| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

السبت 9/7/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

لماذا أسقطنا النظام البعثي إذاً؟

عدنان حسين

أمس، الجمعة الثامن من تموز 2011، كان يوماً رائعاً رائقاً في العاصمة بغداد وفي بلاد الرافدين كلها.. سماؤه كانت صافية وشمسه ساطعة.. حره يُطاق وغباره يُحتمل.. الناس كانوا خلاله على خير ما يرام، والأوضاع العامة لم يكدّر صفوها أي شيء.

هذا من وجهة نظر "العراقية" وسواها من قنوات التلفزيون الحكومية والسائرة في ركاب الحكومة، فبغداد العاصمة والعراق كله لم يشهدا أمس حادثاً يزعج مسؤولي هذه القنوات لكي يأمروا مرؤوسيهن ببث خبر عنه. والحادث الذي وقع بالقرب من ساحة التحرير أمس وانتهى بتعذيب ستة شبان تعذيباً مبرحاً لا يستأهل حتى إشارة خاطفة إليه حفاظاً على صفو هذا اليوم وهناء الناس فيه. ولو كان مثل هذا الحادث قد وقع في البحرين أو السعودية، مثلاً، لتراوح ترتيب الخبر الخاص به بين الأول والثالث في نشرات الأخبار في هذه القنوات، ولتكرر بثه مع لقطات أرشيفية على رأس الساعة حتى صباح اليوم التالي. فاعتقال ستة متظاهرين واختطافهم من سيارة نقل عام (كوستر) على أيدي عصابة مسلحة من 16 شخصاً بملابس مدنية بقيادة شخص يكنى بـ"الحجي" وتعذيبهم على مدى ساعتين، ما كانت فضائية "العراقية" وسائر قنوات حكومتنا العراقية والسائرة في ركاب الحكومة ستهمله وتسكت عليه لو حدث في البحرين أو السعودية مثلاً.. ما كانت هذه القنوات ستكتفي ببث معلومة الاعتقال والتعذيب، بل كانت ستضيف التعليق المُندد والتحليل المُستنكر عبر البرامج الحوارية. وكيف لهذه القنوات أن تسكت على اضطهاد إخوة في الدين والمذهب، ولو كانوا في البحرين والسعودية.
أمس اعتقلت عصابة مسلحة من 16 شخصاً بالملابس المدنية بقيادة "الحجي" ستة شبان عراقيين بعدما اشتركوا في تظاهرة ساحة التحرير.. أُختطفوا من سيارة (كوستر) ووُضعوا في سيارة مشابهة وعُذبوا تعذيباً شديداً داخل هذه السيارة طوال ساعتين (تفاصيل القصة في مكان آخر).. شخصياً رأيت واحداً منهم بعد إطلاق سراحه مباشرة.. كان يتلوى من شدة الوجع ولا يستطيع الثبات على الكرسي الذي أُجلس عليه ولو لدقيقة واحدة.. وقفت عنده وقتاً قصيراً وهو يروي القصة للزملاء، وفي مرتين سمعته يكرر القول "نفس أساليب أمن النظام البعثي".
مشهده وهو يتلوى ويتأوه وعبارة "نفس أساليب النظام البعثي"، أعادتني إلى تجربة شخصية قاسية مماثلة تماماً كانت لي مع أمن النظام البعثي.. كان ذلك في ربيع العام 1970 عندما داهمت البيت الذي كنت أسكن فيه في حي الحيدرخانة ببغداد مجموعة من ثلاثة أشخاص.. قدموا لي أنفسهم في الحال بأنهم من الأمن العامة وانه مطلوب مني مرافقتهم.. نقلوني معصوب العينين بسيارة فولكسفاغن إلى مبنى لم أعرفه في البداية ولكنني عرفت لاحقاً انه قصر النهاية.. هناك تواجهت مع المجرم ناظم كزار أكثر من مرة بعد "حفلات" تعذيب جعلتني في كل مرة أتأوه وأتلوى لساعات كالشاب الذي رأيته لبعض الوقت أمس.. ربما كان هناك بعض الاختلاف الشكلي في تعذيب جلاوزة قصر النهاية لي قبل أربعين سنة وتعذيب العصابة الأمنية أو الاستخبارية لـ"العراق الجديد" لمتظاهري ساحة التحرير أمس.. أولئك استخدموا الصوندات والسجائر المشتعلة وسواها وهؤلاء استعملوا أخماص البنادق وحرابها، لكن الجوهر هو هو والنتيجة هي هي: قمع سافر وحشية ضارية وعدوان صارخ على إنسانية الإنسان وكرامته وحقوقه، وأوجاع جسدية فظيعة وآلام نفسية مبرحة.. رضوض في العظام الداخلية وكدمات في الوجه والبطن والظهر والرجلين وسواها.
لكن ثمة فرقا كبيرا في التهمة الموجهة، فلم يجرؤ ناظم كزار وجلاوزته على اتهامي بما يُشينني .. كانت التهمة التي لم يستطيعوا إثباتها لعدم وجود أدلة قاطعة عليها، أنني شيوعي، أما العصابة الأمنية لـ"العراق الجديد" فلم تتوان عن توجيه تهمة مشينة إلى الشبان الستة المتظاهرين ضد الإرهاب والفساد والمحاصصة، وهي تهمة العلاقة باغتيالات كواتم الصوت!!
إذا كان أمن "العراق الجديد" أسوأ من أمن النظام البعثي لماذا أسقطنا ذلك النظام إذاً؟




العدد (2185) السبت 9/07/2011






 

 

 

free web counter