| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي إبراهيم

 

 

 

الجمعة 26/12/ 2008

 

الاتفاقية العراقية - الأميركية وصلح بريست التعيس

د. علي إبراهيم

لا أميل كثيرا إلى المقولة القائلة بأن التاريخ يعيد نفسه وهناك من يؤمن بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين الأولى على شكل مهزلة والأخرى على شكل مأساة .على الرغم من أن هذا القول يتحقق في أحايين كثيرة، لأني أومن بأن الظروف الموضوعية والذاتية هي التي تخلق الأحداث، ولكل حدث مكانه وزمانه، وإذا كان هناك تكرار فهي نتيجة تشابه لتلك الظروف، خطرت ببالي هذه الفكرة وأنا أقرأ الاتفاقية الأمريكية - العراقية ، وخطرت ببالي المساومات في التأريخ الإنساني وأذكر منها مساومة نبي المسلمين في صلح الحديبية حينما اضطر أن يمحو صفته المقدسة لقاء الصلح مع قريش " دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. فكتبها، ثم قال: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل:لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب. هذا ما صالح عليه محمدُ بن عبد الله، سهيلَ بن عمرو. فرفض علي أن يمحو كلمة رسول الله بعد ما كتبها، فمحاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه." [متفق عليه].

وتذكرت فكرة المساومة في صلح بريست الذي وصفه لينين بـ "الصلح التعيس" و" الصلح المرهق للغاية " فأعدت قراءة ما كتبه هذا الرجل العظيم عام 1918 وأجريت مقارنة، الغاية منها معرفة مقدار التنازل الذي يقدمه الساسة مقابل تحقيق غايات نبيلة تصب في مصلحة أوطانهم وشعوبهم،على الرغم من أن الفارق كبير بين التجربتين،
فالسلطة البروليتارية في روسيا تختلف عن السلطة عندنا، حيث الأولى كانت واضحة في أهدافها الإستراتيجية ولذا لديها القدرة على إنتاج تكتيكات تصب في خدمة إستراتيجيتها، أما السلطة عندنا فليس لديها إستراتيجية واضحة وبالتالي تكتيكاتها ذات طابع نفعي وليس لخدمة إستراتيجية ما.هذا إذا تجاوزنا القاعدة عند بعض المناطقة التي تقول: لا يجوز مقارنة ما لا يقارن، ومع ذلك أجريت مقارنة بين الحدثين مركزا على فكرة (المساومة) فوجدت :

1- أن الشعب الروسي ملتف حول حكومته ، ولذلك كان نجاح الثورة الاشتراكية مضمونا .
بينما نرى قوانا الوطنية غير مستقرة، تعيش حالة من الفرقة والتشظي، فالكيانات الحاكمة منقسمة على نفسها حيث وصلت الفرقة والتبعثر إلى الكيان الواحد .

2- كانت في روسيا حرب أهلية قادتها " المقاومة المسعورة من قبل الطبقات المالكة ، لكن النصر كان مضمونا للسلطة السوفتية .
وعندنا ما يسمى بـ " المقاومة" تقودها القاعدة وبقايا حزب البعث، وكل الحالمين بعودة النظام البائد، وعلى الرغم من الضربات القوية التي وجهت لها ، لكن ذيولها باقية ، ولم يتحقق النصر النهائي عليها .وهي تتربص وتترقب الفرصة السانحة للانقضاض على السلطة . وقد يحصل هذا في حالة الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية وغيرها من القوات الأجنبية.

3- (النشاطات غير الحربية ، لعملاء البرجوازية المتسربين إلى صفوف الاشتراكيين لكي يهلكوا قضيتهم ، هذه المقاومة قد تكشفت على درجة من العناد والقدرة على ارتداء أشكال في غاية التنوع ، بحيث أن النضال ضدها سيطول حتما ... من دون النصر الحاسم على هذه المقاومة السلبية والمستوردة من جانب البرجوازية وأنصارها ، يستحيل نجاح الثورة الاشتراكية ).

وفي عراق اليوم تغلغل الورائيون في مؤسسات الدولة ، وأخذوا مواقع مهمة في أجهزة الأمن والجيش والشرطة وصار لهم تأثير كبير في الوضع الجديد ، في ظل غياب الرقابة واجتثاث المرتبطين بالنظام البائد وفلوله؛ من المتربصين للانقضاض على السلطة من جديد، أولئك الذين يرتبون أوضاعهم،مستغلين الثغرات في العملية السياسية، والأخطاء، منتظرين اللحظة المؤاتية ،بحصول فراغ أمني، يمكنهم من العودة لإيقاف عجلة التطور الديمقراطي، ولذلك تقع مسئولية كبيرة على الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات الذين قارعوا النظام السابق وقدموا التضحيات، وكل المخلصين للعراق الموحد الفدرالي المزدهر، في ظل ديمقراطية حقيقية، تقع على هؤلاء جميعا – وبخاصة أصحاب القرار- مسئولية درء الردة،ومنع العودة إلى المربع الأول .

4- (كان لينين يحتاج إلى وقت لا يقل عن بضعة أشهر ، لكي تكون يدا الحكومة الاشتراكية مطلقتين كليا لأجل إحراز النصر على البرجوازية في بلدها بالذات أولا ، ولأجل القيام بعمل تنظيمي جماهيري واسع وعميق ).
قدم لينين مساومة كبيرة وهو يحتاج إلى بضعة أشهر ، وضع العراق الحالي يحتاج إلى بضع سنوات لكي يستطيع بناء مؤسساته على أسس وطنية صحيحة وبخاصة مؤسساته العسكرية (الجيش والشرطة وأجهزة الأمن المختلفة ) لكي يتمكن من السيطرة على الوضع الأمني الداخلي وحماية حدوده الدولية والتمكن من أعداء التطور الإعمار والديمقراطية.

5- صلح البرست التعيس منفرد والحاقي وشروطه قاسية ، فهو (يفرض على روسيا أن تسلم جميع الأراضي التي احتلتها، مقابل احتفاظ الألمان بجميع الأراضي التي يحتلونها وتفرض عليها غرامة حربية بحجة إعادة الأسرى تبلغ ثلاثة مليارات روبل مع تقسيط الدفع على بضع سنوات).
الاتفاقية العراقية – الأمريكية تقضي بخروج المحتل على وفق جدول زمني لا يتجاوز نهاية 31/12/2011، وتخرج القوات الأمريكية من المدن والقصبات حتى نهاية 31/6/ 2008 . وإذا كانت ألمانيا تحتل جزء صغيرة من روسيا ، فإن أمريكا ، تحتل البلد بكامله ، وإذا كانت روسيا تمتلك جيشا مجربا خاض حربا طاحنة مع ألمانيا، فان جيشنا مازال حديث التكوين، لم يؤسس كما تقتضي الوطنية، إذ ينبغي أن يكون جيشا لكل العراقيين ومن كل العراقيين، جيش تعوزه العقيدة العسكرية كما يعوزه التدريب والتأهيل والسلاح المتطور، ونظام الرتب، المبني على أساس الكفاءة ،لا على أساس الولاءات الحزبية أو الطائفية أو غيرها .

6- يقول لينين " إن الحكومة الاشتراكية في روسيا تواجهها مسألة تتطلب حلا عاجلا ، لا يقبل التأجيل : أنقبل هذا الصلح الالحاقي أم نشن حربا ثورية ؟ ومن المستحيل هنا من حيث جوهر الأمر أي حل وسط ، ولم يبق من الممكن اللجوء إلى تأجيل لاحق، لأن سبق لنا وفعلنا كل ما هو ممكن وغير ممكن من أجل تطوير المفاوضات بصورة مصطنعة."
وفي العراق وضعنا أمام خيارين " أحلاهما مر " أما الاتفاقية وأما إعادة الاحتلال مرة أخرى، والتأجيل غير ممكن، وقد يبرز مفاجئات مدمرة، وقد سبق وأن أجلناه سنة واحدة ، دون الإفادة من عامل الزمن . ولا توجد إمكانية لشن حرب على المحتلين بسبب عدم توافر المستلزمات بكل جوانبها – موضوعية وذاتية – والأهم من هذا وذاك هو وجود حل سلمي، يجنبنا الدم والدموع والدمار الشامل في كل مرافق الحياة، وينهي مقومات الدولة .

7- كان هناك من يتهم (الاشتراكيين الديمقراطيين الروس) بأنهم سيكونون عملاء الاستعمار الألماني إذا ما عقدوا الصلح معه . ويرد عليهم لينين : " إن لم نعقد الصلح مع الألمان، فسنكون – بسبب الوضع الراهن – عملاء الاستعمار الانجلو – فرنسي " وهذه إشارة واضحة لما كانت تعانيه روسيا ، من حصار دول العالم الرأسمالي.
العراق هو الآخر يعاني اليوم من تدخلات دول الجوار إلى جانب دول الاحتلال وغيرها لذا ليس أمامنا من حل سوى أن نستعيد سيادة بلدنا برا وجوا وبحرا. السيادة المنتهكة من قبل تلك الدول،كما هي منتهكة من قبل المحتلين. وطريق إعادة السيادة هو عقد اتفاقية مع المحتل بأقل التنازلات وبأعلى المكاسب لصالح الوطن،أما أولئك الذين يتهمون الوطنيين بالعمالة، أراهم في واد ومحنة الوطن في واد آخر.

 

free web counter