| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الخميس 2/8/ 2012                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

أرانب ألمانيا وبشر العراق

عدنان حسين   

اثنان من مدمني المخدرات يتسللان إلى روضة أطفال في عمق الليل ويسرقان أرنبين من قفص في حديقة الروضة، ثم يذبحانهما ويشويانهما ويلتهمانهما بالكامل مع ما جلباه معهما لهذه المناسبة، وهو أصابع بطاطا مقلية وفلفل أخضر وخبز.

الحادث وقع في ألمانيا، ونشرت تفاصيله غير المملة الصحافة المحلية والوطنية وتداولتها محطات التلفزيون المحلية والوطنية والمواقع الإلكترونية. لكن وسائل الإعلام هذه لم تنشر الخبر وتفاصيله في صفحات وبرامج المنوعات وانما هو تصدّر صفحاتها الأولى ونشراتها الأخبارية بوصفه خبراً سياسياً.
أين السياسة؟
بالطبع لا الفاعلان لهما علاقة بالسياسة ولا مكان وقوع الحادث أيضاً. انما الخبر اقتحم الساحة السياسية واجتاح الميدان الإعلامي في المانيا برمتها لأن سياسياً دخل على خط هذا الخبر الذي لولا ذلك لبقي محصوراً في أضيق نطاق.
وهذا السياسي هو ناشط في مجال البيئة وعضو بارز في حزب الخضر الألماني ومرشح هذا الحزب وحليفه الحزب الديمقراطي الاجتماعي الاشتراكي للفوز بمنصب عمدة ميونخ، عاصمة مقاطعة بافاريا ذات الحكم الفيدرالي كسائر المقاطعات الألمانية، واسمه نيكولاس هونينغ (40 سنة). فقد ورّط هونينغ نفسه في كتابة تعليق بشأن خبر الأرنبين المسروقين والمشويين في حديقة روضة الأطفال على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". والورطة جاءت في صيغة ضغطة (كليك) على مربع (أعجبني) وفي كتابة كلمتين تعليقاً على الحادث، قال فيهما: "عملية رائعة".
لا يمكن للمجتمع المتحضر أن يسامح حتى أكبر سياسييه، ولو كان بطلاً وطنياً، في ارتكاب مثل هذه الغلطة في حق حيوانين أليفين وفي حق روضة أطفال، وبخاصة إذا جاءت من ناشط وقيادي في حزب بنى مجده وتاريخه على حماية البيئة.
حزب الخضر استنكر تصرف هونينغ واعتبر انه "زلّ بعيداً عن المسار البيئي"، وطلب اليه الا يترشح لمنصب العمدة. بل ان الحزب أسقطه في انتخاباته الداخلية واختار مرشحاً آخر للمنصب، فلم يُصوّت الى جانبه سوى 8,2 من ناخبي الحزب برغم اعتذاره عن فعلته وتأكيده انه يرفض قتل الحيوانات البريئة. وهذا الفشل سيعيق ترشحه في الانتخابات العامة، وربما يعيق تقدمه في الحياة السياسية لبضع سنوات.
في المقابل نحن لدينا سياسيون يقتلون البشر .. يقتلونهم ذبحاً وتفجيراً.. ويقتلونهم بنهب حصتهم في المال العام وسرقة أموالهم وممتلكاتهم الخاصة وحصتهم التموينية .. ويقتلونهم بالاستحواذ على وظائفهم وفرصهم لصالح أقرباء وأصحاب ومحازبين ومتملقين لهم. ويقتلونهم بالقطع الكهربائي المتواصل والماء الملوث والأزبال التي تملأ أحياءهم وشوارعهم بالخدمات الصحية المتردية .. وبمئة طريقة وطريقة أخرى للموت.
هؤلاء السياسيون الزعّاقون والصخّابون بالوطنية والدين والقومية من مشرق الشمس حتى مغربها والى ما بعد منتصف الليل لبعضهم، لا ترفّ لهم جفون ولا تهتز فيهم ضمائر لما يتسببون به من جرائم في حق البشر والشجر والحجر في البلاد.
متى يحصل أن يعلن واحد من هؤلاء السياسيين الأسف والندم لقتله بشراً؟ ومتى يحصل أن يعاقب حزب من أحزابنا قيادياً أو عضواً فيه عن قتله البشر بطريقة أو أكثر من المئة ونيف من طرق القتل عندنا؟

 

المدى
العدد (2554) الخميس 2/8/2012



 

 

free web counter