| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
ziziiraqi@yahoo.se

 

 

 

الجمعة 25/6/ 2010



من ينقذ العراق من الهوة التي سقط فيها ؟

عزيز العراقي

الشعب العراقي بدء يستغيث ويصرخ من عمق المأساة , وردود الفعل الأخيرة تجاه قطع الكهرباء وسط هذا الصيف اللاهب , وسقوط شهداء وجرحى , ومواجهات مع قوات الأمن , توضح حجم المعانات التي باتت لا تحتمل. ولكن , هل يوجد لهذا الشعب الأطر التنظيمية التي تستطيع ان توجه احتجاجاته هذه ؟ والتي تشي بتمرد , قد يكون اخطر بكثير من الفرهود و( الحوسمة ) التي رافقت انهيار النظام السابق ؟ قطعا لا يوجد , فالأحزاب التي فازت في الانتخابات , هي الأحزاب التي جاءت بها هذه الجماهير ذاتها , وهي صاحبة المسئولية الأولى والاهم , والتي لا تزال تتقاتل على كسب الغنائم . ولم تدرك قيادات هذه الأحزاب لحد الآن , ان بوادر التمرد الحالي إشارة حقيقية لتمزيق الوضع المهلهل للكيان العراقي الحالي , والعودة السريعة لحكم العصابات والمليشيات الخارجة على القانون , سواء باسم السنة او الشيعة , والتي تتبجح الحكومة الحالية بالقضاء عليها .

قيادات القوائم الفائزة لا تنظر ابعد من حلبة صراع العملية السياسية , وما كشفته هذه الحلبة من اهتمامات شخصية أنانية , غلفتها طيلة عقود المعارضة للنظام السابق بشرف الدفاع عن العراق والعراقيين . والذي زاد الطين بلة , ان بعض هذه القيادات أصبحت أسيرة كرسي السلطة , والتسلط , والفكاك منها يعني الانتحار وفقدان كل شئ . تقول زوجة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك : ان شيراك فقد اتزانه لأكثر من عام , عندما ترك رئاسة الجمهورية بعد ان انتهت ولايته , ولم يستطع الترشيح مرّة أخرى , ولم يعد لوضعه الطبيعي إلا بعد أن أسس مؤسسته الدولية لتقديم المشورة والمساعدة لباقي الحكومات , خاصة في الدول النامية . هذا شيراك زعيم دولة حقوق الإنسان , والذي فتح عينيه على القيم الديمقراطية , وابن الشعب المتطور حضاريا أكثر من كل شعوب المعمورة , ولا نريد أن نعدد المزايا الشيراكية أكثر.

شيراك فقد اتزانه لأكثر من عام , فما بالك بالجعفري وعلاوي والمالكي وباقي أطراف الشلة ؟!!! وهم أصحاب القرار في العملية السياسية ؟!

لا يزال البعض يردد ب ( الفشل) الأمريكي في العراق , وكأن فشل الأمريكان هو في ازدياد معانات الشعب العراقي , وازدياد انحداره نحو الهاوية , والتهديم المتواصل لمرتكزات ودعائم الهيكل العراقي – لكون الأمريكان قالوا : إننا جئنا لإنقاذ العراق - . و هذا هو النجاح بعينه لهم , بعد ان عرفنا عبر عقود العداء الجذري بين النظام الرأسمالي وتطلعات الشعوب للرفاهية , فما بالك اليوم , وقد انفردت الرأسمالية بتعميم قوانينها , وتواصل ما بدء به صدام من إنهاء لبقايا الدورة الاقتصادية , والتي هي أهم الأسس في بناء الوحدة الوطنية , وبدل التكاتف الاجتماعي من خلال تدوير الاقتصاد , بات الكثير من قطاعات الشعب يرتزقون بما تجود به عليهم الحكومة , مما تحصل عليه من واردات النفط , وتوزع عليهم الفتات عبر تعيين أبنائهم في وظائف شكلية , تزيد من إعاقة إعادة الدورة الاقتصادية , وما يتركه الارتزاق من تمزيق للقيم والروابط الاجتماعية والسياسية حتى داخل العائلة الواحدة , وبات العراقي يقسم بالقرآن الكريم لمرشحين متناقضين على انتخابهم , طالما يقبض من الاثنين رشوة الانتخاب .

النجاح الأكبر في زيادة تفتيت المجتمع العراقي , وحرمان العراقيين من عراقيتهم , التي هي الأس الآخر في بناء وحدتهم الوطنية , عبر دفعهم للتنافس ( الصراع ) على السلطة , من خلال مكوناتهم القومية والمذهبية , ليجد العراقي نفسه مدفوع للجحور الطائفية والعشائرية . والسؤال هو : الم يكفي الأمريكان هذا النجاح في جعل العراق تابع بالكامل , وفاقد لأطرافه التي يمكن ان يعاود النهوض عليها , مقابل التضحية ببعض آلاف الجنود واغلبهم من الأجانب المرتزقة الذين يبحثون عن( الكَرين كارت ), وعدة مليارات من الدولارات , ليضمنوا مفتاح إدارة منطقة الخليج ؟بوابة القرن الأمريكي الجديد . وكل التردي معلق في رقاب قيادات العملية السياسية العراقية , بعد ان نفخوا في بالوناتهم , وورطوهم في السلطة المشوهة المنقوصة , والفساد , لإشباع رغباتهم الشخصية , ويحتفظون لكل واحد منهم بملف خاص لتاريخه الشخصي المخزي , الذي سيشهر في وجهه عند الحاجة .

العراقيون يمرون بمحنة , لم يمر بها شعب آخر. كل الصراعات تجري بسبب اقتصادي, ديني , قومي .. الخ, وطرفي الصراع واضحين . في العراق اليوم , من هو الطرف الآخر في الصراع مع الشعب العراقي ؟ القيادات السياسية للقوائم التي انتخبها الشعب ؟ أم الأمريكان ؟ أم النظام الإيراني ؟ أم أنظمة دول الإقليم ؟ ام التخلف الاجتماعي والسياسي , وما تركه النظام السابق للعراقيين ؟ ام كلها مجتمعة , وتتوزع المسئولية بشكل هلامي غير محدد بين كل هذه الأطراف. الا ان المسئولية الظاهرة لجبل الثلج هذا , على عاتق قياداته السياسية , التي تحول قسم منها إلى مرتزقة لا يعيرون أدنى اهتمام لخارج مصالحهم الذاتية .

إقالة وزير , وتسقيط حكومة , وتمرد ضد الوضع القائم , وسقوط شهداء وجرحى وسجناء , لن يمنح العراقيين السكة التي ستنهض بواقعهم المرير , رغم أهمية احتجاجاتهم . وما داموا لم يمنحوا فترة الانتقال , لاختيار نظامهم بروية , بعد أكثر من ثلاثين عاما من حكم صدام , وصيغت عمليتهم السياسية خارج إرادتهم , بعد أن وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الانتخابات وكتابة الدستور . فلن ينقذ العراق من الهوة التي سقط فيها مالم يعاد بناء العملية السياسية على أسس عراقية بعيدة عن التحاصص الطائفي والقومي , ويعاد النظر بالدستور المشوه , وتعاد صياغته بلغة قاطعة محددة , تكون الفيصل لكل الاجتهادات والاختلافات , وإلغاء كل القوانين التي صادرت إرادة العراقيين , وعلى سبيل المثال , مهزلة قرار المحكمة العليا الأخير : في عدم شرعية منح المقاعد التعويضية للقوائم الكبيرة , على أن ( لا يؤثر ) ذلك على نتائج الانتخابات .





 

 

free web counter