| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
zizi.iraqi@yahoo.com

 

 

 

                                                                                    السبت 9/7/ 2011



الانتخابات المبكرة بين صراع المشروعين
الإيراني والأمريكي

عزيز العراقي

يلخص الدكتور كامل النجار في كتابه " الدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق " ما اجمع عليه علماء الاجتماع في العالم وليس الإسلاميين فقط في تحديد أنواع السرقات , فيقول هناك أربعة أنواع من السارقين .

الأول : شخص مريض يحب اقتناء كل شئ يراه حتى وان لم يكن بحاجته , وغالبا ما نراه في نجوم السينما والرياضة الذين قد يكون غناهم فاحشا ولكن مع ذلك يسرقون أشياء تافهة من الأماكن التجارية , وقبل أعوام كانت هناك أميرة خليجية سافرت إلى لندن على متن طائرتها الخاصة , ومع ذلك سرقت بعض الملابس الداخلية من محلات " ماركس آند سبنسر " .

والنوع الثاني : شخص غالبا ما يكون مراهقا ومدمنا على المخدرات ولا يحب ان يعمل ليكسب قوت يومه , أو إن الذي يكسبه لا يكفي لشراء المخدرات التي يدمنها , فيسرق لشرائها .

الثالث : رجل أو امرأة لم تتوفر لهم فرص العمل ولا يجدون القوت لهم أو لأطفالهم فيسرقون .

والنوع الرابع : الشخص الجشع المنحط الذي يكون في موقع السلطة فيسرق أموال الشركة التي يرأسها أو أموال الدولة.

لا يختلف اثنان في ان السرقة جريمة تضر الفرد والمجتمع , ويجب محاربتها . وهناك عدة طرق لعلاجها ومحاربتها , فالنوع الأول من السارقين شخص مريض يحتاج إلى علاج ويجب ان نقدمه له , والثاني إذا كان مدمنا فهو كذلك مريض يجب علاجه قبل عقابه , والنوع الثالث الذي يسرق ليقوت نفسه أو أسرته فلا يستحق العقاب , بل يجب على الدولة ان تساعده بإيجاد العمل له , وتمنحه دخلا من صندوق الضمان الاجتماعي ان كان لها صندوق اجتماعي . اما النوع الرابع , وهو بيت القصيد , فلا يختلف اثنان انه يجب ان يعاقب .

فمن من الزعامات السياسية العراقية التي تمسك بالسلطة , والتي نعول عليها في إعادة بناء العراق, منذ سقوط صدام ولحد الآن تنتمي في سرقاتها إلى الثلاثة أنواع الأولى ؟! فهل رأيت نائبا برلمانيا , أو وزيرا أو نائبا له , أو مدير عام او غيره من الرتب الأخرى كان معروفا , أو نجما رياضيا , او سينمائيا , اللهم إلا إذا استثنينا الأربع سنوات التي قضاها خضير الخزاعي في هوليود , فاغلبهم مجهولين ولا يمتون بشئ لأي نشاط إنساني نبيل . بالعكس فإنهم من اشد المحاربين للفن والرياضة والثقافة والعلوم , ولا يمكن ان تعمم بعض الحالات الشاذة مثل رعاية جلال الدين الصغير اوحارث الضاري للمنتديات الفنية والترفيهية , أو تنمية المواهب الخطابية والبلاغية التي وضع ثقله فيها السيد مقتدى الصدر , او جهود خاصة في تنشئة الأجيال العراقية على قول الصدق والأمانة مثل الدكتور علي الدباغ , واللواء قاسم عطا . الشواهد كثيرة , والجميع يدرك ان هذه القيادات ليست من الأنواع الثلاثة الأولى , بل من النوع الرابع الذي يجب معاقبته, ولذلك نشر رئيس الوزراء المالكي مظلته لحمايتهم , سواء بعدم إحالة الموظف الى العدالة الا بموافقة وزيره المحمي والمحصن , او بالسيطرة على مؤسسة النزاهة منذ مطاردة رئيسها الأول القاضي راضي الراضي قبل عدة سنوات ولحد الآن , ومحاولاته المستميتة لكي تتبع الى مكتبه مع باقي المؤسسات المستقلة الأخرى بما فيها القضاء والبنك المركزي ومفوضية الانتخابات .

الدعوات النبيلة للكثير من الشرفاء الذين لا يزالوا يعتقدون بإمكانية إصلاح الوضع مع القيادات السياسية الحالية ومن خلال (العملية السياسية الكسيحة) سوف لن يجدوا الإذن الصاغية, لا من العملية السياسية ولا من قياداتها التي لن تخرج عن إطار الصراع غير المحسوم بين المشروعين الأمريكي والإيراني في السيطرة على مقدرات العراق , ويمكن القول ان صياغة الدستور بهذا التشوه هو الشكل الأوضح لهذا الصراع . وليس المقصود هو رجعية نظام ولي الفقيه الإيراني , أو تقدمية وعلمانية العولمة الأمريكية , بل غياب تأثير المشروع الوطني العراقي عن ساحة الصراع بين المشروعين . والمطالبة بانتخابات مبكرة سيصطدم بممانعة الطرفين – وهما أصحاب القرار - , لعدم تأكد أي منهما يحسم الصراع لصالحه في الوقت الراهن . وسيبقى العراق معلقا طالما استمرت هذه الحالة , ولا يعني لهم شئ استمرار التردي وهدر المال العام والفقر الذي يعاني منه العراقيون .

العراق يفتقد للآفاق التي تتحرك فيها جماهير الربيع العربي , فلا تزال هذه الجماهير في طور تأسيس التوجه , وأمامها آفاق كبيرة لتحديد الأطر التي ستسير عليها , بعكس العراق الذي تكبل بطرفي صراع من خارج قواه الوطنية , وطرفي الصراع تمكنا من تأطير وربط قياداته السياسية بأطر مصالح الطرفين . ومما لاشك فيه ان هذا جاء نتيجة إزاحة النظام من قبل قوات الاحتلال , وبدل ان تنهض القوى المعارضة ( سابقا ) بمشروعها الوطني المعارض الذي كانت تدعيه لإعادة بناء العراق وتخليصه من آثار الفاشية الصدامية , استسهلت الانصياع والاندماج بمصالح المشروعين للفوز بمغانم السلطة , واستمرار الدفاع عن هذا التوازن القلق بين المشروعين هو الجدار الذي تستند عليه هذه الأحزاب في وجودها الحالي . والكثير منهم يتمنى ويقاتل ان لا تحسم الأمور لأحد الطرفين , لان هذا سيعني مرحلة جديدة ستكنس فيها هذه القيادات ويأتي بغيرها تكون أكثر إخلاصا في توجهاتها للطرف المنتصر.

 

 

 

free web counter