| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الثلاثاء 18/12/ 2012                                                                      

 

شنــاشيــــل :

شارع الساعدوني!

عدنان حسين      

أكثر شارع قطعتُه ومررتُ به طوال حياتي هو شارع السعدون في بغداد، فلستِ سنوات كاملة قبل أن أغادر البلاد الى المنفى كان هو طريقي اليومي الى مكتبي في صحيفة "طريق الشعب"، ومنذ سنة ونصف السنة أمرً به يومياً أيضاً في طريقي الى مكتبي في "المدى".

وقبل سنوات "طريق الشعب" كان شارع السعدون الطريق التي لا يمكن لأحد مثلي الا أن يمر بها مرتين أو ثلاثاً في الاسبوع لمشاهدة فيلم وصل للتو في سينما النصر أو سميراميس أو أطلس أو بابل أو السندباد، أو مسرحية في مسرح بغداد أو مسرح الـ 60 كرسي، أو لتمضية السهرة في أحد النوادي الاجتماعية وبخاصة نادي الاعلام، أو في واحد مما لا يُعدّ ولا يُحصى من المطاعم والحانات في شارع أبو نواس.

شارع السعدون الذي كان، كما أبو نواس والرشيد، أحد درر بغداد ومفاخرها، لم يعد كما كان في الماضي .. بغداد كلها لم تعد كما كانت في الماضي، فلحروب الماضي أحكامها الجائرة ولفساد الحاضر أحكامه الأكثر جوراً.

أمس زارني في مكتبي صديق عزيز لم ألتقه منذ مدة فضيّفته على الغداء في ما أظن انه أحسن مطعم في شارع السعدون. أمام واجهة المطعم كانت ثلة من العمال تحفر في الرصيف. لم يكن المشهد نادراً، فمنذ سنة ونصف السنة لم تتوقف أبداً الحفريات في هذا الشارع، وهو ما يشهد عليه ركام الحجر والتراب والقمامة المتخلف في الشارع .. لن أبالغ إذا ما قلت انني شهدت خلال هذه المدة نحو عشر عمليات حفر وإعادة حفر في هذا الشارع الذي تتركه كل عملية حفر في حال أسوأ مما كان عليها، وأظن لو انه نطق لصرخ بالمارة كالمتسولين: ساعدوني .

المهم اننا، صديقي وأنا، توقفنا عند ثلة العمال، وسألتهم عمَ يبحثون في الحفرة، فأفاد أحدهم بانهم يحفرون لإغاثة كيبل تقطّعت أوصاله بسبب ثقل "صبّة" الكونكريت التي بُني بها جزء من الرصيف. لم أسأل عن طبيعة الكيبل، للكهرباء أم للتلفون، فهذا تفصيل ليس بذي قيمة. القيمة الحقيقية بالنسبة لي كصحفي هي في هذا الهدر الهائل للمال والوقت والجهد مع عمليات حفر وإعادة حفر لا تتوقف، وفي ما ينجم عن هذه العمليات من آثار سلبية على البيئة والصحة وعلى الاقتصاد الوطني المتضرر مرتين، مرة بفعل التكاليف العالية لعمليات الحفر وإعادة الحفر ومرة أخرى بالحُفر والمطبّات المتخلفة في الشارع وما تسببه من تلف مبكر للسيارات المستوردة وأدواتها الاحتياطية من الخارج.

منذ ثلاثة أيام بدأت "المدى" بنشر التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية في حلقات يومية (على الصفحة الرابعة)، وعشية النشر اجتمعت ثلة من هيئة التحرير لتختار عنواناً دائماً للحلقات، وبعد نقاش قصير اقترح أحدنا العنوان المختار الآن"قصة اللادولة في العراق خلال 2011"، مبرراً رأيه بان خلاصة التقرير أن لا دولة في العراق.

شارع السعدون، أو بالأحرى شارع الـ "ساعدوني"، شاهد آخر على اللادولة في بلادنا.


المدى
العدد (2679)  18/12/2012



 

 

free web counter