن هاينه شاعر اشكالي بكل ما تعنيه الكلمة، فقد ولد يهوديا ومن ثم تحول الى المسيحية، فضلا عن عيشه في باريس التي مات ودفن فيها كشاعر منفي. ولهذا اختلف النقاد ليس هلى دينه فقط، بل على قيمته ضمن ما عرف بالفترة الرومانسية تلك التي وصلت رياحها الى المانيا.

ان نقطة التحول الكبيرة في اعادة الاعتبار الى هذا الشاعر جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، وعبر اهتمام المانيا الديمقراطية (الشرقية) فيه ، ما حدا بعدوتها اللدود الغربية الى اعادة النظر في ارثه الشعري والاعتراف باسمه وطريقة موته. واليوم دخلت اسرائيل على الخط التنازع على ارثه باعتباره شاعر يهودي!

واضاف لم يكن هاينه بالشاعر الرومانسي بل كان شاعر وظف السخرية بكل تجلياتها التهكمية لمقاربة واقع المانيا في القرن التاسع عشر. ذلك هو القائل (حيثما تحرق الكتب يحرق الانسان) أو الأكثر تعبيرا (حثيما وجد الايمان للبيع وجدت رجال الدين في المقدمة).

وفي محاضرته اكد الخطيب نحن امام شاعر انساني غنائي ، فقد لحنت قصائده 6638 مرةمن قبل ملحنين كبار امثال فاغنر وجايكوفسكي وليست وبورودين و فايسهايمر وشوبيرت وشومان وغيرهم. وتميز بقصائده الساخرة اللاذعة ، واستحق بذلك عداء مستشار المانيا وامبراطور النمسا وقيصر روسيا.

وهو شاعر انتقادي وظف أدبه وشعره للسخرية من الطغيان والتعصب الديني والتخلف الاجتماعي. وانتقد حتى الرومانسية التي كان ينتمي اليها. لايمانه بالحداثة التي عبر عنا جورج لوكاتش على انها وعي الجديد.

ويتفق الجميع على تصنيفه بعد غوته اي قبل شيللر، ويختلفون في كل شيء، لسبب انه شاعر اشكالي في ولادته وحياته وديانته وفكره ووفاته.

واذا كانت سخرية هاينه عقيدة الحديث في أدب المرحلة الانتقالية، والمرحلة اللاحقة، وسبب نقمة الدولة البروسية عليه، فأن تأسيس القصيدة الحديثة على  حكم التناقضات الجارية في هذا العالم، كان مولدة الأدب الألماني الحديث في تلك الفترة. ويعبر لوكاتش عن قناعته بأن الشكل الخاص الذي ابتكره هاينه ليحرك فيه هذه التناقضات، كان سر نجاحه وتحوله في اربعينيات القرن التاسع عشر الى اكثر الشعراء الأوروبيين شعبية.

ان كشف الغطاء عن التناقض ليس قضية فكرية، كما يقول هيغل، لكن تصوير الأجواء التي تتحرك فيها هذه التناقضات، هي القضية في واقع الأمر.

المهم في هذا الشكل النقدي الجديد هو ان التناقضات تبدو فيه كتناقضات تناحرية وليست منسجمة او متناغمة، كما يرهاها (الاعتذاريون). حطم هاينه شعريا كل ما كان يبدو في انسجام زائف، وكتب شعرا يبحث عن الجمالية في حركة التناقضات، ويسعى الى الحديث من خلال التعبير عن هذا التناقض بلغة الأم والحزن والمشاكسة التي تنبثق بالضرورة خلال المرحلة الاتنقالية)  وتحطم الاوهام السائدة والانسجام الظاهري الزائف.

وصور الكاتب الروائي المعروف فريدريش هيبل، الذي عاصر هاينه، عالم التناقضات في شعر هاينه : (خلق هاينه شكلا يحول اكثر النبرات يأسا، في تعبيرها عن هذا العالم المشحون بالتناقض، الى همسات موسيقية مؤثرة. وتذكرنا مجموعة اغانيه بخوار ثور فالاس النحاسي الذي يجري شيهم احياء في جوفه، منسجمة مع صيحات البهجة التي يطلقها الملك. هنا يستوي المعذب والمعذب في شخص واحد. هناك قول مأثور لبسمارك موحد المانيا: كلما عرف الالمان أقل عن صنع محتويات النقانق كلما ناموا أفضل. وهاينه يفعل عكس ذلك).

واشار الخطيب الى  ان هاينه حينما سمع بأن الحكومة الالمانية منعت اعماله ضمن اعمال اليهود ، قال (حينما يمنع الرقيب اعمال شاعر مجدد مثلي، فأنه مثل الجزار يعرف كيف يعمل بسكينه داخل جوف الضحية). هذا يعني انه كان واعيا لجديده، وهو ما يؤكد حداثته لنا، ثم انه كان واعيا لسلاح السخرية الذي يستخدمه.

ولهذا كان شعره في المانيا صفعة للذوق السائد سبق صفعة المستقبليين الروس بثمانين عاما.

ومعروف ان المجتمع الألماني كان كاثوليكيا محافظا انذاك ولم يتقبل سخرية هاينه ووصفوه بالافكار المستوردة والشرقي.

انتقد هاينه الرومانسية الرجعية في أربعينيات القرن التاسع عشر وكتب ان تأليههم للتاريخ الالماني هو تأليه لتاريخ بائس وعبودي، وان اطراءهم للعصور الوسطى والكنسية الكاثوليكية، لا يعني سوى البحث عن الأدب البديل في أروقة الفاتيكان.

ويقول  انجلز (يرفع هاينه حماس المواطن عن قصد كي يعيده بعد ذلك الى حضيض الواقع مجددا).

وفي قضية السخرية من معاصريه، رأى هاينه ان الشعراء بحاجة الى نهيق (حمار بلعام) كي يستيقظوا من سباتهم الطويل.

وحكاية بلعام تكشف ان حمارا يمكن ان يكون اذكى ممن يعول عليه في كسب الناس الى الايمان.

 وقرأ الخطيب عددا من قصائد هاينه ومنها قصيدة (حمير الانتخابات) وهذا مقطع منها:

سئم الجميع الحرية في الختام،

وتمنت جمهورية الحيوانات،

لو ان حاكما فردا،

يحكم شؤونها باطلاق.

 

تجمع الحيوان من كل زوجين اثنين،

ملئت قصاصات التصويت،

تفشى ادمان الحزبية،

وحكيت الدسائس في كل مكان.

 

كانت لجنة الحمير

موكلو الى شيخ طويل الأذنين،

رؤوس أغضانها مزدانة

 بألوان الأسود - الأحمر - والأصفر.

 

وكان هناك حزب صغير للخيول،

لكنه لم يجرؤ على الصهيل،

خشية النهيق،

طويل الأذنين القبيح.

 

وحينما جرؤ أحدهم يوما،

صاهلا بترشيح جواد أصيل،

قاطعه طويل الأذنين زاعقا:

اسكت أيها الخائن!!

واثارت هذه الندوة التي حضرها الكثير، العديد من الاسئلة والنقاشات الحيوية ومنها علاقته بالاسلام من خلال مسرحية (المنصور)  وعن صداقته بكارل ماركس الشاعر انذاك وتاثيره عليه لاحقا،  والعلاقة بين الروح التي يكتب فيها في ذلك الزمن وحياتنا السياسية العراقية الحالية .

وبعد ذلك جراء الاحتفال بتوقيع الكتاب وهو من القطع المتوسط في 407 صفحة ومهدى الى شاعر (جنة البستان) الراحل مهدي محمد علي.

 

 




 

 

free web counter