| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

السبت 23/4/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

العراقي لا يُغنّي بفلوسه!

عدنان حسين
 

في البلاد السعيدة دولة تحترم نفسها، أي تحترم أناسها، تعترف بأي خطأ ترتكبه إحدى مؤسساتها ودوائرها وتعتذر عن أي تقصير في أداء واجباتها، وتجهد لتضييق عواقب وآثار الخطأ أو التقصير وتعمل على عدم تكرار الخطأ أو التقصير ذاته مرة ثانية أو ثالثة بالكثير.

وفي البلاد التعيسة لا تعترف الدولة بأي خطأ أو تقصير ولا تعتذر عنه ولا تحرك ساكناً لإزالة آثاره حتى لو تكرر للمرة المئة على التوالي، وغالباً ما تنقل مسؤولية الخطأ والتقصير من كتفها إلى كتف مواطنها الذي تحمّله ذنوب الأوضاع غير الصحيحة، وتطلب منه أن يرضى بالمقسوم ويؤمن بأن الصبر مفتاح الفرج الذي لا يجيء أبداً مثل"غودو"... هذه الدولة لا تحترم أناسها لأنها في الأساس لا تحترم نفسها، ذلك أن الذين يمسكون بالدولة أشخاص غير محترمين جاءوا إليها إما عن طريق الانقلاب العسكري أو بالتوريث أو بتزوير الانتخابات أو بالمحاصصة المدعومة بالعلاقات الشخصية.
نحن بالطبع بلاد من النوع الأخير.. دولتنا لا تحترم نفسها ولا أناسها.. مقصّرة في أداء واجباتها والوفاء بالتزاماتها، ولكنها لا تستحي من الإدعاء بأنها عملت المعجزات.. والأدلة والأمثلة كثيرة يمكن أن تغطي صفحات هذا العدد من الصحيفة بالكامل، وأكثر. واليكم واحداً فحسب.
مساء الأربعاء الماضي تعرّضت بغداد، ومناطق أخرى من البلاد إلى عاصفة ترابية – مطرية متوسطة القوة، أو دون المتوسطة، لكنها بدت وكأنها إعصار، بسبب عدم احترام دولتنا لنفسها ولأناسها، فالدولة التي تحترم نفسها وأناسها تُعدّ نفسها وتجهّز قواها لهكذا حدث لمواجهته وحصر عواقبه في أدنى الحدود، لا أن تتفرج عليه مسترخية كما نتفرج على برامج التلفزيون في بيوتنا.
أثناء العاصفة وبعدها لساعات، بل إلى اليوم التالي، بدت بغداد وكأنها ضُربت بتسونامي شبيه بالتسونامي الياباني الأخير.. معظم الشوارع تحوّل إلى أنهار موحلة. حدث هذا حتى في قلب العاصمة: شارع الرشيد، شارع أبو نواس، شارع السعدون، شارع دمشق (منطقة علاوي الحلة حدّث عنها بلا حرج) وشارع 14 تموز، وهي جميعا مررت بها مع أصدقاء أثناء العاصفة أو بعد انتهائها بساعتين.. بالتأكيد كان الوضع أكثر سوءاً في المناطق الشعبية.. المهم إنني في كل الشوارع التي مررت بها أثناء العاصفة وبعدها، لم أرَ رجلاً واحداً أو سيارة واحدة للبلدية تعمل لمساعدة الناس على الخروج من المأزق المفاجئ.
في العالم كله تضع دوائر البلدية خططاً للطوارئ تطبقها في حالات الطوارئ: فيضان، عاصفة، زلزال، بركان، انهيار أرضي، انهيار مبانٍ.. الخ. وتتضمن هذه الخطط فرق طوارئ تنطلق في عملها مع بداية الحال الطارئة، لكنّ بغداد نامت تلك الليلة العاصفة وفرق طوارئها تغطّ في نوم عميق، إذا كانت لديها فرق طوارئ في الأساس.
موظفو البلدية وعمالها في بلادنا وفي سائر البلدان لا يعملون متطوعين لصالح جمعية خيرية، وإنما يتقاضون رواتبهم وأجورهم من الدولة التي تدفع نيابة عن المجتمع.. في بعض البلدان تأتي هذه الرواتب والأجور من الناس مباشرة.. من الضرائب، وفي بلدان أخرى، وبخاصة النفطية مثل بلادنا، يدفع الناس رواتب وأجور موظفي البلدية بصورة غير مباشرة، من عوائد النفط التي هي الثروة المشتركة لكل عراقية وعراقي. ويتوقع من يدفع الفلوس أن يحصل على خدمة أو سلعة تعادل قيمة ما يدفع، أي أن دافع هذه الفلوس يغني بفلوسه كما يقول بطل أحد الأفلام المصرية، لكن العاصفة الأخيرة أظهرت أن العراقي لا يستطيع أن يغني بفلوسه، والسبب انه يعيش في بلاد تعيسة، دولتها لا تحترم نفسها ولا أناسها!!



العدد (2109) السبت 23/04/2011






 

 

 

free web counter