| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأحد 10/6/ 2012                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

نخلنا يُزرع في غير مكانه

عدنان حسين   

بفضل الفورة في انتاج النفط والطفرة في أسعاره في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، اجتاحت دول الخليج العربي حمّى زراعة النخيل حتى على أرصفة الشوارع العامة .. بدا منظر صفوف النخيل فخماً بهياً يسرّ الناظرين في بلدان لم تكن تعرف من قبل غير الصحراء الجافة والبحر المالح.

بعد عقد أو عقدين من الزمان بدأت مدن الخليج المنبثقة للتو تعاني من المشكلة، فللنخلة متطلبات كثيرة منها التنظيف المتواصل لما يتساقط منها من تمر وسعف وكرب وليف، فبدأ ت هذه المدن بالتحول نحو أنواع أخرى من الاشجار دائمة الخضرة غير المثمرة، أُستقدِمت من أفريقيا والهند، وكان ذلك خياراً صحيحاً وسليماً جعل من مدن الخليج واحات خضراء وحدائق غناء.

هنا في بلادنا هذه التي كانت حصة كل فرد من سكانها، ذات يوم، أربع نخلات (30 مليون نخلة و7 ملايين نسمة) أخذنا الآن نقلّد دول الخليج في ما كانت تفعله منذ ثلاثة عقود وتراجعت عنه أخيراً. فثمة سباق بين المحافظات والمدن والبلديات على زراعة النخيل على طول طرق داخلية وأخرى خارجية، ولا أدري كيف مات غير القليل من هذا النخل! لا بد انه الإهمال الذي يضرب بأطنابه مفاصل في دولتنا ومجتمعنا تتعلق حتى بالصحة العامة والأمن.

ما تحتاج الى زراعة النخيل هي البساتين التي قضت عليها أو كادت حروب صدام العدوانية المدمرة. والحاجة هنا لا تقتصر فقط على إعادة إحياء تجارة التمور وصناعتها، وانما ايضاً لوقف هذا التصحر الزاحف الى قلب المدن والأرياف، والجالب معه عواصف الغبار التي تكاد أن تتحول الى طقس اسبوعي.

أما مدننا فحتاج الى استنساخ التجربة الخليجية في استقدام الأشجار الأفريقية والهندية دائمة الخضرة وارفة الظلال للتجميل الدائم ولكسر درجات الحرارة المشتدة عاماً بعد آخر ولصدّ عواصف التراب.

في نهاية كل سنة مالية تُعيد المحافظات الى الخزينة العامة أموالا طائلة لم تستطع انفاقها، بسبب الإهمال وقلة الخبرة وسوء التخطيط، ومن الممكن تخصيص نسبة من هذه المبالغ لتشجير المدن بالاشجار المشار اليها.

الزائر اقليم كردستان العراق يلاحظ الفرق الهائل بين ما كانت عليه الطبيعة منذ عشرين سنة وما هي عليه الآن. قبل عشرين سنة كانت الجبال جرداء تماماً، فلقد ظلت الانظمة السابقة تجيّش الجيوش لإحراق الغابات والأحراش الجبلية منعاً لاختباء البيشمه ركة فيها وانتفاع الكرد بها، وفي مطلع التسعينات خلت بعض الجبال تماماً من كل شجرة. الآن تزدهر هذه الجبال بخضرتها العائدة للتو.

هذه التجربة يمكننا استنساخها في القسم الآخر من العراق، قسمنا الذي يتصحر وتتجرف تربته.

تجميل المدن لا يكون بنشر النخيل في شوارعها، بل بالاشجار الأخرى دائمة الخضرة غير المثمرة، فبعد حين سيتعيّن على البلديات ان تستخدم جيشاً من العمال لتنظيف الشوارع مما يتساقط من النخيل الذي مكانه الطبيعي في البساتين ودور السكن.

 

المدى
العدد (2505) الأحد 10/6/2012



 

 

free web counter