| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأحد 1/7/ 2012                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

الموت الأحمر العراقي

عدنان حسين   

لم نكد نحن العراقيين - أو من تبقّى منّا بالأحرى - أن ننتهي من مسلسلات الموت الأسود في حروب صدام الداخلية والخارجية وأعمال الإرهاب ومعارك الميليشيات الطائفية، حتى تولانا الآن "الموت الأحمر" ليفتك بنا ويسلب صحتنا ويعكّر أمزجتنا ويكلفنا فوق ذلك مئات ملايين الدولارات خسائر مادية.

والموت الأحمر هو الناجم عن العواصف الترابية التي صار العراق لها ممراً ومستقراً. ففي آخر تقرير صحفي (وكالة شفق نيوز) وجدنا أن البلاد تتعرض إلى ما يتراوح عدده بين 200 و250 عاصفة ترابية في السنة الواحدة. وهذا الرقم المخيف مرشح للازدياد إلى معدل 300 عاصفة في السنة خلال عشر سنوات بحسب معلومات وزارة البيئة.
وسواء كان 70 في المئة من الأتربة النازلة علينا يأتينا من الخارج و30 في المئة إنتاجا محلياً، كما يقول مسؤولو وزارة الصحة، أو العكس (70 في المئة محلي و30 في المئة خارجي) بحسب وزارة البيئة، فان من الثابت موت المئات من العراقيين سنوياً بسبب هذه العواصف وتعرض الآلاف إلى سوء الصحة، وتردي أحوال الأراضي الصالحة للزراعة وانخفاض غلة التربة.
تقدر وزارة البيئة الخسائر المادية بما يزيد عن 100 مليون دولار سنوياً، وهذا ليس بالمبلغ الهيّن. ولو كان لدينا سياسيون متنفذون في السلطة يُحبون وطنهم وتأخذهم الرأفة بشعبهم لفكّروا على النحو التالي: 100 مليون دولار يمكنها أن تفعل العجب على صعيد حلّ هذه المشكلة أو التخفيف منها. فالمعروف إن من وسائل مواجهة التصحر والعواصف الترابية زرع مصدات رياح من الأشجار. ولو افترضنا أن كلفة شراء كل شجرة وخدمتها تبلغ 500 دولار في السنة (لست خبيراً فالكلفة قد تصل إلى نصف هذا المبلغ أو ربعه) فان بمئة مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل بمقارنته بدخلنا السنوي من عائدات النفط (100 مليار دولار)، يمكننا شراء وخدمة 200 الف شجرة، وهذه بإمكانها أن تعمل سياجاً حقيقياً على طول حدود العراق مع سوريا والأردن والسعودية والكويت مجتمعة والتي يبلغ طولها 1840 كيلو مترا (أي بمعدل 108 شجرات في كل كيلو متر).
لستُ ساذجاً لأتصور أن المشكلة تُحل بمثل هذه البساطة، فالأمر يتطلب أيضاً أموالاً أخرى لمواجهة التصحر وتشجير مناطق داخلية، وهذا لا ينقصنا ففي كل سنة تُعيد الوزارات أموالا طائلة من موازناتها إلى الخزينة المركزية فشلت في إنفاقها، ويمكن تخصيص نسبة من هذه الأموال لمشروع التشجير. أدرك أيضاً أن الأمر يتطلب تعاوناً مع جاراتنا الأربع، وهذا غير صعب إذا ما قدمنا لهم الأمثولة والأنموذج.
مشكلتنا أن طبقتنا السياسية المتنفذة عاجزة عن تقديم الأمثولة والأنموذج في هذا المجال وفي سائر المجالات قاطبة.
وكيل وزارة البيئة كمال حسين نقل عنه تقرير الوكالة القول "إذا لم يصدر قرار من أعلى سلطة في الدولة ونتابع التنفيذ، فان مشكلة العواصف الترابية لن تُحل". وأضاف انه "متأكد" من انه خلال عشر سنوات ستغطي العواصف الترابية 300 يوم في السنة.
وأنا بدوري متأكد من أن أعلى سلطة في البلد لن تستمع إلى ما يقوله السيد الوكيل.. لا وقت لديها ولا اهتمام، فهي منشغلة كل الوقت بصراعاتها على السلطة والنفوذ والمال.

 

المدى
العدد (2523) الأحد 1/7/2012



 

 

free web counter