| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأربعاء 1/6/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

سياسيو الرأس والكرشة!

عدنان حسين

لاثنتي عشرة سنة، من 1984 إلى 1996، ظل برنامج "Spitting Image" (سبيتينغ إيميج)، ويمكن ترجمته إلى العربية (طبق الأصل)، واحداً من أكثر البرامج شهرة في القناة الثالثة للتلفزيون البريطاني (ITV). وقد اكتسب سمعته الطاغية من انتقاده الطبقة العليا البريطانية بأسلوب ساخر مميز يقوم على تجسيد أفراد هذه الطبقة في دمى متحركة مصنوعة بطريقة كاريكاتيرية.

لم يوفّر البرنامج في سخريته حتى الملكة اليزابيث الثانية أو زوجها الأمير فيليب أو ولي العهد الأمير تشارلز وسواهم من أفراد العائلة المالكة، فضلاً عن رؤساء الوزارات وزعماء الأحزاب المعارضة وسائر الشخصيات العامة السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والاقتصادية. بل تجاوزت سخرية البرنامج الحدود الوطنية فطاولت الشخصيات الدولية النافذة في ذلك الزمان، كالرؤساء الأميركيين رونالد ريغن وجورج بوش (الأب) وبيل كلينتون والزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف والرئيسين الفرنسيين فرانسوا ميتيران وجاك شيراك وسواهم.
لم يحدث أن رفع أحد من هؤلاء كلهم دعوى قضائية ضد القناة أو معدّي البرنامج أو حتى اشتكى منه، بل أن السياسيين البريطانيين كانوا يحرصون على متابعة البرنامج، ويضحكون على أنفسهم مثل مشاهدي البرنامج الآخرين الذين كانوا يُحصون بالملايين.
وراء موقف هذه الشخصيات المتقبّل النقد بأريحية ورحابة صدر حتى بهذا الأسلوب الساخر فكرة بسيطة لكن ذات قيمة كبيرة هي أن من يريد أن يكون شخصية عامة في النظام الديمقراطي عليه أن يقبل بالملاحظة والنقد، وبخلاف هذا عليه أن يترك العمل العام ويجلس في بيته، يتابع برامج التلفزيون، بما فيها التي تنتقد الشخصيات العامة وتسخر منها، واضعاً رجلاً على رجل، وبذا يستريح هو ويُريح غيره.
عندنا المعادلة مقلوبة، مع أن سياسيينا يتبارون في التغني بالديمقراطية.. فكلّ منهم يريد أن يكون شخصية عامة يشار إليها بالبنان، وأن يتمتع بكل منافعها وامتيازاتها.. يعمل ما يشاء ويتصرف على نحو ما يشاء، يرتكب الأخطاء ويقترف الخطايا، يتجاوز على حقوق غيره، يضرّ بمصالح الآخرين، لكنه في المقابل لا يقبل البتة أن ينتقده أحد على سلوك يُقدم عليه أو تصرف يقوم به.. أي انه يريد أن يأكل رأس الثور وقلبه وكتفه ورقبته وفخذه وحتى الكرشة من دون أن يقول له أحد: على عينك حاجب!
مناسبة هذا الحديث حشد الدعاوى التي يقيمها الآن العشرات من كبار المسؤولين والهيئات العامة في طول العراق وعرضه، من أربيل والسليمانية إلى بغداد والبصرة، ضد الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية. والدعوى الأكثر إثارة بينها هي التي رفعها رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ضد صحيفة "المدى" واثنين من صحفييها، فالمفترض أن يكون رئيس السلطة التي من صلب مهماتها الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبة مسؤوليها عن تقصيرهم وأخطائهم، أكثر المتفهمين لدور الإعلام والمتقبلين لنقد وسائل الإعلام له ولمؤسسته.. وإذا كان رئيس البرلمان يرى انه ومؤسسته فوق النقد فكيف سيتقبل الوزير أو المدير مثل هذا النقد؟ وإذا كان رئيس البرلمان وأعضاء البرلمان والوزراء والمدراء يمتعضون من النقد فمن أين يتأتى بناء النظام الديمقراطي الذي من شروطه حرية الإعلام واستقلال مؤسساته؟
السيد النجيفي والذين على شاكلته: إذا كنتم تريدون الاستئثار بالثور كله من الرأس إلى الكرشة أعلنوها صراحة أنكم تسعون إلى إعادة إنتاج الدكتاتورية الصدامية.. أما النظام الديمقراطي الذي تنعمون بمنافعه وامتيازاته فمن قوانينه أن تقبلوا بالنقد حتى بالصيغة الساخرة، كما تفعل ملكة بريطانيا والسياسيون البريطانيون قاطبة وسواهم في العالم الديمقراطي.. والا فاتركوا العمل العام لأهله وقرّوا في بيوتكم لتريحوا وتستريحوا.




العدد (2147) الأربعاء 1/06/2011






 

 

 

free web counter