| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأثنين 18/7/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

دولة المافيا .. قادمة!

عدنان حسين

إذاً فهي حقيقة مؤكدة أن حكومتنا التي يقودها السيد نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية (أكرر الإسلامية للتأكيد) تدفع لتشريع قانون يُكافئ الفاسدين عن فسادهم ويؤسس لنظام يُصبح فيه الفساد بكل أشكاله وألوانه حرفة شرعية مُعترفاً بها رسمياً، كما البغاء في بعض الدول، ويكون الفاسدون فيه مُقدّرين ومُبجلين، وربما سيكون على عناصر القوات المسلحة أداء التحية لهم.
حكومة السيد المالكي، كما يعرف الجميع، كانت قد شكّلت لجنة لدراسة ظاهرة الشهادات الدراسية المُزورة التي اجتاحت دوائر الدولة بعد إسقاط نظام صدام وتقديم المقترحات لمعالجتها. وقد تفتّقت قرائح أعضاء اللجنة (هل كانوا جميعاً من ذوي الشهادات السليمة المتعوب عليها؟) عن معالجة عجيبة غريبة للظاهرة هي العفو "عفواً عاماً وشاملاً ونهائياً" عن مُستعملي الشهادات الدراسية دون الجامعية (الثانوية والمتوسطة) باستثناء الذين استخدموا الشهادات المزورة في الترشيح لعضوية البرلمان والمجالس البلدية.
وبحسب ما أفاد به أحد النواب فان مشروع القانون الذي عُرض على البرلمان أول من أمس لقراءته القراءة الأولى يقترح إحالة مزوري الشهادات الجامعية إلى القضاء باعتبار أن "تزوير الشهادات يُعدّ من الجرائم الجنائية التي تقابلها عقوبات محددة".
في العالم كله لا توجد دولة تشبه دولتنا في استهانتها بنفسها وبمواطنيها، فما من دولة من الدول المئة وثلاث وتسعين الأعضاء في الأمم المتحدة تقرّ بتزوير الشهادات، وما من قانون دولي يقبل بأي شكل وأي مستوى من التزوير، فالتزوير نوع خطير من الفساد، والفساد بكل أشكاله وأنواعه ومستوياته محرّم في الأديان السماوية وغير السماوية، وفي العقائد السياسية، وفي القوانين الوطنية والدولية، الفساد والتزوير مشرعنان فقط لدى عصابات الجريمة المنظمة كالمافيا وسواها، وعليه فان حكومتنا، بمشروع القانون هذا تريد لنا أن نصبح دولة مافيا.
هذا المشروع إن أصبح قانوناً ستكون له عواقب وخيمة، فدستورنا يقول بالمساواة في الحقوق، والذين سيحالون، بموجب القانون المقترح، إلى القضاء من مزوري الشهادات الجامعية ومن مزوري الشهادات الأدنى الذين ترشحوا إلى انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والبلديات، الفائزون والخاسرون، سيكون من حقهم الطعن في الإجراءات القضائية باعتبار أن فيها تمييزاً ضدهم، فإذا كان تزوير الشهادة الدراسية والوثيقة الرسمية جريمة لا بدّ أن يخضع للقانون جميع مرتكبيها وليس بعضهم.. التزوير جريمة، مثل جرائم السرقة والرشوة والقتل وسواها.. ليست هناك سرقة مشروعة وأخرى غير مشروعة وليست هناك رشوة مقبولة وأخرى غير مقبولة وليس هناك قتل جائز وآخر غير جائز، كلها جرائم يحرّمها ويحاسب عليها القانون العراقي وكل قوانين الدنيا.
ولأن دستورنا يقول بالمساواة في الحقوق علينا أن نتوقع، إذا ما مرّر البرلمان مشروع القانون الحكومي للعفو عن المزورين، أن يضغط سراق المال العام وغيرهم لتشريع قانون يعفو عن ذوي السرقات الصغيرة أولاً، استناداً إلى الحجة نفسها، وهي انهم كانوا مضطرين إلى السرقة لتأمين حياة عوائلهم وان الذي سرق مئة ألف أو خمسمئة ألف دولار ليس كمن سرق عشرات او مئات الملايين! ثم بعد ذلك يأتي دور القَتَلة ليضغطوا من أجل تشريع قانون يعفو عمن قتل واحداً أو اثنين، استنادا إلى الذريعة ذاتها، وهي أنهم كانوا مضطرين إلى القتل وأنهم ليسوا كمن قتل العشرات والمئات مثلاً!
من أعجب ما يتصل بالقانون المقترح ان أحد أعضاء لجنة النزاهة (!) في البرلمان برّر لصحيفة "الصباح" اقتراح مشروع القانون بالقول ان الاشخاص الذين قاموا بعمليات التزوير كانوا "غير مدركين لأبعاد فعلتهم"!!.. هذه الذريعة المتهالكة التي يتبرّع بها "نائب الشعب" للفاسدين يمكن أن يستند إليها كل مرتكبي الجرائم، بما فيها جرائم الإرهاب، لتبرير جرائمهم ولطلب العفو العام والشامل والنهائي أيضا أسوة بالفَسَدة من مرتكبي جرائم التزوير.
لا تفسير لهذا الإلحاح من جانب الحكومة وبعض القوى المتنفذة في البرلمان من أجل تمرير القانون سوى أن حزب الحكومة وهذه القوى متورطة أكثر من غيرها في قضايا تزوير الشهادات، وان الغالبية العظمى من المزورين هم من عناصرها الذين مكّنتهم من الإمساك بمفاصل مهمة في الدولة لا تريد التفريط بها.
دولة المافيا تقرع أبوابنا، أو نحن نقرع أبوابها، بالقانون المُراد أن يُجيزه مجلس النواب، وقد أُعذِر من أَنذر.



العدد (2194) الأثنين 18/07/2011






 

 

 

free web counter