| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. علي إبراهيم

 

 

                                                                                      الخميس 27/9/ 2012

 

 أعيدوا الحياة لشارع الرشيد بدلا من قتلها في المتنبي

د. علي إبراهيم

عندما سمعت بالإجراء التعسفي الذي قامت به أمانة بغداد أخيرا في شارع المتنبي، حيث حطمت كل المساند التي تعرض عليها الكتب كل جمعة وبشكل أخف في باقي أيام الأسبوع دون سابق إنذار... تذكرت مقولة  الوزير النازي غويلز الشهيرة " عندما أسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي".

في العالم كله هناك شوارع عريضة للسابلة فقط، تعج بالناس المتسوقين والمتنزهين تلوح على وجوههم الفرحة والسعادة وكأنهم زهور متفتحة تضيف للمكان جمالا ورونقا... فهي تعد فضاءات جميلة للراحة والتبضع، ولاحظت في أكثر من دولة متحضرة توجد شوارع خاصة بالكتب والمكتبات. وآخر شارع رأيته في بونا إحدى المدن الهندية القريبة من بومباي  فقلت في نفسي هذا الشارع يشبه المتنبي، ربما هم أيضا أطلقوا عليه اسم أحد شعرائهم. وذاكرة كل مثقف عربي زار العراق لا يمكن أن تنس شارع المتنبي، الذي أصبح وبجهد غير حكومي يزهو بأنواع المصادر الأدبية والعلمية والتاريخية... واستنساخ الكتب القيمة النادرة وبالفعاليات الثقافية والنشاطات المطلبية واللقاءات بين أدباء ومفكري العراق كذلك الأدباء الزائرين من بلدان عربية وأجنبية مختلفة يتبادلون  المعلومات  والتجارب، يتواصلون إنسانيا وثقافيا. ونحن أساتذة الجامعة لا نفوت فرصة زيارة المتنبي عائدين بحزمة من المصادر والمراجع الثمينة، كما نحث طلبتنا الأعزاء في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه على زيارته. ونقول لهم :إن بحوثكم لا تكتمل ما لم تتزودوا من المتنبي بما يفيدكم من كتب حديثة أو قديمة، وكم كان يفرحني حين ألتقي بطالب أو طالبة من طلبتنا وهم يحملون كتبا عديدة وثقيلة، وبعضهم يتجشم عناء السفر من محافظات بعيدة بحثا عن كتاب بعينه أو عن كتب ليست متوافرة في مدينتهم.

وكم أحزن عندما أمر بشارع الرشيد وأراه قد فقد جماليته، وهو الذي يشكل جزءا كبيرا من ذاكرتنا حيث كنا نقطعه مشيا من باب المعظم إلى باب الشرجي من جهة اليسار ونرجع في الرصيف الآخر دون أن نشعر بملل أو حر أو برد فقد كان يعج بالمحال والمقاهي والمطاعم والسيارات والمارة تنبعث برودة من كل دكان فتخفف من حر الصيف، لكنه الآن فارغ حزين مهجور تحولت محلاته إلى مخازن مغلقة ، فصار شارع أشباح يذكرك بالمقابر... أما كان  الأجدر بأمانة العاصمة أن تعيد الحياة لهذا الشارع التراثي بدلا من أن تقتلها في شارع المتنبي؟ أليس غريبا أن يتعرض شارع المتنبي لهجوم إرهابي وآخر من جانب سلطات الدولة؟. كيف يتحقق مسعى واحد لجهتين متناقضتين، كما هو معلن وكما ينبغي !؟ ما لم تجمعها خلفية فكرية واحدة، هي القضاء على الصوت الآخر وعلى العلم والثقافة، وإن اختلفت الحجج والمشارب والأساليب. ومن يرفض هذا المنطق عليه أن يبحث عن سلوك آخر يميزه.              

 

free web counter