| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأربعاء 10/8/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

وزارة خان جغان!

عدنان حسين

مما يُروى من نوادر الشاعر العباسي العبقري أبو نوّاس أنه تراهن والخليفة هارون الرشيد على أن يأتي الشاعر الخليفة عذراً أقبح من ذنب، مشترطاً حصوله على الأمان أولاً درءاً لبطش أكبر سلاطين زمانه، وهو ما كان له بالفعل.في أول فرصة سانحة أثبت أبو نواس انه بارع في الرهان كما في الشعر. فحسب الرواية خرج الرشيد ذات يوم متجولاً في أسواق بغداد في صحبة زوجته الست زبيدة وحاشيته الكبيرة ونديمه أبو نواس، وفي عزّ الزحام أدخل الأخير أحد أصابعه في مؤخرة الخليفة الذي لم يكن في وسعه بالطبع السكوت على تصرف شاعره فغضب وأراد الانتقام لكنّ أبو نواس بادره بالقول: معذرة صاحب العظمة، لم أكن أقصد، ظننتها مؤخرة الست زبيدة! فحنق الخليفة أكثر، وهنا ذكّره الشاعر برهانهما على العذر الأقبح من الذنب، وبالأمان الذي قطعه له.
لستُ في معرض تقييم الحكاية والتثبّت من صحتها، فتاريخنا العربي – الإسلامي مشحونة كتبه بالأكاذيب والترهات والمبالغات التي ما أنزل الله بها من سلطان، لكنني قرأت في أخبار أمس أن عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب أحمد الجبوري أفاد (السومرية نيوز) بأن أكثر من 3000 موظف تم تعيينهم في وزارة التربية بأوامر إدارية مزوّرة من مكتب وزير التربية السابق خضير الخزاعي الذي ترقّى الآن إلى منصب نائب رئيس الجمهورية، وهي تحمل توقيعه.
هذا الخبر لا ينطوي على أي عنصر غرابة بالنسبة لنا، فعشرات الآلاف من موظفي الدولة الذين عُيّنوا إثر تولي إخواننا في الأحزاب الإسلامية (الشيعية والسنية على السواء) السلطة بعد 2003 اجتاحوا أجهزة الدولة ودواوينها بشهادات مزورة وأوامر غير قانونية. وكثير من هؤلاء يدير الآن أو يساعد في إدارة هذه الأجهزة والدواوين كما الأباطرة، وهذا أحد أسرار التردي المتفاقم للخدمات التي تقدمها هذه الأجهزة والدواوين، والسوء المتواصل لأحوالها الداخلية.
ليست معلومة النائب الجبوري، إذاً، هي العجيبة الغريبة، وإنما التفسير المنسوب الى المفتش العام لوزارة التربية لهذا الفعل (التزوير)، فهو تفسير في مستوى العذر الذي قدّمه أبو نواس إلى الرشيد في الحكاية أعلاه. السيد المفتش العام، كما تنقل (السومرية نيوز) عنه، يقول إن "الأوامر صحيحة وموقّعة حسب الأصول، ولكن هناك أسماء مضافة إلى أسماء المعينين بالأمر الوزاري، أي حين يصدر أمر وزاري بثلاثين موظفاً تُضاف له أسماء أخرى، ليصل إلى مديريات التربية 150 اسماً"، موضحاً أن "التزوير يكون من خلال إضافة أسماء إلى الأوامر الوزارية"!
كيف؟ .. كيف ينتفخ أمر وزاري بتعيين 30 موظفاً خمس مرات ليستوعب 150؟ لا بدّ إن هذا يحدث في مكتب الوزير وليس خارجه، فمن يجرؤ؟.. الـ 30 اسماً لا تحتاج قائمتها المتسلسلة إلى أكثر من صفحة واحدة تنتهي عادة بإشارات إلى توجيه نسخ من الأمر الوزاري إلى مديريات التربية المعنية ووزارة المالية والموظفين أنفسهم، وما إلى ذلك، فكيف تُحشر الـ 120 اسماً الإضافية؟ لا بدّ من صفحات مُضافة تستوعب هذه الأسماء، فمن فعل هذا؟ وكيف فعله؟
المفتش العام، في ما يبدو، يبحث عن عذر للوزير بالتلميح إلى غفلته عن الأمر. ولكن من عيّن مدير مكتب الوزير والطاقم المسؤول عن إصدار الأوامر الوزارية وطباعتها وتوزيعها؟ أليس هو الوزير نفسه من اختار مدير مكتبه والموظفين المقربين الذين يتولون عادة هذه المهمة؟ فكيف يُراد إخراج الوزير من قضية كهذه مثل الشعرة من العجين؟ ألا تترتب عليه مسؤولية معنوية وأخلاقية في الأقل ... مسؤولية تحوّل وزارته الى "خان جغان"؟.
 


العدد (2217) الأربعاء 10/08/2011






 

 

 

free web counter