| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
ziziiraqi@yahoo.se

 

 

 

الجمعة 30/11/ 2007



الأمريكان وإعادة تدجين الخراف المتوحشة

عزيز العراقي
ziziiraqi@yahoo.se

كل شئ يمكن ان يكون وحشي الا الخراف , فالثيران والكلاب والخيول والحمير والماعز وكل الحيوانات الأليفة يمكن ان تتوحش , الا الخراف لم يسمع احد بتوحشها , وفي العراق فقط توحشت هذه الخراف السياسية , ونسيت الخوف من سكين جزارها صدام في فترة قياسية , وأخذت تتغذى على لحوم بعضها البعض , والأمريكان وجدوا في العراق ليس مختبراً لأسلحتهم وخططهم العسكرية فحسب, بل مختبراً لتطويع الأرادات البشرية .

والفكرة الأمريكية لأتفاقية ستراتيجية مع العراق طرحت لأول مرّة عن طريق اتفاق مجلس التعاون الخليجي , وعلى لسان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي قبل شهرين , وفلسفتها تقول : لكي تكون الأنظمة العربية على ثقة بتوجهات الحكومة العراقية , ومطمئنة على ان لاتنزلق هذه الحكومة – التي ستستمر بأغلبية شيعية – بأتجاه النظام الايراني وطموحاته الأقليمية , او ان تكون آلة بيده , عليها ان تقيم مثل هذه الأتفاقية مع الحكومة الامريكية لتتمكن دول الجوار والأقليم المتخوف من الطموحات الايرانية من مد يد العون للحكومة العراقية طالما يكون الكفيل الحكومة الامريكية , ومحتواها : ان يتولى الامريكان مسألة حماية العراق , وتأمين استمراريته التوافقية مع توجهات دول المنطقة نحو آفاق العولمة وروابطها الأقتصادية .

ان الأتفاقية التي وقعت بين الرئيس الامريكي بوش ورئيس الوزراء العراقي السيد المالكي عبر دائرة الفيديو , تمنح الامريكان – وهو سبب اجتياحهم للعراق – امكانية توجيه دفة العراق من الناحية السياسية والامنية والاقتصادية , واعادة تأهيل العراق وفق الأجندة الامريكية . ومهما قيل ويقال كونها اتفاق اولي , اعلان مبادئ, او وسيلة لأخراج العراق من تحت وصاية مجلس الأمن والبند السابع كما يصرح بألحاح الناطق الرسمي للحكومة الدكتور علي الدباغ ( وما علاقة هكذا اتفاقية بأخراج العراق من وصاية مجلس الامن والبند السابع ؟ ) , تبقى كلها اقاويل لتمهيد اقرارها . ولعل في خطوة الحكومة بعدم عرضها على مجلس النواب هو الخوف من عدم التصويت لصالحها , وبحجة انها ليست اتفاقية , والمسخرة هو ان تعقد جلسة للبرلمان للتصويت على قرار بايدن عضو مجلس الشيوخ الامريكي حول تقسيم العراق وهو ( غير ملزم ايضاً ) , ولا تعقد جلسة على وثيقة اتفاقية يوقع عليها الرئيس الامريكي ورئيس وزراء العراق !!!

لقد ذكر احد الكتاب قبل ثلاث سنوات : ان العراق لايخرج من دوامته الدموية ما لم ينزلق لحضن احد الطرفين المتصارعين النظام الايراني او الامريكان . وفي وقتها اعتبر هذا الكلام انتقاص من الأرادة " الوطنية " للأحزاب العراقية المتنفذة , سواء الطائفية الشيعية التي تنسق مع ايران , او القومية الكردية وبعض الاحزاب العراقية التي تطارح الامريكان الغرام في وسط الشوارع والساحات , او العصابات البعثية التي ادعت مقارعتها ( للمحتل ) الامريكي , وبعد ان قذف لها ببعض العظام تحولوا الى مطالبين بضرورة استمرار وجود ( قوات التحالف ) .
ان سلسلة الترويض التي مر بها العراقيون لأستكمال تمزقهم بعد انهيار النظام الصدامي عبر استفحال عصابات الجريمة , والصراعات الطائفية , وفقدان ابسط متطلبات العيش البشري , ثم تحول الصراع الى شيعي شيعي وسني سني للقضاء على آخر اشكال التحالفات التي يمكن ان تشكل معارضة – ولو بائسة – لما سيفرض من مشاريع , وتحولت أغلب ( الطلائع ) السياسية لهذا الشعب المنكوب الى رغبات لايمنعها اي شئ للأستحواذ على المال والجاه والنفوذ . وهذا ما وفرته لهم السلطات الامريكية , وستستمر في توفيره سواء بأتفاقات خارج اطار السلطة مثلما يجري مع شيوخ العشائر والصحوات , او بتطمين القوى السياسية التي تقود السلطة , فالسلطة شئ والسيطرة على توجهات البلاد شئ آخر .

لقد نجح الامريكان في تشتيت الموقف العراقي , والكل يجري وراءهم , ولايزال في جعبتهم الكثير الذي يمكن استخدامه لو تجرء العراقيون على الرفض . والخطورة هو في استغلال ضرورة عدم توحيد الخطى بالكامل مع الامريكان , ليس بدوافع المصلحة الوطنية بقدر ما هو شعور بالغبن والاستبعاد لبعض هذه الاطراف في الفترة الاخيرة , او يكون الرفض لدواعي التنسيق مع ايران لأطراف اخرى , وهذا ما دفع الامريكان لدعوة السيد عبد العزيز الحكيم بهذه العجالة . وما دام المشروع الوطني لاوجود له بالتوافق على صيغ الاتفاقية فسيكون الرفض او الموافقة لهذه الاطراف وسيلة أخرى تجرجر الى اوحال جديدة , والخوف ان يجري التوقيع عليها على طريقة توقيع اتفاقية قاعدة " كَوانتنامو" في كوبا , حيث لايجري فسخها الا بموافقة الطرفين . وكل ما يأمله العراقيون هو ان تتمكن العناصر الوطنية الحقيقية من المحافظة على مقدرات البلد وضمان العيش الكريم لابنائه .



 




 

free web counter