| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأحد 17/4/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

لا عزاء لضحايا مقبرة الأنبار

عدنان حسين

في بلاد من بلدان هذا العالم الواسع تسقط طائرة أو تغرق باخرة أو يصطدم قطاران أو يتفجر بركان أو يحدث تسونامي أو إعصار، ويموت مئات من الناس ويتضرر آخرون بسبب ذلك، فتسارع الدولة إلى إعلان الحداد الوطني حزناً على الضحايا وتضامنا مع عائلاتهم المفجوعة.
هذه البلاد توصف عادة بأنها متحضرة ومتمدنة، فرهافة الحسّ الإنساني وعمق الشعور الوطني من لوازم التحضر والتمدن.

وفي بلاد أخرى يحدث ما هو أشد هولاً وإيلاماً وتعذيباً من حوادث القضاء والقدر تلك.. يموت مئات من النساء والأطفال والشباب والشيوخ جماعياً رمياً بالرصاص أو دفناً في رمال الصحراء وهم أحياء، فيمرّ الخبر بالدولة والمجتمع ووسائل الإعلام مرور الكرام، كما لو أنه يتعلق بنفوق 50 رأس غنم.
ماذا يمكن أن توصف به هذه البلاد، دولة ومجتمعاً، سوى أنها غير متحضرة وغير متمدنة، بلا حسّ إنساني مرهف ولا شعور وطني عميق؟
من هذه البلاد الأخيرة بلاد كانت قد شهدت على مرّ تاريخها حضارات عظيمة رائدة: السومرية، الأكدية، البابلية، الآشورية وأخيراً العباسية، وعلّمت البشرية الكتابة وصناعة العجلة.. إنها بالطبع بلادنا، العراق، التي تطورت اليوم، في ظل نظامها "الديمقراطي"، إلى بلاد لا يرفّ لدولتها جفن ولا يتحرك في مجتمعها عرق بينما تنقل وسائل الإعلام خبر الكشف عن مقبرة جماعية تكتظّ برفات وبقايا 812 من بناتها وأبنائها من كل الأديان والمذاهب والقوميات، وحتى العقائد السياسية، ومن المدنيين والعسكريين.
لا الحكومة تندد رسمياً بالجريمة البعثية وتعلن الحداد الوطني، ولا مجلس النواب يعزي الشعب وعائلات الضحايا بالفاجعة، فالمسؤولون في الحكومة وأعضاء البرلمان مشغولون بصراعاتهم على المناصب الشاغرة في مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة ومجلس المحافظات، ومنصرفون إلى امتيازاتهم والى صفقاتهم المتبادلة والمتقابلة على طي ملفات الفساد المتورطين فيها هم وأحزابهم وكتلهم وأفراد عائلاتهم.
لا عزاء لضحايا الإبادة البعثية الذين تركوا في صحراء الأنبار أكثر من ربع قرن حتى كُشف النقاب عن مصيرهم منذ بضعة أيام فقط، ولا عزاء لعائلاتهم الملتاعة بعدما أمّن السياسيون مواقعهم في الحكومة والبرلمان ومجالس المحافظات، فما من أحد من هؤلاء السياسيين يرى، مثلاً، أهمية لتشريع خاص يُنصف الضحايا وعائلاتهم على نحو عاجل ويجنب آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناءهم ذلّ المراجعات المضنية الى الدوائر لإثبات ان الشهداء عراقيون وان عائلاتهم هي عائلاتهم وهي عراقية، وما من أحد من هؤلاء السياسيين يتفتق ذهنه ويقوده حسّه الوطني وشعوره الإنساني إلى اقتراح بإنشاء وزارة ذات للشهداء أسوة بوزارات الدولة التي لا تُعد ولا تُحصى، وأوجدت فقط لإرضاء أشخاص منفردين أو مجموعات صغيرة لم تذق يوماً الطعم المرّ للاعتقال ولم تكابد قساوة التعذيب ولم تُفجع بمصيبة القتل على أيدي البعثيين.
لا تعجبوا إذا ما رأيتم ذات يوم أو سمعتم بان من تبقى من أمهات ضحايا مقبرة الأنبار الجماعية الأخيرة وآباءهم وزوجاتهم وأبناءهم، قد تظاهروا في ساحة التحرير يطالبون بإنصافهم وتقدير تضحيات الشهداء، ولا تستغربوا إذا ما رأيتم أو سمعتم بأن قوات الأمن تتعسف في حق هؤلاء المتظاهرين، فنحن في بلاد لا ترفّ فيها الأجفان عند الكشف عن جريمة مروّعة من جرائم النظام البعثي قُتل فيها 812 عراقية وعراقياً ودفنوا بملابسهم وهم أحياء أو بعد إطلاق الرصاص عليهم جماعياً.. نحن في بلاد تراجعت كثيراً عن تحضرها وتمدنها الموغلين في القدم!.



العدد (2103) الأحد 17/04/2011






 

 

 

free web counter