| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
zizi.iraqi@yahoo.com

 

 

 

                                                         الخميس 18/10/ 2012



التدخل الخارجي اساس الفتك بالمشروع الوطني

عزيز العراقي

لاشك ان الحزب الشيوعي هو اعرق الاحزاب العراقية حاليا , ويعود الفضل له وللأحزاب الديمقراطية الوطنية في زيادة وعي الشعب وتعميق احساسه الوطني , ليس عن طريق صلابة نضالهم وما قدموه من شهداء فقط , بل وعن طريق ثقافتهم . فالشيوعيين يتمتعون على مر تاريخهم بأكبر الامكانيات الثقافية بين جميع الاحزاب العراقية , وهذا ليس انتقاصا من باقي الاحزاب الوطنية الاخرى , بل هو تأكيد حقيقة ثقافية يعرفها العراقيون جميعا . وكان من بينها معرفة المصطلحات ومدلولاتها , والفرق بين حجم المصطلحات والمفاهيم التي تقع في نفس الاتجاه , مثل الفرق بين البلاغ والبيان اللذان يقصدان الاعلام او التبليغ .
البلاغ تعني ابلاغ الناس بانه جرت الفعالية الفلانية , يذكر فيه التاريخ ومكان الفعالية واهم العناوين التي تمت مناقشتها , اي مختصر لا يشرح تفاصيل العناوين , وفي بعض الاحيان يمهد لإعلان البيان او الوثائق الاخرى . اما البيان فهو اعلان وجهة نظر ( موقف ) الشخص او الجهة السياسية او الحكومية في حدث او احداث معينة , ويكون تفصيلي وفيه بعض التحليلات التي دعت الى اتخاذ الموقف . والبلاغ الاخير الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المنشور في موقع " الناس " , رغم انه اكبر من بيان يتحدث عن بؤس الاشهر الاخيرة التي مثلت الفشل الكامل للعملية السياسية , وما احتوته من صراعات داخلية , اضافة لوجهة نظر الحزب في هذا التدهور , وأمله بتفعيل االفعاليات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني للضغط على الحكومة , اضافة لضغط الامم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى .

كل من عمل في الحزب الشيوعي او كان قريبا منه يعرف ان تحليلاته السياسية لا تقتصر على تحليل الوضع الداخلي فقط , وانما تحليل شامل للوضع الداخلي والعربي والدولي . وإذا كانت التحليلات السابقة مرتبطة بصراع طرفي الحرب الباردة الاتحاد السوفيتي وكتلة الدول الاشتراكية من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة أخرى, وكان بالإمكان في تلك المرحلة تقدير التوجهات لأغلب الحركات السياسية من خلال موازين القوى التي تحدث فيها , فاليوم انفردت اميركا والرأسمالية الغربية في فرض ارادتها على توجهات الحكومات والشعوب قدر الامكان. العراق احد المناطق الهشة التي جرى احتلالها من قبل الامريكان , وحيكت فيه عملية سياسية من احزاب وأشخاص لم يكن اغلبهم يحلم في يوم من الايام بهذه السلطة , وسقط اغلبهم في مستنقع الفساد واللصوصية بعد ان تجردوا من ادعاءاتهم الوطنية ودماء شهداء احزابهم . وتحول العراق الى ساحة صراع بين المشروع القومي الايراني المتلبس بالطائفية الشيعية وبين المشروع العولمي الامريكي , وتحولت اغلب الطبقة السياسية العراقية المسيطرة على الاوضاع الى وكلاء للطرفين المتنازعين . والبلاغ على طوله لا يحتوي الا على سبعة اسطر فقط تحت عنوان " تدخلات دول الجوار " , الاربعة الاولى منها تقول وكان الحكومة العراقية مؤسسة وطنية متماسكة : " وفيما اشتدت الخلافات بين اطراف العملية السياسية المشاركين في السلطة , وامتدت لتشمل المواقف بشان السياسة الخارجية للعراق والعلاقات مع دول الجوار , ازدادت التدخلات السافرة لهذه الدول في شؤون بلادنا , وشكل بعضها خرقا صارخا لسيادة العراق , ولم تقابل هذه التدخلات على الدوام بنفس الرفض والحزم المطلوبين من قبل الحكومة , تعزيزا وتأكيدا لمبادئ وأسس علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل لسيادة كل بلد واستقلاله ". والثلاثة اسطر الباقية لا علاقة لها بالتدخل الخارجي , او لتأثير المشاريع السياسية الكبرى في المنطقة على وضعنا الداخلي .
 
الحزب الشيوعي والديمقراطيون عموما يدركون حقيقة ما وصلت اليه الطبقة السياسية المتنفذة , ويدركون ايضا ان تضافر جهود هؤلاء الوكلاء مع اسيادهم الامريكان والإيرانيين في تجريد الجماهير العراقية من امكانية نهوضها , وذلك عن طريق استخدام كل الوسائل لإضعاف الشعور بوحدة المصلحة الوطنية المشتركة , وابقاء هذه الجماهير في ظلال التعصب الطائفي والقومي , وهو ابرز الصعوبات التي تواجه المعنيين في استنهاض المشروع الوطني . ان ما يجري من انحدار وتلاعب بمقدرات الشعب والوطن , والسير في طريق تخسيس العملية السياسية هي النتيجة الحتمية لنجاح هذا التضافر بين المشروعين والوكلاء , وهو النقطة الوحيدة التي يتفق فيها ويتعاون عليها المشروعين المتصارعين .

ليس بالضرورة ان يتفق الحزب مع هذه النظرة , فللحزب سياسته وتوجهه ازاء العملية السياسية , ويدخل في سياسته الدفاع عن كل ما ثبت واقر في الدستور وباقي اللوائح السياسية من مواد ومرتكزات ديمقراطية . ولكن الملفت ان يصدر البلاغ بهذا الطول دون الاشارة الى الصراع الخارجي الذي فتك بالمشروع الوطني بعد ان اوصله صدام الى الحضيض , والانحدار الذي شخصه البلاغ هو نتيجة محكمة لهذا الصراع , رغم ان البلاغ ذكر ان الكثير من الاطراف السياسية تتأثر بالإرادات الاجنبية . وفي الوقت الذي يصل الصراع في سورية الى ذروته , وما تعني هذه الذروة بعد ان دخلت جميع الاطراف الدولية على خطها من احداث وتغيرات في المنطقة , وفي توزع جديد لموازين القوى , وما سيتبع ذلك من فرض خرائط سياسية جديدة على شعوب المنطقة من قبل اصحاب المشاريع الكبرى . والعراق في هشاشته هو اول الساحات التي ستشتد حدة الصراع فيه . وكنا نأمل ان نرى استشراف او توقع واستعداد لما تأتي به الايام القادمة .
 

free web counter