| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

السبت 21/5/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

خطيئة ليست في ذمة التاريخ

عدنان حسين
 

أمس الجمعة والجمعة السابقة عرضت قناة "العربية" الفضائية برنامجاً وثائقياً عن تاريخ حزب البعث وتجربته في العراق. وقد تحلّىّ بعض القياديين البعثيين السابقين ممن أدلوا بشهاداتهم في البرنامج بشجاعة الاعتراف بما وصفوه أخطاءً ارتكبها حزبهم طوال تاريخه حتى وهو خارج السلطة.

من أهم الجنايات التي اعترف بها بعض هؤلاء القياديين هو الموقف المتشدد الذي اتخذه البعث من أجل الإلحاق الفوري للعراق بالجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) بعد ثورة 14 تموز 1958. بالطبع لم يكن ذلك مجرد خطأ سياسي، إذ ترتبت على موقف البعث وحلفائه آنذاك عواقب وخيمة للغاية، فنهر الدم الذي تدفّق بغزارة في العراق منذ 8 شباط 1963 ولم ينقطع حتى اليوم إنما يرجع منبعه الى ذلك الموقف. ولو لم يرتكب البعث تلك الجناية لكان للعراق تاريخ آخر لم يشهد، على الأرجح، مجازر شباط 1963 ولا الأنفال والمقابر الجماعية ولا الحرب ضد إيران واحتلال الكويت ولا حربي 1991 و2003 والسلسلة المتصلة بهما حتى اليوم من عمليات القتل والتفجير التي لا يمكن تبرئة البعثيين من بعضها في الأقل.
لولا تلك الجناية لكان العراق الآن، على الأرجح، أرسخ ديمقراطية في العالم العربي، ولكانت منطقة الشرق الأوسط غير هذه المنطقة المثقلة بأحمال انظمتها الدكتاتورية التي هي جميعاً امتداد لنظام عبد الناصر الذي يتحمل وحزب البعث بالذات المسؤولية عن تدمير مشروع الوحدة العربية وضياع الحقوق الفلسطينية.
البعث وحركة القوميين العرب وعبد السلام عارف، وهم جميعا كانوا يمثلون أقلية بين قوى نظام ثورة 14 تموز، أرادوا الانضمام الى الجمهورية العربية المتحدة فوراً من دون أي قيد أو شرط، فيما رأت الأكثرية من قوى الثورة (الشيوعيون والوطنيون الديمقراطيون وعبد الكريم قاسم ورفاقه من قادة الثورة) ان الصيغة الأنسب في ذلك الوقت هي إنشاء اتحاد فيدرالي وليس وحدة اندماجية بين العراق والجمهورية العربية المتحدة. ومن بين الأسباب التي حملت الأكثرية على اتخاذ ذلك الموقف ان وحدة عبد الناصر الاندماجية أطاحت نظاماً ديمقراطياً كان قائماً على الحدود الغربية للعراق وأقامت بدلاً عنه نظاما ديكتاتورياً قمعياً، ولم يكن العراقيون يريدون ان يؤولوا الى المصير نفسه بعدما انطلقوا لتوّهم الى الحرية.
كان عبد الناصر يتطلع للسيطرة على العالم العربي برمّته، ولم يرق له بالطبع موقف أغلبية العراقيين فبدأ مع عبد السلام عارف والبعث حملة منظمة لإطاحة نظام 14 تموز، والتقت معهم في هذا الهدف بريطانيا والولايات المتحدة، وقد أفلحوا في تحقيق هدفهم في شباط 1963 بالانقلاب الدموي الذي رسم تاريخ العراق منذ ذلك اليوم حتى الآن.
البعثيون والناصريون كفّروا الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين وعبد الكريم قاسم وسواهم عن موقفهم الداعي الى الاتحاد الفيدرالي بدل الوحدة الاندماجية. والآن يعترف قياديون بعثيون بان حزبهم هو الذي كان على خطأ. وهذا الاعتراف متأخر للغاية وليس له قيمة مادية بالطبع، فليس بالوسع إرجاع الزمن الى الوراء وإعادة الحياة الى مئات الآلاف، بل ملايين، الضحايا لتصحيح ذلك الخطأ - الخطيئة، لكنه مع ذلك مفيد لجهة التأكيد على انه ما من أحد يمتلك الحقيقة. والذين يعتقدون الآن، ممن هم في السلطة أو خارجها، انهم على صواب في ما يفعلون وغيرهم على خطأ وضلال، انما يرتكبون خطيئة يمكن ان تكون بحجم خطيئة البعث التاريخية التي لن تكون في ذمة التاريخ ما دامت عواقبها الوخيمة متواصلة.


العدد (2136) السبت 21/05/2011






 

 

 

free web counter