| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأثنين 17/10/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

قضية علم خانقين

عدنان حسين

ما أرخى حياتنا!.. ما أهنأ عيشنا! ما أفخم سكنانا وما أرقى أثاثنا! ما ألذ طعامنا وما أطعم شرابنا! فنحن الآن في بلد قد شبع آخر جياعه وكُسي آخر عراياه وجُبر خاطر آخر مساكينه ويتاماه وأرامله وثكالاه، وأعيد إلى دياره آخر مهجّر داخلي وآخر مهاجر إلى المنفى، وبُنيت فيه للتو أول محطة كهرباء تصدّر الطاقة الفائضة إلى دول الجوار.

بالمختصر: ما أسعدنا! فلم يعد ما يُشغلنا أو بالأحرى نتسلى به من فرط رفاهنا وأمننا سوى قضية عَلَم مرفوع فوق بناية واحدة أو خمسين بناية في بلدة نائية عن معظم مدن العراق اسمها خانقين.
لأكثر من خمس عشرة سنة عشتها في لندن، لم أكن أرى العلم الاتحادي (علم المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية) إلا في عدد محدود من الأماكن، مثلما بالكاد كنت أجد للملكة اليزابيث الثانية صورة في الدوائر الحكومية، لكن فوق الكثير من البنايات في لندن وسواها من المدن والبلدات البريطانية كانت العشرات من الأعلام ترفرف عالياً... أعلام لا تشبه العلم الاتحادي.. أعلام بنوك ومطاعم وأسواق وبلديات وجمعيات ونوادٍ وشركات، ولا أحد يتحسس أو يشعر بالإهانة أو الاستفزاز.. لا أحد يشعر بأن الوطن مهدد والوطنية محاصرة أو متجاوز عليها، فالشعور الوطني في القلوب الدافئة وليس على رؤوس المباني الباردة.
الأهم من العَلَم تحقيق إنسانية الإنسان وحفظ كرامته وتأمين حقوقه.. فما نفع العلم إذا ما رفعه كل عراقي من الثلاثين مليوناً فوق رأسه، فضلاً عن سطح منزله، ولا يتمتع رافع العلم هذا بحق العمل وهو الخريج الجامعي العاطل منذ سنوات؟ وما نفع العَلَم إذا لم يجد رافعه على رأسه وفوق بيته الهواء النقي الذي يتنفسه والماء الصافي الذي يشربه والعلاج اللازم عند مرضه ولقمة الخبز عند جوعه؟ وما نفع هذا العَلم لرافعه فيما يسرق البيروقراطيون الذين أقسموا تحت لواء هذا العَلم على الصدق والأمانة والنزاهة، يسرقون المليارات المرصودة لبناء مستشفياته ومدارسه ومحطات كهربائه وشوارعه وزراعته وصناعته ولتوفير حصته التموينية؟
ليت الذي فجّر قضية علم إقليم كردستان في خانقين فأثقل حياتنا المرهقة بقضية خلاف جديدة بين السياسيين، قد أمر مثلاً بالكشف عن سراق المال العام، وهم بالمئات من كبار المسؤولين في الدولة، وبإعادة المليارات المسروقة إلى خزينة الدولة كيما تتوفر فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب، وكيما تُبنى مشاريع بنية تحتية منتظرة منذ سنوات، وبالذات مشاريع الكهرباء والصحة والزراعة والصناعة والخدمات، وليته أمر بالكشف عن مخترقي الأجهزة الأمنية الذين يؤمّنون للإرهابيين إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات بكل راحة واطمئنان، فأوامر كهذه أنفع وأكرم لنا نحن الثلاثين مليوناً من إنزال عَلم أو رفع عَلم من فوق بناية أو مئة بناية في خانقين أو في غيرها، ذلك إن إنزال علم الإقليم في خانقين لن يحلّ مشكلة المناطق المتنازع عليها مثلما لا يعني بقاء العَلَم إلحاقاً نهائياً لهذه المناطق بالإقليم.


العدد (2280) الأثنين 17/10/2011






 

 

 

free web counter