| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأربعاء 21/12/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

الحسنة التي ننتظرها من سياسيينا

عدنان حسين

يروي الكاتب والمفكر الاقتصادي المصري جلال أمين أن أول لقاء له مع نجيب محفوظ كان بعد شهور قليلة من مقتل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات (أكتوبر/ تشرين الأول 1981) الذي كان أمين على خصومة شديدة مع سياساته الداخلية والخارجية بخلاف محفوظ الذي لم يكن معروفاً عنه مثل هذه الخصومة.

اللقاء الذي جرى في مقهى على كورنيش الإسكندرية وضمّ أيضاً توفيق الحكيم وكتّاباً آخرين، تناول الحديث خلاله السادات وسيرته. يقول أمين: "كم سرني إذن أن أسمع تعليق نجيب محفوظ على نقدي الشديد لما فعله السادات بمصر، فبعد أن فرغت من تقديم حججي، قال لي مبتسماً: ولكن لا تنس أنه أيضاً فعل بعض الأشياء الجيدة!، تساءلت مندهشا: مثل ماذا؟، قال ضاحكاً: إنه مات!".
هكذا بروحه المرحة التي تعكسها رواياته الرائعة، وجد نجيب محفوظ ان شخصاً كالسادات الذي كان يبدو للكثيرين شريراً، يمكن ان يُقدم على عمل جيد بموته.
نحن هنا في العراق نحتاج الى مثل هذا العمل الجيد الذي حققه السادات في آخر أيام حياته. فالممسكون بأعتاب السلطة في بلادنا سيسجلون لأنفسهم مجداً تليداً إذا ما رحلوا جميعاً من دون استثناء من هذه الدنيا وتركونا وشأننا، نداوي جراحاتنا العميقة ونعالج عللنا المتوطنة وأسباب سقمنا المزمن، ونخرج من المحنة التي صنعها لنا صدام حسين وفاقمها هؤلاء الساسة أنفسهم.
لقد تحمّلناهم على مدى ثماني سنوات وأكثر، كانت من أكثر السنين العجاف في تاريخ العراق.. تحمّلنا أفعالهم وألاعيبهم الصبيانية ... تحمّلنا عدم نهوضهم بمسؤولياتهم .. تحمّلنا نكثهم باليمين ونقضهم الوعود والتعهدات التي قدّموها خلال الحملات الانتخاباتية ... تحمّلنا انتهاكاتهم المتكررة لأحكام الدستور .. تحمّلنا تجاوزاتهم المتواصلة على القانون والنظام .. تحمّلنا توافقاتهم وصفقاتهم الشخصية والحزبية على حساب مصالحنا وحقوقنا .. تحمّلنا مفاسدهم المالية والإدارية والسياسية .. تحمّلنا سرقاتهم وتزويراتهم في الشهادات والوثائق الرسمية .. تحمّلنا نعراتهم الشوفينية والطائفية .. تحمّلنا تفجيراتهم بالمفخخات وتصفياتهم بكواتم الصوت .. تحمّلنا، حتى طفح بنا الكيل تماماً ولم يعد لنا أدنى قدرة أو طاقة على التحمّل، ولكنهم بدلاً من أن يرعووا ويعقلوا نجدهم الآن يتمادون في صبيانيتهم السياسية، واضعين الوطن في عين العاصفة ودافعين بالأوضاع الى حافة الهاوية، غير مبالين بخطر الاحتراق الذي يهدد اليابس والأخضر سواء بسواء.
ما يجري هذه الأيام بين هؤلاء السياسيين لا يعكس أي التزام بمصالح الشعب ولا أي شعور بالمخاطر التي تتهدد الوطن ولا أي قلق على مصير البلاد .. وما يجري الآن هو صراع على السلطة والنفوذ منفلت من أي ضوابط او قواعد أو أخلاقيات.
سيسجل هؤلاء السياسيون لأنفسهم حسنة، ستكون الوحيدة في حياتهم، إن هم ودّعوها بطريقة السادات أو بغيرها، لنذكرهم بالخير: فعلوا شيئاً جيداً في حياتهم .. هو انهم ماتوا ولم يمكثوا حتى نموت جميعاً في حروبهم !
 


العدد (2339) الأربعاء 21/12/2011



 

 

free web counter