| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
zizi.iraqi@yahoo.com

 

 

 

                                                         الأثنين  25 / 11 / 2013



التفسير المزدوج للاتفاق النووي بين ايران والغرب

عزيز العراقي

في السويد قانون يحد من انتشار بيع الكحول , وفي كل منطقة رئيسية في المدن الكبيرة محل واحد فقط مرخص لبيع الكحول , وفي المحلات التجارية الاخرى مسموح لها بيع المشروبات الكحولية التي لا تتعدى نسبة الكحول فيها الثلاثة والنصف في المئة . وهي نسبة لا تؤثر كثيرا في وعي الانسان وتجعله ينساق وراء تهويمات السكر , واخطر هذه التهويمات الاعتداء على الآخرين بعد ان يشعر بأنه اصبح ( ابو جاسم لر ) بعد اول بيك . وفي محلات بيع الكحول يطلب البائع من المشتري عندما يشك بأنه لم يكمل عمر البلوغ وهو ثمانية عشر عاما بهويته الشخصية كي يتأكد من نضوجه , والهوية الشخصية السويدية غير قابلة للتزوير , ويمكن التأكد منها في ثوان وفي نفس جهاز الحاسوب الذي يستلم مبلغ الشراء .

التراجع الايراني عن نسب التخصيب العالية لليورانيوم جاء بطلب من الحكومة الايرانية الجديدة برئاسة روحاني , لكي تضمن اعادة تواصل الحوار مع الغرب بعد ان اشتد وطئ العقوبات والحصار الغربي عليها , ورغم ان التراجع كان مؤلما جدا لتطلعات القيادة الايرانية , ودفعت الشعوب الايرانية ثمنا باهظا نتيجة التضخم المالي وارتفاع تكاليف المعيشة , وقد انعكس بشكل حاد في السنتين الاخيرتين , وهو ما اوصل الجميع نظاما وشعبا الى ضرورة التراجع خوفا من مصير اسود لا يختلف عن مصير جارهم العراق , الذي تمزق نسيجه الاجتماعي نتيجة الحصار .

التراجع الايراني يختلف بعض الشئ عن حجم تراجع النظام الليبي السابق في كشف وتسليم منظومة اسلحته الفتاكة والمحرمة دوليا الى الغرب مقابل السكوت على بقائه في السلطة الى ان جاءت الثور الليبية التي اطاحت به . ويختلف ايضا عن تسليم النظام السوري لترسانته الكيماوية التي طالما اعتبرها المعادل الموضوعي لترسانة اسرائل النووية , او كما حددها بشار الاسد ( الكيماوي نووي الفقراء ) , مقابل عدم ضرب مؤسساته العسكرية والأمنية وتأمين البقاء على استمرار صراعه المميت مع معارضة الشعب السوري . التراجع الايراني يختلف كونه جاء بعد سنوات من المماطلة والمفاوضات الغير مثمرة , وهو تراجع ايجابي لما قد ينتظر النظام والشعوب الايرانية من تفكك وألام كبيرة نتيجة الحصار والعقوبات ان لم تكن هناك مواجهة عسكرية شاملة , وليس موقف متهالك مرتجف مثلما اظهر موقف القذافي وبشار الاسد . ومثلما كشفت تفاصيل الاتفاق على ان تبقى ايران على نسبة تخصيب لليورانيوم لا تتجاوز الثلاثة والنصف في المئة , وهي النسبة التي لا تستطيع من خلالها الدخول في تهويمات القوة والغطرسة النووية , حال البيرة السويدية المسموح ببيعها في الاسواق الاعتيادية , اضافة الى ستة اشهر تجريبية تفحص فيها الخطوات الايرانية ومدى تمثلها لما اتفق عليه بعيدا عن كل التسويف والمماطلات السابقة .

الرئيس الايراني روحاني سبق عودة وزير الخارجية من جنيف وفسر الاتفاق في خطاب متلفز الى الشعب الايراني على انه انتصار كبير لإيران , وأكد على انه جرى الاعتراف من قبل الخمسة زائد واحد بحق ايران في التخصيب . وهذا صحيح , ولكنه لم يكمل : على ان يبقى التخصيب بحدود الثلاثة والنصف في المئة – يعني مثل عيار البيرة التي تباع في اسواق السويد – وان حاول زيادة النسبة عليه ابراز هويته التي تثبت انه في سن النضج الانساني لهؤلاء الباعة الخمسة زائد الالمان , والمسألة لا تتحمل بعد تزوير الهوية واللعب على الوقت .

اما وزير الخارجية الامريكي كيري , فقد اكد ان ايران اوقفت عند حدها في حدود التخصيب , وباقي اليورانيوم المخصب الى عشرين في المئة سيتم تحويله الى مادة اخرى , وبعد ستة اشهر سيكون انتاجها صفرا اي فقط في حدود المسموح به . وأكد على انه انتصار كبير للغرب ولأمن المنطقة وبالذات اسرائل . وهو ايضا صحيح , ولكنه لم يتطرق الى الجانب السياسي للاتفاق , وكيف سيجري ترتيب اولويات امن المنطقة , وهل التراجع الايراني لأجل تجنب كارثة قد تفتك بالوجود الايراني فقط ؟ ام ان هناك تعويض وإغراء وتكامل مع المشروع الامريكي ساعد في هذا التراجع ؟ وعلى حساب من سيكون هذا التعويض ؟

 

free web counter