| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

الأربعاء 2/3/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

لمَ كل هذا الهلع من الإعلام؟

عدنان حسين

الحكومة هلِعة من الإعلام.. بالمستوى نفسه، أو أكثر، لهلعها من البعث والقاعدة.. هذه حقيقة ساطعة كالشمس في رابعة النهار، بحسب التعبير الكلاسيكي.ومن فرط هذا الهلع لم يتردد الضباط والجنود الذين كلفوا بحماية متظاهري الجمعة من ملاحقة الإعلاميين واعتقالهم وإهانتهم وتعذيبهم على الملأ في وضح من دون تردد أو استحياء.. في مطعم على قارعة طريق عام لحي شعبي بالعاصمة بغداد، ليكون المشهد الدرامي فرجة للعالمين من رواد المطاعم والمقاهي والمتبضعين في الدكاكين والأسواق وعابري السبيل من المشاة على الأرصفة!!

كان النظام المقبور يحرص على أن تجري عملياته القذرة من هذا النوع في جوف الليل في الغالب، من دون صخب أو صلف علني كالذي جرى على أيدي قوات النظام "الجديد" في حي الكرادة عصر يوم الجمعة الماضي، يوم المظاهرات.. وقبله في صباح اليوم نفسه عندما أُقتحمت مكاتب قناة "الديار" الفضائية وأتلفت أجهزتها ومعداتها وهي تبث على الهواء مباشرة!!

من يُبلغ حكومتنا الرشيدة بان حربها على الإعلام لن تحقق لها النتائج التي أثمرت عنها حربها الوطنية العادلة على البعث والقاعدة والميليشيات وعصابات الجريمة؟. من يُرشدها إلى أن الحرب على الإعلام خاسرة مهما كانت مدرعة.. في العراق وفي أي مكان آخر من العالم؟.. من يُشر لها بالأصابع إلى الأمثلة الحية القريبة للغاية في تونس ومصر وليبيا؟

ما من مبرر وما من مسوغ وما من داع لكل هذا الرهاب والذعر الحكوميين من قناتين أو ثلاثة بعثية أو قاعدية لم يكن منتظرا منها ولا مفترضا فيها إلا أن تعادي انتقال العراق إلى الديمقراطية.
ربما يشعر الكبار في حكومتنا الكبيرة (في عدد وزرائها ونواب رئيسها ومستشاريها)، وهم يتفرجون على برامج القناتين أو الثلاثة ويقارنونها ببرامج قنوات الحكومة، بان "الإعلام المعادي "قوي.. هذا تقييم خاطئ تماما، فالإعلام المعادي ليس قويا.. انه ضعيف في الواقع بالرغم من قوة تمويله، فنقطة ضعفه الأساسية انه يدافع عن ويروج لقضية غير عادلة، وفي أن العراقيين، بخلاف ما تظن الحكومة، "مفتحين باللبن"، يعرفون الغث والسمين ويدركون مرامي قنوات الإعلام المعادي وأحلام العصافير لمموليها.. وشعارات مظاهرات يوم الجمعة الماضي قدمت دليلا جديدا على هذا.

اطمئني يا حكومة.. الإعلام المعادي ليس قويا، وإذا كانت ثمة مشكلة فهي في إعلام الدولة الضعيف.. بل الفاشل على الرغم من تمويله القوي. وأول وأكبر أسباب هذا الفشل انه تحوّل إلى جهاز حكومي للدعاية. وهو لا يمكن إلا أن يكون فاشلا ما دام- كما في الكثير من مؤسسات الحكومة بما فيها وزارات- يدار من جهلة لا يعرفون في الإعلام والدعاية ولا يفقهون في فن وعلم الاتصال بالجماهير.. كفاءاتهم طائفية أو قومية أو عشائرية وخبراتهم حزبية وشهاداتهم محاصصية.

في بريطانيا، مثلا، لا تملك الحكومة ولا أي حزب من أحزابها أو أحزاب المعارضة قناة تلفزيون أو محطة إذاعة أو صحيفة.. هناك فقط بي بي سي الممولة من المجتمع والمؤسسات الإعلامية الخاصة.. وهذه كلها أكبر صديق للدولة البريطانية وللمجتمع البريطاني. وهي كذلك بالنسبة للحكومة البريطانية، سواء كانت عمالية أو محافظة أو ليبرالية ديمقراطية، عندما ترضي هذه الحكومة المجتمع، وبخلافه تتحول هذه المؤسسات الإعلامية، وأولها بي بي سي، إلى أكبر ناقد للحكومة.. من أجل أن تُرضي المجتمع.. وفي ظل هذا، وليس في ظل سيطرة الحكومة على الإعلام، بقيت بريطانيا أعرق وأهم ديمقراطية في العالم.

لكي يكون للدولة العراقية إعلام قوي يؤثر في المجتمع ويحشر الدعاية المعادية في الزاوية، ولكي تجد الحكومة إن الإعلام صديق لها وللدولة العراقية والمجتمع العراقي، على حكومتنا أن ترفع أيديها عن مؤسسة الدولة الإعلامية، فبهذا ستنفتح أبواب هذه المؤسسة لكي يخرج منها موظفو المحاصصة ويدخل إليها أهل الحرفة الأكفاء المؤهلون ذوو الخبرة المهنية، وهم كثيرون للغاية... وبخلافه فالأفضل للحكومة والدولة العراقية والمجتمع العراقي أن تُنفق أموال الإعلام الحكومي على الكهرباء والحصة التموينية والصحة والتعليم ونظافة الشوارع ومد ّالمجاري.


المدى - العدد (2059) الخميس 03/03/2011

 

free web counter