| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. علي إبراهيم

 

 

                                                                                      الأحد 1/4/ 2012

 

قانون محاربة الشيوعية بين الأمس واليوم

د. علي إبراهيم

منذ تأسيس الدولة العراقية والموقف الرسمي واحد من الحركة الشيوعية في العراق، بسبب الموقف الثابت لهذه الحركة من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، سواء تمثل هذا الاستغلال بحكومة (وطنية) أو (عميلة) أو بحزب (بأي ثوب) أو بطبقة (الرأسمالية والإقطاعية). إذن جوهر القضية هو الموقف من الاستغلال. وبما أن نخبة المستغِلين تمتلك السلطة أو الدعم الخارجي أو المال، وبما أن الحزب الشيوعي لا يمتلك سوى دعم المستغَلين من عمال وفلاحين وفقراء ومثقفين ثوريين إلى جانب امتلاك الوعي والحس الطبقيين، والقدرة على التجميع والتحريض والمطالبة بالحقوق الشرعية لهذه الطبقات والفئات، وبما أن هذا النضال وهذه المطالب ضد مصلحة القوى المتنفذة الطبقية والسلطوية، فقد صار الحزب هدفا لها، تتفن بإذائه: من خلال سن القوانين الجائرة، أو بالتصفيات خارج "القوانين" عن طريق المرتزقة والخارجين عن القانون، أو بتضليل الجماهير عن طريق توظيف "الدين" أو "الأعراف العشائرية والاجتماعية" بعد حرفها عن اتجاهها الأخلاقي الصحيح .

وقد صار هذا السلوك نهجا لكل من استلم السلطة بالعراق بمن فيهم أولئك الذين عانوا من بعض الاضطهاد والتعسف على يد الأنظمة التي سبقتهم.. وعلى سبيل المثال: فقد صدر في العهد الملكي قانون يحرم الشيوعية في العراق هذا نصه: " نحن ملك العراق وبموافقة مجلس الأعيان والنواب أمرنا بوضع القانون الآتي :- مادة 1، 1- يعاقب بالأشغال الشاقة أو الحبس مدة لا تزيد على سبع سنين أو بالغرامة أو بهما كل من حبذ أو روج بإحدى وسائل النشر المنصوص عليها في المادة 78 من هذا الـ (القانون) أيا من المذاهب الاشتراكية البلشفية الشيوعية والإباحية وما يماثلها التي ترمي إلى تغيير نظام الحكم والمبادئ والأوضاع الأساسية للهيئة الاجتماعية المضمونة بـ (القانون) الأساسي. "

فنلاحظ التضليل الاجتماعي (الديماغوجي) وكيف يجمع بين الاشتراكية والشيوعية ذات المبادئ السامية الرامية لبناء مجتمع العدالة والمساواة والانتصار لضحايا الاستغلال من عمال وفلاحين والمظلومين كافة، والدفاع عن المرأة وحقوقها  وبين الإباحية والفوضوية بهدف خلط الأوراق. ولكن النابه لا يفوته أن هؤلاء ليسوا حركة سياسية تسعى لإصلاح المجتمع وبنائه على أساس العدالة والتقدم الذي هو هدف الشيوعية.

لقد تصدى يوسف سلمان يوسف (فهد) لهذا القانون أثناء محاكمته مدافعا عن الحزب والحركة الشيوعية قائلا بجرأة متناهية :" لقد انغمرت في النضال قبل أن أكون شيوعيا، وبعد أن صرت شيوعيا فلم أجد ما ينافي أو يتمايز ومعتقدي الوطني سوى أنني صرت أشعر بمسؤولية أكثر تجاه وطني وأنا شيوعي .. وفي سنة 1938 سن قانون يحرم الشيوعية (البلشفية) وهذا ما استند إليه الاتهام ليوجه ضدي وضد الحزب الشيوعي العراقي تهمة بدعوى أننا نعمل لقلب نظام الحكم.. أما أنا فأقول: إننا الشيوعيين العراقيين ليس لنا هدف يتعدى تثبيت النظام القائم وحمايته... أما كون الشيوعيون في كل مكان يعملون لقلب النظام القائم، فالواقع لا يثبت صحته ففي انكلترا نظام ملكي وفيها حزب شيوعي وكذلك في الدنمارك والنرويج ... وإن قانون سنة 1938 المسمى بـ (89) آ.ق.ع.ب. حرم الشيوعية ولكن هذا القانون ميت تاريخيا لأنه سن في ظروف كانت فيها الدعايات الفاشستية المفرضة طاغيةً على كثير من أقطار العالم."

وفعلا كانت سياسة الحزب الشيوعي العراقي آنذاك هي حماية الدولة الناشئة التي تشكلت بعد رحيل الاستعمار البريطاني المباشر وكان هدف الحزب هو تطوير الديمقراطية في العراق كما نص عليه الدستور ونشرها في كل أرجاء العراق.

ولم تتخل الأنظمة المتعاقبة عن محاربة الشيوعية والذاكرة العراقية لا تنسى بيان رقم 13 الذي أصدره الانقلابيون البعثيون في 1963والقاضي بتصفية الحزب الشيوعي العراقي وبسببه أستشهد قادة الحزب: سلام عادل ومحمد صالح  العبلي وجمال الحيدري ومئات غيرهم. واستمر الإرهاب والقتل في ظل الحكم العارفي، واستفحل بعد عودة البعثيين عام 1968 وبخاصة عندما سيطر صدام حسين وأعوانه على مقاليد الحكم ومفاصله عام 1979.

واستبشر الشعب العراقي بسقوط النظام الدكتاتوري سنة 2003  وقيام العهد الجديد. وبقي يعول على رحيل المحتل معتقدا أن أواصر جديدة ستنشأ قوية بين أبناء الشعب وأحزابه الوطنية وهوياته المتعددة تجمعهم جغرافية العراق وتاريخه، في ظل نظام ديمقراطي تعددي، وحكومة مدنية عصرية ديمقراطية. ومثل هذه الحكومة لا تضيق ذرعا بالتظاهرات المطالبة بحقوق المواطنين، المتمثلة بالعمل والسكن والحياة السعيدة. إلا أنه منذ 25شباط 2011والمضايقات مستمرة، اعتقال، تعذيب، اغتيال،تهديدات. ويبدو أن كل ذلك تمهيد لعودة الأساليب القمعية القديمة، وللقوانين نفسها التي كان قد اكتوى بنارها الحكام الجدد على يد حكام العهد البائد، لأنهم ضد الصوت المعارض أو المطالب أو الآخر على مبدأ: (معي أو عدوي) لا يمكن أن تكون صديقي وتخالفني الرأي، فتلك جريمة كبرى تستحق المتابعة والمطاردة وكل أنواع القهر ولا بد من توجهات، وصدرت بعد "صبر طويل." ويا للمهزلة إذا كان المانع الأمريكان، لأنهم سيكونون أحرص من أبناء جلدتنا علينا !؟ رغم أني لا أعتقد بهذا التصور بل الأرجح عندي هو الخوف من فقدان الكرسي، وسقوط الملك والجاه والثروة وهي أسباب وراء كل قانون جائر، وكل الممارسات القمعية التي تتنافى وحقوق الإنسان... ولهذا ينبغي أن لا نستغرب عندما يصدر كتاب من جهاز المخابرات ذو الرقم 3061 في 20 /2 / 2012 (سري وشخصي) مرسل إلى قيادة بغداد ينص على: "ينوي بعض أعضاء الحزب الشيوعي تنظيم تظاهرة في يوم 25 شباط في محافظة بغداد – وفي ساحة التحرير إحياء للذكرى الثانية لانطلاق التظاهرات لذا اقتضى الأمر متابعة تحركات أعضاء الحزب المذكور أعلاه وإعلامنا بتحركات أعضائه وأسمائهم لغرض متابعتهم من قبل الجهات المعنية." ولا بد من القول إن الحزب الشيوعي حريص على تطور العملية السياسية في البلد ولم يرتبط نضاله بموقعه في الحكومة أو البرلمان، أنما هو يطبق سياسة أقرها مؤتمره الوطني الثامن الذي انعقد عام 2008 وملتزم بآليات تداول السلطة الدستورية عن طريق الانتخابات الدورية أو الانتخابات المبكرة. وهو معني بالدفاع عن معاناة الجماهير العراقية وفقا للقوانين.

أعتقد أن التوجهات التي أصدرتها المخابرات ضربة كبيرة للنظام الديمقراطي وبادرة خطيرة.                  

 

 

 

 

free web counter