| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الثلاثاء 16/8/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

لا وقت للزعل

عدنان حسين

الزميلات والزملاء الإعلاميون الذين نشطوا بحماسة لتعديل قانون حقوق الصحفيين قبل أن يشرّعه مجلس النواب ربما زعلوا لأن جهودهم الدؤوبة لم تُثمر الصيغة المثلى التي أرادوها كيما يضمنوا لهم ولسائر أهل المهنة قاعدة قانونية راسخة لأداء مهمتهم الاجتماعية الراقية بحرية والعيش هم وعائلاتهم بكرامة ومن دون خوف.

الزعل له ما يُبرره بعض الشيء، فصيغة القانون التي مرّرها البرلمان لم تتحسن وتتشذب كفاية بما يكفل الا يكون القانون متعارضاً في بعض أحكامه مع أحكام الدستور ومع العهود والمواثيق الدولية ذات العلاقة. ولكن ليتذكروا أن الصيغة الأولى للقانون كانت سيئة للغاية ما أثار حفيظتنا ومعنا العديد من أهل القانون ونشطاء المجتمع المدني والمنظمات الدولية المتخصصة، وحفّزنا على العمل لتعديل تلك الصيغة. وليتذكروا أيضاً أن جهودنا أثمرت في الواقع صيغة أقل سوءاً ويمكن اعتمادها أساساً لقانون جديد (معدّل) لا بدّ من مواصلة العمل من أجله في المستقبل. وليتذكروا أخيراً ان القاعدة الذهبية تقول: ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه.
قانون حقوق الصحفيين ليس هو القانون الوحيد الذي وُلد ناقصاً وقاصراً في كنف البرلمان الحالي والبرلمان السابق، فمعظم القوانين الصادرة منذ العام 2005 حتى الآن هي من هذا النوع، بل ان أبا القوانين، الدستور، هو أيضاً ناقص وقاصر، ولم يؤد مجلس النواب السابق واجبه في تعديله. وحتى الآن لم تظهر أية إشارة على أن المجلس الحالي سيضطلع بالمهمة، بل حتى لو أدرج هذا المجلس التعديلات الدستورية في جدول أعماله فما من ضمانة بان هذه التعديلات ستكون حسنة وجيدة وايجابية بما يستجيب لحاجات الشعب العراقي الآنية وتطلعاته المستقبلية.
أكثر من هذا ان دولتنا الميمونة لم تزل تعمل بمعظم قوانين صدام حسين، ووسطنا الإعلامي محكوم حتى هذه اللحظة بتلك القوانين. حتى القوانين الجديدة لم تخلُ هي الأخرى من المثالب والعيوب ولم تُعدم تطبيقاتها الجور والتعسف وانتهاك أحكام الدستور والمبادئ الديمقراطية، وأبرز مثال على هذا مواد مكافحة الإرهاب التي راح ضحية لها العديد من الأبرياء، وبينهم نشطاء المتظاهرين الذين طالبوا الدولة بمكافحة حقيقية للإرهاب والجريمة المنظمة واجتثاث ظاهرة الفساد المالي والإداري وتوفير الكهرباء وسواها من الخدمات وتأمين العمل للخريجين .. وما الى ذلك.
في المجالس الخاصة تبرر المصادر المقربة من الحكومة إلحاح مسؤولي الحكومة لإصدار قانون حقوق الصحفيين على عجل بـ"مواجهة الإعلام المضاد للعملية السياسية"، وهم يقصدون بهذا على وجه التحديد قنوات فضائية عراقية تعمل من الخارج كالشرقية والرافدين والبغدادية ومواقع الكترونية أخرى .
هذه سياسة عقيم جُرّبت كثيراً في الماضي ولم تنفع، فالإعلام "المضاد" لا يُواجه بالإجراءات القسرية أو التعسفية، وإنما بالإعلام الحقيقي، وفقاً لقاعدة "الدواء من جنس الداء" كما قالت العرب قديماً. ولو كانت لدينا مؤسسة إعلامية وطنية كفوءة تعمل طبقاً للأسس والقواعد والتقاليد المهنية للإعلام الحر لكانت هي أفضل وسيلة لإبطال مفعول الإعلام المضاد.
والواقع أن "الإعلام المضاد" يتعيّش على أخطاء الحكومة وعيوب العملية السياسية برمتها، وهي كثيرة للغاية إلى حدّ أن هذا الإعلام لا يحتاج لأن يَجهد كثيراً من أجل الحصول على المواد اللازمة له، ففي كل يوم هناك عشرات القصص والقضايا التي توفّر مادة دسمة لهذا "الإعلام المضاد". و"الإعلام المضاد" يتعيش على تردي مستوى الإعلام الذي تقدمه شبكة الإعلام العراقي.
تريدون مكافحة "الإعلام المضاد"؟ .. حدّوا من أخطاء مؤسسات الدولة، وهذا يكون خصوصاً بمكافحة الفساد بكل أنواعه المستشري فيها، وعالجوا عيوب ونقائص العملية السياسية، وهذا يكون خصوصاً بالإقلاع عن المحاصصة، وأصلحوا حال شبكة الإعلام العراقي باجتثاث الفساد وعدم الأهلية والترهل في دواوينها وأروقتها وفروعها ومكاتبها. وأخيراً حسّنوا صيغة قانون حقوق الصحفيين بما يسمح للإعلام بأن يرى ويسمع وينقل ما يراه ويسمعه وينتقد ما يستدعي النقد بحرية حتى لو لم يكن يُعجب رجال الدولة.
 


العدد (2223) الثلاثاء 16/08/2011






 

 

 

free web counter