| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي جبار الصالحي

 

 

 

الأثنين 26/10/ 2009

 

قطار الموت من ابشع طرق التعذيب البعثية

علي جبار الصالحي

عرف التاريخ و على وجه الخصوص التاريخ الخاص بالحكومات العربية المتعاقبة السجون و المعتقلات والتعذيب و لكن لم يشهد التاريخ ابشع و افضع من قطار الموت هذا الاسم الذي يهز الضمير البشري لمجرد سماعه , عرف العراقيون هذا المصطلح بعد انقلاب 8شباط الاسود عام 1963 م , و يعد قطار الموت من ابرز طرق التعذيب الجماعية التي ابتكرتها السلطاة الحاكمة انذاك.

ومع الاسف اننا لم نرى اي من كتابنا او مفكرين قد تطرق الى هذا الامر و خاصة بعد زوال نظام الطاغية لكي تكشف تفاصيلها لابناء شعبنا ليعرفوا من كان هؤلاء الابطال المحجوزين فيه و ما عانوه , و لذلك نود اليوم ان نتحدث و لو للمحة بسيطة عن ذلك القطار و كيف بدأت رحلته و كيف انتهت و ما حصل للمعتقلين داخله  .

بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 زج برموز نظام الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم و كبار ضباط الجيش و لفيف من الادباء و المفكرين في سجون السلطة التي اشتهرت بقسوة سجانيها و شدة بطشهم , و من اشهر تلك السجون سجن رقم (1) في معسكر الرشيد و سجن بعقوبة و سجن نقرة السلمان في السماوة , هذه السجون التي اوت مجموعات كبيرة من الرموز الوطنية الذين تلقوا فيها ابشع و اقسى انواع التعذيب على ايدي دعاة القومية العربية والذي كان من ابرزهم الرئيس الاول (الرائد) حازم الاحمر مسؤول سجن رقم (1) الذي عرف بشدة قسوته وباستخدامه كافة انواع التعذيب لنزلاء السجن انذاك .

لاقى نزلاء سجن رقم (1) بعد حركة معسكر الرشيد التي اقترنت باسم نائب العريف حسن سريع اشد و ابشع ما لاقوه حيث صدر في صبيحة 3 تموز 1963  مرسوم جمهوري يقضي بترحيل النخبة الوطنية المعتقلة في سجن رقم (1) الى سجن نقرة السلمان , و فعلاً جمع المشمولين بالمرسوم و هم لا يعلمون الى اين ذاهبون , لا يعلمون ان اسمائهم قد حددت وفق مرسوم جمهوري المراد منه قتلهم جمعياً . و لكن اتفاق قادة النظام على نقلهم بواسطة قطار الموت الجماعي المبتكر و ان لم يموتوا فسيعدمون في سجن نقرة السلمان على يد (العميد عبدالغني الراوي) الذي كان من المفترض ان يعدم (500) من سجناء رقم (1) و الذي خفض فيما بعد الى (300) و من ثم الى (150) و نهاية ب(30) و لقلة العدد رفض الجلاد عبدالغني الراوي ان يذهب الى السماوة و ينفذ الامر .

* كيف كان القطار ؟؟
قطار الموت عبارة عن عربات (فاركونات) مخصصة لنقل البضائع و المواشي , شبيهه بعلبه حديدية صماء محكمة الاغلاق بلا نوافذ و لا مقاعد حيث كان المنفذ الوحيد للهواء الخارجي داخل العربات هو الشقوق الضيقة جداً الموجودة احياناً بين ابواب الفاركونات و اطاراتها علماً ان هذه العربات غير مبطنة من الداخل بمواد عازلة او واقية من تسرب الحرارة او البرودة , اما بالنسبة الى الارضية و بعض الجدران من الداخل كانت مطليه بمادة القير الذي هو اسوء من الحديد العادي , و كانت هذه العربات مقفلة معتمة توحي بانها فعلاً لنقل البضائع و الماشية و ان بعض العربات كانت اشبه باسطبل او (طوله حيوانات متنقله) اما بالنسبة للحرارة و البرودة فالعربات كانت حارة جافه عند ظهور الشمس و باردة قاتلة في غيابها , يصف الكاتب المرحوم الدكتور علي كريم سعيد ركاب قطار الموت على انهم ( لحوم بشرية في قدر مغلق ) .

* التحضير لرحلة القطار :-
بعد صدور المرسوم الجمهوري و تحديد اسماء المعتقلين المراد ترحيلهم من النخبة الوطنية المعتقلة في سجن رقم (1) فعلا تم جمعهم و تقيدهم الواحد بالاخر و جهزة المركبات (الباصات) المراد نقلهم بواسطتها الى محطة القطار العالمية , و فعلاً تم نقلهم ليلاً و هم لا يعلمون الى اين يقتادوهم سجانيهم فبعض منهم يقول انهم ذاهبوان الى ساحة ام الطبول لتنفيذ حكم الاعدام بهم و اخر يقول سيفرجون عنهم و لكن عند وصولهم الى محطة القطار العالمية تفاجئُ بوجود قوة كبيرة من الجيش و الحرس القومي (المليشيات البعثية ) كانوا قد فرضوا طوق على المحطة و قد لوحظا وجود بعض اقطاب النظام انذاك و يبلغن الضابط محمود الجلبي عضو محكمة الشعب (بأنه قد رأى عبدالسلام عارف و طاهر يحي و رشيد مصلح و احمد حسن البكر و كانوا ظاهرين بشكل ملحوظ و هم يشرفون على عملية صعود المعتقلين الى قطار الموت) يصف الدكتور علي كريم سعيد صعود المعتقلين الى قطار الموت (و كأن الراكبين ليسوا ببشر بل حيوانات او بضائع تود الحكومة نقلهم ) .
و بعد الانتهاء من عملية صعود المعتقلين الى داخل القطار غلقت الابواب الحديدية و بدءت رحلة الموت المحتم بقيادة السائق (عبدالعباس المفرجي) الذي تسلم القطار بصورة غير طبيعية و غير معتادة و اقتاد القطار و بصحبته الضابط المسؤول عن القطار و عدد من الحرس برحلة تزيد مسافتها عن 300كم من بغداد الى السماوة و كانت التوجيهات تفرض على المفرجي بان يسير بأقل سرعة ممكنة و هو لا يعلم ما سر حمولته متوقعاً كونها حمولة بضائعية خاصة .

* الحياة اثناء الرحلة :-
رحلة القطار كانت رحلة عصيبة على رموز النضال الوطني العراقي تحت تأثير الحرارة القاتلة في فاركونات الموت المحقق و بخار القير (الزفت) و حرارته اللهبة , و بدأوا يتساقطون الواحد تلو الاخر من شدة الاختناق والارهاق و قلة الاملاح التي فقدتها اجسادهم و هنا لعب الضابط الدكتور رافد صبحي اديب دور كبير في انقاذ ارواح النخبة حيث كان يعطيهم نصائحه الطبية .

* كيف و متى علم المفرجي بسر حمولته :-
و عند تواصل قطار الموت بمسيرته من بغداد الى السماوة وهو يسير وفق التوجيهات و بعد ان قطع بما يقارب 160 كم عند توقفه في احدى المحطات تمكن ثلاثة اشخاص من ابلاغ المفرجي بسر حمولته و ما ان عرف بهذا السر ارسل مسرعاً مساعده ليتأكد من صحة المعلومة .
بعد ان تأكد المفرجي من الامر ، اصبح امام موقف انساني بالدرجة الاولى ومن منطلق وطني شعر بان ارواح هذه المجموعة امانة في عنقه و عليه ان يقف وقفه مشرفة و هنا ظهرت عراقية هذا الرجل و وطنيته في اتخاذ موقف حاسم و ان ينطلق بسرعة كبيرة جداً لانقاذ ارواح المناضلين الذي في عهدته و حتى انه لم يقف في المحطات المتبقية المقرر الوقوف فيها و يقول بعض ركاب هذا القطار ( ان السائق انطلق بسرعة فائقة جداً حتى كادت العربات ان تنقلب من السرعة ), و بهذا يكون المفرجي قد خالف الاوامر و التعليمات التي كان من المفترض ان يطبقها و وصل بذلك قبل الوقت المحدد الى محطة قطار السماوة و بهذا كان المفرجي يخوض سباق مع الموت .

* الوصول الى السماوة و انتهاء الرحلة :-
بعد ثلاثين ساعة من انطلاق شرارة معسكر الرشيد وصدور المرسوم الجمهوري و نقل النخبة الوطنية من سجن رقم (1) الى المحطة العالمية حتى وصولهم الى محطة قطار السماوة كانت اشد و اقسى الاوقات التي عاشها المناضلون بين يدي الزمرة الحاكمة انذاك خلال اليومين 3-4 تموز 1963 , و بفضل السائق المفرجي وصلوا المحطة قبل 2الى 3 ساعة التي ساعدت على انقاذهم من الموت المحتم الذي اقرته السلطة بموجب ذلك المرسوم المعادي لجميع رموز و مناصري الزعيم عبدالكريم قاسم .
و بهذه الظروف العصيبة و عند الوصول الى محطة قطار السماوة كانت الحشود الجماهيرية بانتظار النخبة الوطنية المناضلة في ذلك القطار لتقديم المساعدة لهم و الوقوف الى جانبهم و انقاذهم من مصيبتهم المحتمة التي لم يشعر بها احداً سواهم .

و يحدثنا الضابط محمود الجلبي عضو محكمة الشعب عن وضعهم عند النزول من القطار قائلاً :
(عند توقف القطار في محطة السماوة كان الكثير منا قد فقد الوعي و البعض لم تحمله قدميه و لا يستطيع السير على قدميه و اذكر على سبيل المثل الضابط نادر جلال الذي فقد الوعي و توفي , و لااستطيع ان انسى مناظر الجماهير التي كانت حاضرة لمساعدتنا و التي حذرها الاطباء المعتقلين الذين كانوا معنا من ان يعطون ماء لوحده بل يعطون ماء مع ملح لكي نعيد اتزاننا الذي كنا فاقديه جميعاً و لو كنا قد شربنا الماء لوحده لكان الموت حليفنا ) .

ومن ركاب هذا القطار :
- الضابط محمود جعفر الجلبي / عضو محكمة الشعب معتقل في سجن رقم (1) و سجن بعقوبة و نقرة السلمان .
- الضابط لطفي طاهر/ شقيق المرافق الضابط الشهيد وصفي طاهر .
- الضابط ساجد نوري / حماية الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم .
- الضابط نوري الونة .
- الضابط حسن عبود .
- الضابط غضبان السعد .
- الضابط غازي شاكر الجبوري .
-
الضابط ابراهيم الجبوري .
-
الضابط عبدالسلام بلطة .
-
الضابط الطبيب رافد صبحي اديب .
-
الضابط الطيارعبدالنبي جميل .
-
الضابط الطيار حسين علي جعفر .
-
الضابط طارق عباس حلمي .
-
الضابط عزيز الحاج محمود .

اما من المدنيين الراكبين فكان /
مكرم الطالباني , عزيز الشيخ محمود , عبدالوهاب الرحبي , كريم الحكيم , الدكتور احمد البامرني , علي حسين رشيد , جميل منير العاني , شاكر القيسي , حامد الخطيب , فاضل الطائي , عبد الصمد نعمان , علي ابراهيم .

هذه الرحلة التي عاشها هؤلاء المناضلين الذين لم ينظر اليهم فرد من الحكومة ليكرمهم تكريماً اجتماعياً و لم يذكرهم احد من صحافيينا او كتابنا او محطاتنا الفضائية و عرضهم الى الشعب العراقي و العربي ليتعرف عليهم وينظر على ما عانوا .


• المراجع :-
1/ لقاء شخصي مع الضابط المتقاعد محمود الجلبي عضو محكمة الشعب .
2/ لقاء شخصي مع الضابط المتقاعد غازي شاكر الجبوري احد منتسبي محكمة الشعب .
3/ البيرية المسلحة – الدكتور علي كريم سعيد .




 

free web counter