| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأحد 1/4/ 2012                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

اعتذار متأخر لا قيمة له

عدنان حسين   

متأخراً جداً جاء اعتذار رئيس الحكومة إلى سكان بغداد عمّا عانوه طيلة عشرة أيام بذريعة اجتماعات القمة العربية، فهذا الاعتذار غير كافٍ ولا ذو قيمة مادية أو معنوية تعوّض عمّا تكبده سكان بغداد وزوّارها من معاناة شديدة، ذلك أن الاعتذار جاء بعد فوات الأوان تماماً، وكان يمكن في الأساس تجنّبه.

الرئيس نوري المالكي وصف ما تحمّله البغداديون بأنه "مضايقات وإجراءات أمنية". هذا في الواقع توصيف مخفف للغاية بل انه ينطوي على قدر من التضليل. وإذا كان السيد المالكي لا يعرف ما الذي حدث بالضبط وما حجم المعاناة أتطوع هنا لعرض ملخص مختصر.
ظلّ مسؤولون أمنيون في العاصمة يؤكدون عشية القمة أن خطة أمنية مُحكمة قد وُضعت لضمان أمن القمة والمشاركين فيها. وتقبّل الناس الإجراءات المشددة التي أُتخذت عند نقاط التفتيش في هذا الإطار، وتوقعوا ألاّ تتجاوز هذه الإجراءات التفتيش الدقيق الذي أدى في الغالب إلى أن تستغرق عملية عبور كل نقطة تفتيش ساعات عدة. وقد تجرّع الناس الكأس المرة عند نقاط التفتيش مطمئنين إلى أن ذلك هو ذروة ما تتضمنه الخطة الأمنية "المُحكمة"، خصوصاً وان المسؤولين الأمنيين أكدوا مراراً أن خطتهم لا تشتمل على إغلاق شوارع وجسور وساحات، بل إنهم نفوا المعلومات عن فرض حظر للتجوال.
لكن الذي حدث انه بالفعل أُغلقت شوارع وساحات وجسور في قلب بغداد على مدى أسبوع كامل، بعضها بعيد عن مراكز نشاطات القمة، بما فيها الفنادق، فعلى سبيل المثال لم يكن هناك أي مبرر لإغلاق شارع النضال والطريقين المؤديين من طريق محمد القاسم السريع إلى كل من ساحتي الأندلس والطيران. أكثر من هذا أن حظراً شاملاً للتجوال قد فُرض طوال يومي 28 و29 آذار بخلاف التصريحات النافية.
بالحق كانت تصريحات المسؤولين الأمنيين تضليلاً صريحاً وكذباً سافراً، وكان يمكن ببساطة إبلاغ الناس بإغلاق الشوارع والساحات لكي يتجنبوها ويجدوا لأنفسهم طرقاً بديلة، وإعلامهم بحظر التجوال لكي يهيئوا أنفسهم له وبإغلاق شبكات التلفون المحمول كيما يتدبروا أمورهم.
علاوة على هذا كله فان تعامل عناصر الأمن عند نقاط التفتيش اتسم في الغالب بالسماجة، بل كان في بعض الأحيان مبالغاً في قسوته، فهؤلاء العناصر لم يكونوا يراعوا أن بين من يمرون بهم شيوخاً ونساءً وأطفالاً، وان هؤلاء الناس ليسوا إرهابيين وإنما هم مواطنون صالحون كفل الدستور حقوقهم وحرياتهم ومنع الدستور انتهاكها.
إجراءات القمة انطوت على تجاوزات كبيرة على هذه الحقوق والحريات، وحتى على مصالح الآلاف ممن أرغموا على إغلاق مصادر رزقهم .. موظفو الدولة مُنحوا إجازة مدفوعة الأجر، لكن أنّى لأصحاب المصالح الخاصة والعمال المشتغلين معهم لأن يُعوضوا عن خساراتهم؟ خصوصاً وان الكثيرين منهم يؤمنون حياتهم وعوائلهم من أعمالهم اليومية كسواق التاكسي وباصات النقل العمومي وأصحاب الدكاكين والبسطيات وسواهم.
لو كان الذين وضعوا الخطة الأمنية قد أبلغوا سكان بغداد وزوارها بالإجراءات المزمع اتخاذها بالضبط، على صعيد إغلاق الشوارع والساحات والجسور وحظر التجوال (في يومي 28 و29 آذار) ما كان رئيس الوزراء سيحتاج إلى تقديم اعتذار متأخر لا نفع منه ولا جدوى.
ليست مُحكمة هي الخطة التي تُغلق الشوارع والساحات وتحظر التجوال، بل هي خطة فاشلة لمخططين فاشلين اعتمدوا أسهل الحلول وأيسرها.
 

المدى
العدد (2440) الأحد 1/4/2012



 

 

free web counter