| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عزيز العراقي
zizi.iraqi@yahoo.com

 

 

 

                                                                                    السبت 10/3/ 2012



العراق والأزمة المستدامة

عزيز العراقي

"التنمية المستدامة" الطريق الاستراتيجي الذي تعتمده الدول الحديثة للعبور والتواصل مع التقدم الهائل للمجتمعات المتطورة الحالية , وهي البديل عن الخطط الزمنية المحددة مثل الخطط الخمسية , او خطط الأحزاب التي استلمت السلطة نتيجة الانقلابات العسكرية , وأرادت أن تجد لها عبقرية بين حركات التاريخ , فافتعلت مواقف مجنونة او فاشية مثل الخطط الانفجارية لصدام ,او الثورات الثقافية , أو الطريق الثالث لكتاب القذافي الأخضر. وإذا كانت الحرب الباردة بين الرأسمالية والاشتراكية قد أوجدت مساحة كبيرة لتجريب ابتكارات في التسلط , فان انتصار الرأسمالية أنهى اغلب هذه الافتعالات التي تدعي الحفاظ على مصلحة الشعب وفي جوهرها الاحتفاظ بالسلطة فقط . وهذا لا يعني انتهاء الأحزاب والحركات السياسية التي تربت في ذلك الصراع على التآمر, قد استجابت لعناوين الصراع الحالية التي أخذت أشكال تثبيت النظام الديمقراطي , أو إقرار حقوق الإنسان , أو الاعتراف بالتنوع القومي والديني ..الخ .

الأحزاب العراقية المتنفذة حاليا , وجدت نفسها تتسلم أدوارها من المخرج الأمريكي الذي تولى إزاحة النظام السابق , وفق لوائح وهيكلية تم إعدادها في مختبرات بعيدة عن المصلحة الوطنية , ولكنها كانت مقنعة للعراقيين المتعطشين للحرية الذين غيب وعيهم لما يقارب الأربعين عاما , عندما جرى التمرين المشوه والناقص لاختصار الديمقراطية بالانتخابات , وإقرار الدستور الكسيح الذي لا يستطيع ان يوقف الحياة السياسية العراقية على رجليها . وداخل هذا الإطار ( المصنع ) من الديمقراطية والتحضر , رسمت داخله الألوان الفاقعة , والأحداث الدموية للوحة العملية السياسية , وفق أساليب التخفي والخداع وعدم الثقة واقتناص الفرص التي رافقت تشكل هذه الأحزاب في عملها السابق .

الأحزاب العراقية التي لم تتمكن من الحصول على الانفراد بالسلطة وفق أشكال الصراع السابق , طبّعت نفسها على التكّيف لشروط استمرار بقاءها , وتغيير جلدها وجعله أكثر نعومة دون المساس بنزعتها المتجذرة في الاستئثار بالسلطة والجاه والمال . وبدل الشعار الاستراتيجي " التنمية المستدامة " التي تعتمده الدول الحديثة , وجدت الأحزاب العراقية في شعار " دوامة ألازمة المستدامة " البديل المقبول لمشاغلة الإطار المشوه للهيكل السياسي الحالي , ويفي بإشباع – قدر المستطاع –للنزعة المتجذرة في الاستئثار . وبات الصراع على السلطة هو العنوان الوحيد لنشاط هذه الأحزاب , بعد ان تركت وراءها شعارات احتياجات الناس , وأسباب تضحيات شهدائها , بمسافات لا تستطيع رؤيتها حتى ولو التفتت الى الخلف .

المالكي وحزبه وقائمته , لا يختلفون عن الآخرين , الا انه وجد نفسه يقود الشاحنة التي لا تستطيع ان تسير قدما واحدة بدون النفط , وهو الذي لم يقد في حياته دراجة هوائية . ولو اقتصر الوضع على المالكي وجماعته لامكن تبديل السائق , ولكن جميع ركاب الشاحنة سواء من جلسوا في صدرها من أعضاء حزبه , او من الذين يجلسون في باقي خاناتها من أعضاء قائمته أو من القوائم الأخرى , وصولا الى ( ام الشواذي ) , يشتركون جميعا في خلق وإدامة هذه الدوّامة . ويعتقدون ان الأزمات هي مفتاح الحصول على المكاسب الشخصية والحزبية , وهو ما أصبح همهم الوحيد .

لقد نجح المالكي وفق فرض خلق الأزمات , ان ينفرد بالزعامة السياسية لهذه المرحلة , وبات الجميع يدورون حوله , بما فيهم غريمه الأقوى زعيم القائمة العراقية علاوي , الذي تراجع عن دوره الأساس في المسرحية الى عامل ديكور , يبدل هذا الكالوس بكالوس آخر , او يهدد بإسقاط الديكور كاملا . وهو التهديد الذي يدرك كذبه جيدا المالكي والآخرون , ويدركون أيضا, ان الجميع مكشوفون في أجندتهم الشخصية . وإذا كان مشهد القائمة الكردية ليس بوضوح المشهد السياسي في بغداد , لتصدر الأخير واستحواذه عل كامل الصورة , إضافة لاحتفاظ الكردستانية بوضوح لافتتها القومية , الا انها ليست بعيدة عن صراع الأجندات الشخصية والحزبية فيما بينها . والجميع أسرى ألوان وخطوط هذه اللوحة السريالية , التي بات حتى رسامها الأمريكي لا يعرف معناها .



 

 

free web counter