| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأثنين 1/8/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

عرض بهلواني في بغداد

عدنان حسين

من قال إن المسرح العراقي قد مات؟ ومن أعلن أن الحركة المسرحية العراقية على وشك أن تُشيَّع إلى مثواها الأخير؟ ومن صرّح بأن المسرحيين العراقيين قد أُحيلوا على التقاعد وصُرفوا من الخدمة رغماً عنهم وصاروا يتسكعون في شوارع بغداد والبصرة والموصل والناصرية ودمشق وعمان؟

نعم المسرح العراقي التقليدي انتهى وقرئت الفاتحة على روحه منذ أن تركته حكومات ما بعد 2003 وشأنه من دون أي علاج أو عقاقير شافية، لم يكن في إمكان وزارة الثقافة توفير المبالغ اللازمة لها من فرط النهب المستشري للمال العام. ولكن ثمة مسرح عراقي آخر، من نوع جديد، يزدهر الآن على نحو غير مسبوق... يقدّم لنا كل أسبوع بين خمسة وستة عروض جديدة، كلها من النوع الكوميدي من أجل إضحاك الشعب العراقي المكروب بهموم انقطاع الكهرباء وتردي الحصة التموينية وتفشي المحسوبية والمنسوبية والرشوة في القطاعين العام والخاص على السواء، وتفاقم البطالة وغلاء الأسعار مع أن السلع المعروضة في السوق هي ممّا بار في أسواق الجيران وغيرهم وانتهت صلاحيته وتلفت مكوناته.
هذا المسرح عنوانه الآتي: العاصمة بغداد – المنطقة الخضراء – قصر المؤتمرات العامر. (ملاحظة: هذا المسرح غير مسموح للمتفرجين بالوصول إليه لأن مقاعده الـ 325 محجوزة على الدوام للممثلين أنفسهم مع أن غياباتهم يومية، وأحيانا يقترب عدد الغياب من عدد نصف المقاعد وأحيانا يزيد فيتأجل العرض لعدم اكتمال النصاب!
آخر المسرحيات التي عُرضت على هذا المسرح كانت بعنوان "ترشيق الحكومة" وهي، كما العروض السابقة لهذا المسرح، من نوع الكوميديا السوداء التي يضحك معها الجمهور بعض الوقت ويبكي أكثر الوقت، وقد عُرضت أمس الأول، السبت.
كل الممثلين الذين نطقوا في هذه المسرحية (بعض الممثلين لا ينطق أبداً في كل مسرحيات هذا المسرح، ومعظمهم من النساء، وكأنهم يلعبون أدوار الطرشان والخرسان) تباروا في تأكيد ضرورة وأهمية وحتمية وجدوى وفائدة ولزوم ترشيق الحكومة، تجاوباً مع "مطالب الشعب" نزولاً عند رغبة "المرجعية" ومن أجل بناء دولة حديثة قوية وراسخة وآمنة ومستقرة ومزدهرة (هذا نطقوا هم!) ... وفي هذا السياق كرر الممثلون عشرات المرات مفردات مثل: الوطنية والمهنية والشفافية والكفاءة والخبرة والنزاهة وسواها، لكنهم جميعاً ختموا مسرحية الترشيق بشيء مناقض تماماً لهذا كله ولمطالب الشعب ورغبة المرجعية، هو المحاصصة، فالموالون والمعارضون والبين بين أكدوا وشددوا على عدم قبولهم بأي صورة من الصور وأي شكل من الأشكال وأي صيغة من الصيغ وأي سيناريو من السيناريوهات بكسر معادلة "أم البلاوي"، المحاصصة، معتبرين أن التجاوز في عملية الترشيق على حصة أي مكوّن أو أي كتلة هو خط أحمر تحته ثلاثة خطوط حمر (للتأكيد والتشديد)، وفي سبيل ضمان ذلك أوقف عرض المسرحية مدة ربع ساعة لكي يجتمع الزعماء ويتأكدوا من أن الترشيق لن يمسّ المحاصصة بأي سوء.
مسرحية "ترشيق الحكومة" كانت بحق عرضاً بهلوانياً بامتياز لإراجوزات من الطراز الأول، أعادت الاعتبار إلى الحركة المسرحية العراقية وأكدت تقاليدها الراسخة، فقد أضحكتنا بعض الوقت وأبكتنا معظم الوقت، أليس هذا هو المسرح؟ كيف تقولون انه مات في العراق؟
 


العدد (2208) الأثنين 1/08/2011






 

 

 

free web counter