| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
zizi.iraqi@yahoo.com

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 7/12/ 2011



العراق وحاجته للضمائر الحية

عزيز العراقي

مهزلة اختلاف القرار في عدم استقبال الهاربين من جحيم النظام السوري من قبل الحكومة العراقية وبين الترحيب بهم من قبل محافظة نينوى , يوضح عمق التردي الذي يسيّر ( آلية ) اتخاذ القرار في إدارة الحكومة العراقية , وفي مثل هكذا قرار سيادي يقتضي اتخاذه إجماع وطني . الا ان هذا ( الإجماع الوطني ) لا وجود له في ظل الحكومة , كونها ( لملوم ) من عدة اتجاهات لا يربط بينها برنامج عمل مشترك , وشكلت لاقتسام السلطة والجاه والنفوذ , وكل اتجاه يحدد موقفه في ضوء ( المزايدة ) الوطنية على الطرف الآخر . وفي وطنية مضحكة يبرر المالكي هذا القرار بكونه وفاء للنظام السوري الذي ( استضافه ) لستة عشر عاما , وكأن النظام السوري استضافه واستضاف المعارضة العراقية سابقا إكراما لنضال وتضحيات الشعب العراقي , وليس نكاية بنظام شقيقه البعثي الذي زاحمه في الاستحواذ على ساحة البعث في العراق وسورية وأصبح العدو رقم واحد بالنسبة اليه. والذي يسمع المالكي يعتقد انه كان موضع احترام ويعرف مقدرات القرار السوري وطبيعة الحراك الجماهيري هناك , وليس بائع بسطة بسيط يتحاشى اعتداء اصغر شرطي في النظام بدفع بعض الليرات رشوة له . السيد المالكي الذي هاجم النظام البعثي السوري عدة مرات , وعلى شاشات التلفزيون , وطلب تدخل هيئة الأمم المتحدة لوقف تصدير الارهابين الى العراق , استجاب لمتطلبات الوفاء للنظام الإيراني , الذي اجبر أطراف الساحة الشيعية العراقية على القبول به واستمراره في رئاسة الوزراء مرة ثانية , فوافق – وبدون أي خجل - على طلب الإيرانيين بعدم استقبال الأخوة السوريين الهاربين من جحيم النظام في دمشق كما يعرف الجميع .

محافظ نينوى اثيل النجيفي , وشقيقه رئيس البرلمان أسامة النجيفي , يمثلون بقايا البعث الساقط كما هو معروف لكل العراقيين , والمنطق يقول إنهم أولى بالدفاع عن نظام بشار البعثي والوقوف بوجه الانتفاضة السلمية الشعبية , والمالكي كما يقول المنطق أيضا , هو من رفع ويرفع شعار مظلومية الشيعة من قبل النظام البعثي المقبور . ومثلما تنكر المالكي للشعار والادعاء الذي أوصله الى رئاسة الوزراء , فالنجيفي يعلن براءته أيضا من النظام الفاشي السوري ويرحب بالسوريين الهاربين الى العراق , ليس بدافع تحوله عن الفكر البعثي وتبنيه للقيم الإنسانية , بل وجد في قرار الحكومة العراقية في مساندة النظام السوري الفرصة الجيدة – وبدون أي جهد – لكشف غباء وضحالة القرار الحكومي , ومن جهة أخرى تبيض وجهه بتبني القرار الإنساني الصائب , والذي يضمن له التقارب مع جميع الدول العربية الأخرى ومع الحركات الإنسانية عامة .

استمرار هذه المهزلة في اللعب على المصلحة الوطنية من قبل الأطراف المتنفذة في الحكومة والعملية السياسية , واستمرار منحدر التردي للعراقيين , لن يتوقف بمجرد الطلب بإعادة النظر بالعملية السياسية والدستور واستكمال تشكيل الوزارة وباقي المعوقات , والتي تجسد في الدعوات النزيهة للحوار الوطني الشامل من قبل الحزب الشيوعي , والطاولة المستديرة من قبل المجلس الأعلى . فرغم إدراك الجميع لوضوح هذه الدعوات ونزاهتها , كونها الطريق الأسلم لإعادة النظر بالطريق الخاطئ الذي سلكته القوى المتنفذة , ولضرورة انتشال العراق من آثار الحكم البعثي المقبور , وما جاء بعده على أيدي قوات الاحتلال , وعبث وجرائم بعض القيادات السياسية الحالية , الا ان هذه الد عوات لن يستجاب لها من قبل الأطراف التي تتمتع بالقوة والنفوذ في ظل استمرار مصادرة المشروعين الإيراني والأمريكي للمشروع الوطني العراقي .

العمل على إيجاد قاعدة سياسية من الأحزاب التي تتمكن من صياغة مشروعها الوطني المشترك أكثر واقعية من مطالبة الأحزاب المستفيدة والمتنفذة في إجراء التغيير . والمشروع الوطني لا يحتاج الى وصاية أيديولوجية , فمحاربة الفساد واللصوصية والوقوف بوجه استهتار الكثير من المتنفذين وتحقيق الأمن وبناء البنية التحتية و و و الخ , كل هذا لا تحتاج معالجته الى خلافات فكرية وسياسية , بل الى ضمائر حية فقط , ومن يمتلك مثل هذا الضمير يكون جاهزا أيضا بعد ان يرى النجاحات لتنازلات متبادلة في إعادة بناء شكل الدولة وجوهرها .


 

 

free web counter