| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأثنين 18/6/ 2012                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

كم المسافة بين القضاء المصري وقضائنا؟

عدنان حسين   

هذا هو القضاء الذي يستحق أن تُرفع له القبعات وتنحني الهامات .. القضاء العادل المستقل، الواثق بنفسه ومن أمره .. القضاء الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ولا طغيان حاكم .. القضاء الذي لا يُملى عليه من رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير أو رئيس كتلة أو زعيم حزب أو قائد ميليشيا، كما هي الحال عندنا.

من دون ضجيج ولا تصريحات صاخبة ولا ادعاءات فارغة، أثبت القضاء المصري انه القضاء القوي باستقلاليته ونزاهته الذي يأتمنه الفرد وتركن اليه الجماعة، فيشعر الفرد والجماعة انهما يسندان الظهر الى جدار شامخ من الحجر الصوان.

القضاء المصري وجد ان انتخابات مجلس الشعب مثلومة الشرعية فأعلن ذلك بكل صراحة ووضوح من دون خوف أو ريبة ولا وجل أو تردد، ما ترتّب عليه اعتبار المجلس المنتخب وكأن لم يكن ، والانتخابات التي أسفرت عنه وكأنها لم تجر.

لم تقل المحكمة الدستورية المصرية ان قرارها بشأن مجلس الشعب يصبح ساري المفعول اعتباراً من الانتخابات القادمة كما قضت المحكمة الاتحادية لدينا التي خالفت مخالفة صريحة مبدأ فقهياً وقانونياً أصيلاً يقضي بان ما بُني على باطل فهو باطل.

محكمتنا الاتحادية سجلت نقطة سوداء في تاريخها بمخالفتها هذا المبدأ في حكمها الصادر منذ سنتين.

ومنذ سنتين رفع مرشحان الى الانتخابات البرلمانية الأخيرة دعوى الى المحكمة طعنا فيها بالقانون الذي جرت على أساسه الانتخابات، باعتباره يتعارض مع بعض أحكام الدستور .. المحكمة قبلت الدعوى ووجدت ان قانون الانتخابات يتعارض بالفعل في بعض بنوده وأحكامه مع بنود وأحكام في الدستور، لكنها اعتبرت ان الانتخابات كانت شرعية لأن حكمها شمل الانتخابات اللاحقة.

كان حكماً غريباً للغاية يشبه ان يصدر قاض حكماً على مجرم بالسجن أو الاعدام على متهم ماثل أمامه ليس عن القضية المُتهم فيها وانما عن قضية مُفترضة لم تقع بعد!

عندما أصدرت محكمتنا الاتحادية حكمها غير المنطقي لم يكن مجلس النواب قد باشر أعماله ولا اختار مجلسه الرئاسي ولجانه ولا رئيس الجمهورية ونوابه ولا اعطى الثقة للحكومة التي لم تكن قد تشكلت بعد .. أما في الحالة المصرية فان مجلس الشعب كان قد زاول أعماله واتخذ اجراءات وقرارات وشرّع قوانين، ومع هذا لم تبال المحكمة الدستورية بهذا كله، فما بُني على باطل فهو باطل .. هذا هو حكم الفقه والقانون والمنطق والشرائع كلها .. وهذا ما خالفته محكمتنا الاتحادية في قرارها ذاك الذي أضفى الشرعية على عمل غير قانوني، غير دستوري، غير شرعي وغير منطقي.

الفرق بين قرار المحكمة الدستورية المصرية ومحكمتنا الاتحادية هو الفرق بين القضاء القوي  الموثوق به والقضاء الضعيف الذي لا يعوّل عليه .. بين القضاء المستقل والقضاء الخاضع للأهواء... بين القضاء العادل المنصف والقضاء الذي لم تزل بينه وبين العدل والانصاف مسافة غير قصيرة.

 

المدى
العدد (2512) الأثنين 18/6/2012



 

 

free web counter