| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
zizi.iraqi@yahoo.com

 

 

 

السبت 15/1/ 2011



العراقيون بين الحياة الدنيوية والأخرَ وية

عزيز العراقي

الانتصار الحالي للانتفاضة التونسية في تقويض النظام الدكتاتوري , والهروب المذل لرئيسه الذي طلب اللجوء في عدة دول عربية وأجنبية , ولم تقبله غير السعودية . أعطى زخما كبيرا للجماهير العربية المكتوية بنار أنظمتها الدكتاتورية والفاشية , ولا شك ان الكثير من العراقيين فرحوا وهللوا لهذا الانتصار التاريخي , والبعض استبشر بإرادة الشعب التونسي التي نهضت من ركام الجوع ومصادرة الحريات لتطيح بالنظام الذي لم يأخذ حاجات شعبه مأخذ جد , واخذ يحذر القيادات العراقية من غضب الجماهير العراقية , إذا تفجر .

لقد فات هؤلاء الأخوة ان في تونس نظام حكم , وحكومة لها آلية محددة تمارس فيها إدارة المجتمع , ورئيس يتحمل مسؤولية هذه الإدارة , والجماهير تعرف جيدا أسباب بؤسها , وتعرف بوضوح هدفها من الانتفاضة . في العراق لا يوجد أساسا نظام حكم محدد , ولا توجد آليات إدارية واضحة تسير عمل الحكومة , وكل وزير يسير وفق مرجعيته الحزبية وليس الحكومية , ولا تستطيع أن تحدد من المسئول عن استمرار التردي , فجميع الرئاسات ( الجمهورية والبرلمانية والوزراء ) لا تبحث في إيجاد آلية اتخاذ قرار لصالح تكامل بناء الدولة , وخلق نظام محدد مثل بقية شعوب الأرض , بل الجميع يلهث وراء استثمار سلطته واستنفاذ حدود الممكن من فوائدها . وهذا التضييع لتحديد المسئول عن استمرار هذا الوضع , وجدته القيادات السياسية المتنفذة الوسادة التي يتكئون براحة عليها , وهي الوسادة المحشوة بالمحاصصة الطائفية والقومية .

من جانب آخر ان الشعب التونسي يوحده الوطن الواحد , والصراع الطبقي الحاد , والتجربة السياسية المشتركة , وأحزاب مشهود لها وطنيتها , وجميعها أسس حقيقية لنجاح الانتفاضة . اما في العراق فلا توجد وحدة وطنية , وقبل سقوط النظام كان هناك عراقان , الأول عربي والآخر كردي , وبعد إزاحة النظام أصبح الولاء للطائفية والقومية والعشائرية والمناطقية وكل الدويبات التنظيمية , والصراع الطبقي الذي هو بوصلة تحديد معالم المجتمع , غاب عن العراقيين منذ ان غيبت الدورة الاقتصادية الوطنية في زمن النظام الفاشي , واستمرت الحكومات التي أعقبت صدام على ذات النهج بالاعتماد فقط على واردات النفط , تتصرف بتوزيعه بين رواتب منتسبي الدولة , ومساعدات عينية بائسة لا تتجاوز الحصة التموينية , والباقي ينهب , دون الالتفات لتطوير أية منشأة وطنية .

الأرقام التي طرحها الأستاذ موسى فرج في سلسلة مقالاته الأخيرة , ليست مرعبة بحجم النهب والاختلاس فقط , بل الأكثر رعبا الانحدار الرهيب الذي سقطت فيه اغلب القيادات السياسية العراقية , والتي لا تجد مخرجا من هذا السقوط الأخلاقي الا بزيادة تلوثها والإصرار على الاستمرار في المحاصصة , باعتبارها الطريق الأسلم لسلامتها.

وإذا كانت طلائع الشعب التونسي هم من خريجي الجامعات والمثقفين الذين يبحثون عن نور الحرية والحياة الكريمة , فان ( طلائع ) العراقيين أصبحت تعد الأيام , وتحصي المناسبات , للخروج مشيا على الأقدام من البصرة ومناطق ابعد للوصول الى المراقد المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء , وكأن ألائمة الأطهار لا تمجد مآثرهم الا بهذا المسير وضرب القامات , ونحن فخورون باحدى الشركات الصينية التي شاركتنا في إحياء ذكرى أربعينية الحسين عليه السلام , حينما نصبت خيامها على الطريق بين الديوانية والحلة وهي توزع الأكل والشربت والبخور وطين الخاوة , نحن مشغولون باللطم والعزيات , ولا مجال عندنا لسفاسف الآخرين , نحن على ثقة بمراجعنا الدينية والسياسية , وصدق سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد مقتدى الصدر عندما قال : العراقيين يمتلكون نظرة عقلائية , لا تهمهم الحياة الدنيوية بل الحياة الأخرَ وية .

 

 

free web counter