| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأحد 2/12/ 2012                                                                      

 

شنــاشيــــل :

نخلات جدي ونخلات الدولة!

عدنان حسين      

كان جدي مالك أرض تمتد على مدى البصر، فيها ثلاثة بساتين للنخيل متفرقة، ورابعة صغيرة للفواكه بمختلف أصنافها. بساتين النخيل كانت مزدحمة بأشجارها التي ربما بلغ عددها الألف نخلة.

أظن ان جدي هو الذي زرع أشجاره كلها بيديه، ففي طفولتي الباكرة كنت أراه يعتني بها واحدة واحدة برغم ان لديه عددا من الفلاحين.. وباستثناء نخلة واحدة فقط لم تكن في بساتين جدي نخلات معوّجة أو ميتة.. كلها، باستثناء تلك الواحدة، كانت مرفوعة الرأس والهامة وتعكس خضرة سعفها وثقل عذوقها وتمتعها بالصحة والعافية.

استعيد ذكرى جدي وصورة بساتينه وارفة الظلال وعنايته الشخصية بنخلاته الألف كلما مررت راكباً بطريق مطار بغداد "الدولي" (!)، ففي إطار التحضيرات لقمة بغداد العربية، التي تأجلت سنة كاملة من أجل ان تكتمل هذه الطريق، زرعت الشركة المكلفة إعادة إحياء الطريق ما لا يتجاوز عدده مئتي نخلة حاولتُ غير مرة أن أحصي عدد المعوجّ والميت منها فلم أفلح لكثر العدد.

جدي لم تكن لديه ماكنة يستعين بها للعناية بنخلاته الألف وأشجار البرتقال والنارنج والمشمش والرمان والتوت والتين والعنب في بستان الفاكهة الصغير الملتصق بداره الكبيرة .... كان يتنقل بين تلك البساتين على قدميه أو ممتطياً فرسه.

الآن، بفضل طريق مطار بغداد، أكتشف ان جدي كان رجلاً عظيماً بقوة خارقة.. أقوى من انكيدو وهرقل وسوبرمان وغراندايزر، فقبل ثمانين سنة وأكثر صنع معجزة تعجز عنها اليوم دولة يزيد دخلها السنوي من النفط وحده عن مئة مليار دولار.... جدي لم تمت له نخلة واحدة من نخلاته الألف ولم تعوج منها سوى نخلة واحدة كنا نمتطيها في طفولتنا الباكرة قبل ان نتعلم ركوب الخيل، فيما لدينا دولة، هي دولتنا العراقية في زمنها "الديمقراطي"(!)، بكل قوتها وجبروتها اللتين تستعرض بهما عضلاتها الآن في طوزخورماتو والمناطق المجاورة، تقف مشلولة أمام 200 نخلة زرعتها على طريق المطار مات واعوجَّ ما قد يبلغ ربع عددها في غضون سنة فقط بعد زراعتها.

نصيحة مني إلى الكرد: لا تخيفنّكم قوات عمليات دجلة ولا تقلقوا من المواقف المتعنتة للقائد العام للقوات المسلحة، فدولة لا تستطيع أن تجعل النخلات المئتين على طريق مطارها على شاكلة النخلات الألف التي زرعها جدي قبل ثمانين سنة وأكثر لن تغلب بيشمركتكم.. إنها تقدم عرضاً زائفاً لقوة لا وجود لها.. اذهبوا إلى مطار بغداد والقوا بنظراتكم على نخلات طريقه لتتأكدوا من إنني لا أغشكم.


المدى
العدد (2663)  2/12/2012



 

 

free web counter