| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأربعاء 8/2/ 2012                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

التوافقات لا تجلب الكهرباء!

عدنان حسين 

ماذا يحدث لموظف صغير في تربية البصرة أو صحة الكوت أو بلدية الرمادي عندما تصاب طفلته بالسحايا أو زوجته بالسرطان أو والدته بالفشل الكلوي فيضطر إلى الانقطاع عن الدوام في دائرته أياماً وأسابيع وحتى أشهراً؟
هذه ليست أحجية ولا معادلة رياضية معقدة.. فالموظف المتغيّب تُخصم غياباته من أيام إجازته السنوية فإذا تجاوزها حُجب عنه الراتب..

هذا قانون عالمي مُطبق في اليابان كما في أميركا، وهو قانون مطبق في العراق أيضاً على موظفي الدولة وعمال القطاع الخاص ويشمل الموظف في تربية البصرة أو في صحة الكوت أو في بلدية الرمادي سواء بسواء.
ثمة استثناء فريد في نوعه من هذا القانون العالمي يوجد هنا في بلادنا، وبالذات في الهيئة المسؤولة عن تشريع القوانين ومراقبة تطبيقها، فمجلس النواب يمنح عملياً أعضاءه الحق في عدم الدوام متى شاءوا حتى لو دام غيابهم أشهراً، مميزاً نفسه في هذا عن كل برلمانات العالم وعن كل دوائر الدولة في العراق وخارج العراق.
كيف؟ وبأي حق يُدير النواب ظهورهم للبرلمان وجلساته فيعطّلون تشريع القوانين التي يحتاج إليها الناس في حياتهم اليومية، ويؤخرون إقرار الموازنة العامة فيصيبون الحياة بالشلل كما حصل أخيراً؟
لا يوجد أي حق أو قانون أو ضابط أو رابط لهذه الاستهانة المفرطة بالشعب ومصالحه وحقوقه من قبل من يُفترض أنهم نواب الشعب الذين انتخبهم للسهر على خدمته بتشريع القوانين اللازمة لتأمين الحياة الكريمة له، وليس الانصراف إلى مصالحهم الشخصية والحزبية.
مقرر مجلس النواب، النائب محمد الخالدي، أقرّ بأن عددا غير قليل من النواب لا يواظب على الحضور إلى البرلمان، حتى ان بعضهم لم يحضر سوى ثلاث مرات أو أربع على مدى أكثر من سنة، لكن "التوافقات السياسية" تمنع رئيس المجلس من القيام بواجبه في فصل هؤلاء النواب تطبيقاً للنظام الداخلي، ولفت إلى أن "التوافقات السياسية عطّلت التصويت على كثير من القوانين المهمة للعراقيين، وباتت اليوم أكبر من الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب".
التوافقات السياسية تمنع محاسبة النواب المقصّرين حتى في أبسط واجباتهم والتزاماتهم. لكن ليس هذا كل شيء، فهذه التوافقات، قبل ذلك، تسمح بدخول من لا يستحق ولا يستأهل إلى البرلمان طمعاً في المال والنفوذ والسلطة .. والتوافقات تجعل من إرهابيين قتلة نواباً ووزراء.. والتوافقات ترفع فاسدين ومفسدين ومزوري شهادات إلى مستوى يكونون معه وكلاء وزارات ومدراء ورؤساء مؤسسات وسفراء ومحافظين... الخ. والتوافقات تمنح الوظائف الجديدة لمنتسبي الأحزاب المتوافقة ومرتزقتها وتمنعها عن الشباب الكفء العاطل عن العمل منذ سنوات.. والتوافقات ترسي العقود على الأتباع والأزلام وتحجبها عن ذوي الكفاءة والخبرة الأمناء.
والتوافقات السياسية تَحول دون محاسبة المقصّرين والفاسدين من المسؤولين، وتُعيق مثولهم أمام القضاء.
التوافقات السياسية في بلادنا تفعل الغرائب وتأتي بالأعاجيب، لكنها لم تستطع أن تجلب للناس شيئاً بسيطاً اسمه الكهرباء التي اكتشف الإنسان وجودها منذ آلاف السنين وولّدها بنفسه منذ قرنين!
 

المدى
العدد (2388) الأربعاء 8/2/2012



 

 

free web counter