| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الخميس 23/2/ 2012                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

الكأس السورية المرة

عدنان حسين  

على مدى سنوات متتالية ظلّ مسؤولو النظام السوري ينفون أن عناصر تنظيم القاعدة وفلول نظام صدام وسواهم من الجماعات الإرهابية يعبرون الحدود مع العراق براحة تامة لتفجير المستشفيات والمدارس ودور العبادة للمسلمين والمسيحيين والصابئة والأيزيدية والمقاهي ومساطر العمال وبسطيات الباعة ومجالس التعزية ومواكب الزوار والمؤسسات الحكومية العراقية.

ولما قُدمت إلى هؤلاء المسؤولين الوثائق الصريحة والأدلة الدامغة راحوا يتذرعون بان الحدود بين سوريا والعراق طويلة وليس في الإمكان حراستها كلها، مع أن القاصي والداني يعرفان ان استخبارات النظام السوري تعرف كل شيء، وأنها تراقب حتى حركة الطيور المهاجرة فضلاً عن أنها تُحصي على الناس أنفاسهم، ومع ان بين تلك الوثائق والأدلة ما كان يتعلق بتقديم أجهزة حكومية وحزبية سورية المساعدات والتسهيلات للجماعات الإرهابية، بما فيها معسكرات التدريب.
بالطبع فان دوام الحال من المُحال، فقد دار الزمن ودارت معه الدوائر على النظام السوري ذاته الذي يشرب الآن من الكأس المرة نفسها، فالثابت ان الطرق التي سلكها الإرهابيون ومتفجراتهم وأموالهم من سوريا الى العراق أصبحت الآن سالكة في الاتجاه المعاكس .. مقاتلون ينتقلون مع أسلحتهم ومتفجراتهم من العراق الى سوريا لنصرة الثوار السوريين أو للمتاجرة ببضائع الموت. وهذا ما دفع مسؤولي النظام السوري الى الطلب من السلطات العراقية العمل على ضبط الحدود(!). وفي هذا الإطار أجريت أخيراً مباحثات عراقية سورية على مستوى عالٍ لضبط الحدود المشتركة ومنع عمليات التسلل بحسب ما أفاد به مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لصحيفة "الصباح" ونشرته أمس، ولا أظن ان المسؤولين الأمنيين العراقيين الذي شاركوا في المباحثات قد لجؤوا الى الحجة السخيفة نفسها لإبلاغ نظرائهم السوريين بأنه ليس بالوسع ضبط حدودنا الطويلة، مع اننا بالفعل لم نزل أقل منهم قدرة على ضبط الحدود.
وعلى أية حال فان العبرة من حكاية الحدود الطويلة جديرة بان تتمثلها القوى المتنفذة في السلطة لدينا، فمرة ثانية وثالثة وعاشرة ان دوام الحال من المحال وان الإجراءات التعسفية التي درجت على اتخاذها السلطات الأمنية في حق بعض الفئات الاجتماعية، وبخاصة الناشطين السياسيين والاجتماعيين وتحديداً ناشطي التظاهرات والاحتجاجات، وكذلك القوانين غير الديمقراطية التي ضغطت أو تضغط الحكومة لتشريعها، وبخاصة القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير والتنظيم، يمكن أن تتحول في يوم ما إلى سياط تجلد ظهور مُتخذي تلك الإجراءات ومُشرّعي هذه القوانين والضاغطين من أجلها والمعارضين لتشريع قوانين ليبرالية، فالذين في الحكم الآن سيجدون أنفسهم خارجه إن عاجلاً أو آجلاً، بل ربما في صفوف المعارضة .. يومها سيكتشفون أن إجراءاتهم وقوانينهم تنقلب وبالاً عليهم مثلما كانت على غيرهم .. سيكتشفون أنها تتعارض مع مصالحهم، وأنها تضعهم في موقف أخلاقي مُحرج للغاية: كيف يناهضون إجراءات وقوانين تحمّسوا لها وفرضوها فرضاً؟
من حسن الفطن أن يُبقي الذين في السلطة الآن شيئاً لغدهم، فقد تدور عليهم الدوائر ويصبحون في الموقف الذي يواجهه النظام السوري مع كأسه المرة.

المدى
العدد (2403) الخميس 23/2/2012



 

 

free web counter