| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي

 

 

 

السبت 13/10/ 2007



الشربة حمودي

عزيز العراقي
Ziziiraqi@yayoo.com

الشربة أو [التُنكَة] وعاء دائري من الفخار يكون عريض من الوسط , وفتحته الدائرية العليا التي يسكب منها الماء توازي نفس مساحة قاعدته المغلقة . ويستخدم لتبريد الماء سابقاً , اي قبل استخدام الثلاجات , حيث يترشح الماء من مسامات الفخار ويبرد الجدار الذي يبرد الماء في داخلها . وهي من أعمال حرفة الكوازة القديمة التي تنتج ايضاً , الحبانة , الحب , البستوكَة , وطبلات الايقاع [ الدنبك ] الذي تغلق فوهته العريضة بجلد الخروف او السمك .
وعائلة شربة من العوائل العريقة المعروفة في منطقة الفرات الأوسط , وبالذات في منطقة النجف والحلة , والفنان حمودي شربة ينحدر من هذه العائلة في فرعها الحلي . وحمودي شربة فنان غنائي يجمع بين الغناء والتلحين والعزف على عدة آلات موسيقية , ابرزها العود والايقاع , ولكن ليس على [الدنبك] الفخاري , بل الخشبي .
في بعض الأحيان تجد ان اللقب العائلي يتجسد في تكوين احد افراد الأسرة , وحمودي شربة من النوادر التي تماثل وجودها مع عمل اللقب المهني , ومثلما تبرد الشربة الماء الذي يوضع فيها بعد عملية الترشيح , فهذا الحمودي الذي تجاوز الستين ويصر على انه مواليد 1951 لايزال يمتلك براءة الاطفال وتلقائيتها التي لاتعرف التخطيط , والانتظارات المدروسة , وما تحويه من تغيير مواقف وسلوكيات للوصول الذاتي المنشود . ولكنه المرعوب دائماً من الغدر والاستغلال , و " الأستزواج " الذي يضع نفسه فيه , مقابل نسمة عراقية طيبة واحدة تلامس الماء المترشح من شربته , وتحول مائها الى عذب الشراب .
حمودي الداهية الذي يستطيع ان يحول كل لحن واغنية يغنيها الى شذى ولوعة عراقية , وتستطيع ان تميزه من كثافة الاحساس الطاغي على باقي المكونات الاخرى للأغنية , وتحول هذا الاحساس الى طابع يكاد ان يكون لون غنائي خاص به في رهافة المشاعر , وقد يكون للبيئة الحسينية التي نشأ فيها سبب في ذلك . فعندما يغني المقام والأبوذية والزهيريات والبستات وحتى المنلوج والمربع والأغاني الحديثة , يتميز ادائه بالحزن العذب , والشفاف , ولايترك مجالاً للأستراحة أوللترهل في المشاعر .
وحمودي شربة خريج الدورات الاولى لمعهد الدراسات النغمية العراقي . وشارك في تأسيس فرقة الطريق للأغنية السياسية في بداية السبعينات من القرن الماضي وبرئاسة الفنان حميد البصري , والتي كتب اغلب أغانيهاالشاعر الغنائي زهير الدجيلي . وكلنا نذكر اغاني " تل الزعتر" و"عيني ياكمرية" و"حبينه كل الورد والأكثر القداح" و"هله بيك هله " التي حولت الى اغنية رياضية , ثم حورها احد المغنين المرتزقة للتقرب من صدام , والكل يعرف انها للأحتفاء بعيد ميلاد الحزب الشيوعي العراقي . وعشرات الأغاني التي رددتها الجماهير العراقية في تلك الفترة .
وبعد الهجوم على الشيوعيين والذي وصل ذروته عام 1979, أضطر حمودي حاله حال الكثير من الديمقراطيين والشيوعيين لترك العراق وليبدء رحلة المنافي القاسية , والتي امتدت لحد الآن . وفي بداية هذه الرحلة عاد الى كردستان العراق ليساهم في بناء قوات الأنصار الشيوعيين , ويشكلوا فصيل للفنانيين ومن بينهم الملحن الكبير كوكب حمزة , والمخرج المسرحي الشهيد كاظم الخالدي , والشهيد المسرحي ايضاً شهيد عبد الرضا وآخرين .
طيلة فترة المنافي بين اليمن ولبنان وسورية وأخيراً السويد ساهم حمودي في اغلب الفعاليات الموسيقية والغنائية التي تمجد العراق وحركته الوطنية , والتي احياها الفنانون العراقيون المنفيون مثل حميد البصري وكوكب حمزة وجعفر حسن وسامي كمال وكمال السيد وغيرهم ممن رفعوا راية العراق عالياً . وفي السويد تمكن حمودي مع بعض الفنانيين العراقيين والسويديين من تشكيل فرقة غنائية مشتركة دعيت لأحياء حفلاتها في الكثير من المدن الأوربية , وكانت الأصوات النسائية السويدية – والتي تمكن حمودي بعد جهود كبيرة من تطويعها – لتأدية اغاني بغدادية صرفة مثل " جي مالي والي " و"يازارع البزرنكوش " و"واكف على المسعودي " , وغيرها من الالحان التي اذهلت الجمهور الذي تفاجئ برقة الأصوات النسائية السويدية وهي تتغنى بمفردات بغدادية خالية من اللكنة , وبمشاعر تقارب الأداء العراقي .
حمودي لايزال يعتقد ان الأنسجام مع الضمير اهم مافي الوجود , ويخالف الكثير من زملائه , وبالذات من الأجيال الحديثة , بأن الحياة بدون صدق وأمانة لايمكن ان تعاش , وطريق الوصول لتحقيق الذات الحقيقية لايمر الا عبر بوابات الأنتماء الوطني , وبما يخدم الآخرين . والغريب , ان الكثير من المبدعين العراقيين تم تكريمهم من قبل الجاليات العراقية في المهجر , وبعضهم تم الأحتفاء به عدة مرات وفي مدن كثيرة , وحمودي شربة لم يكرم لحد الآن حتى في المدينة التي يغترب فيها" كوتنبرغ " السويدية , رغم وجود جالية عراقية كبيرة فيها , ونادي ثقافي للديمقراطيين أقام عدة اسابيع ثقافية عراقية خلال السنوات الماضية .

 


 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس