| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. أكرم هواس

 

 

 

 

                                                              الأحد 6 / 4 / 2014

 

الفيليون و مفهوم الجينوسايد القانوني

د. اكرم هواس  * 

في مقالتي الاخيرة حاولت مناقشة العلاقة الجدلية بين ثنائية الجينوسايد و القانون ... هنا في هذه المقالة اود ان أضع الفكرة في موضع تجربة عراقية ما تزال تتفاعل رغم ازالة العوامل المؤسسة لها... على الأقل قانونيا وسياسيا...

نبدأ ببعض التساؤلات الأولية... كيف يمكن ان تستمر هذه المأساة في ظل وجود تحولات كبيرة في المجتمع..؟؟ ... سؤال يقودني الى ابداء بعض الملاحظات المهمة قبل الدخول في شرح ملابسات التجربة و أسباب تفاعلها رغم التغييرات السياسية...

اولا... وردتني بعض رسائل العتاب من عاملين في الشأن القانوني و لذلك لابد ان أوضح بأني لا أتحدث عن أولئك القضاة الذين يشرعنون اعمال الجينوسايد بسبب مصالحهم الخاصة سواء كانت هذه المصالح هي إيجابية نفعية او سلبية إنقاذا للنفس على حساب الأمانة القانونية والاخلاقية... و إنما أتحدث عن النظام القضائي كجزء من نظام الدولة...

ثانيا... العلاقة بين النظام القضائي و النظام العام لابد ان نتذكر ان القضاة هم جزء من الشعب رغم اختصاصهم الذي يستدعي مثل اي اختصاص اخر أن يتفاعلوا بشكل موضوعي مع القضايا التي تعرض عليهم... و بعيدا عن التداخل الفلسفي والسايكولوجي بين الذاتية والموضوعية والذي لا يمكن وضع خطوط واضحة للحدود بينهما... الا ان هناك أيضاً تداخلا مماثلا بين المسؤولية الاخلاقية والعلمية من جهة والمسؤولية المجتمعية والسياسية من جهة اخرى..

ثالثا... و لكي نفهم المعادلة لابد ان نذكر ان المرجع الأساسي للنظام هو ليس التراكم التاريخي للقوانين سواء في مجتمع معين او من خلال تجارب المجتمعات الاخرى... هناك عاملين مهمين يدخلان بشكل في الصيغ القانونية وهما القيم الاخلاقية الفلسفية والدينية والاجتماعية والثقافية التي يؤمن بها أفراد المجتمع او القادمة من الخارج اي القانون الدولي وغيره... والعامل الثاني هو ضرورة مراعاة التطور السياسي والاقتصادي في البلد... وهذا يعني ان النظام القانوني يمثل حالة توازنية بين العناصر المختلفة والمتعارضة داخل كل من هذا العاملين ومثيلاتها في العامل الثاني..

رابعا... بناء على الأساس فان المفهوم الذي اقصده للعلاقة الجدلية بين الجينوسايد والقانون يمكن فهمه وفق هذه المعادلة :... الجينوسايد هنا لا يتعلق بدور النظام القضائي وإنما يتعلق بالقانون المجتمعي وهو محصلة تقاطع تأثير العناصر الواردة في العاملين المذكورين أعلاه والتي توضع في إطار قانوني ليعبر عن مصلحة مجتمعية (تسمى وطنية) للقيام بإجراء عقاب جماعي ضد مجموعة من بشرية منتمية الى المجتمع ... بكلام ان القانون يعبر عن رغبة عامة بالتخلص من مجموعة الشعب لأجل المصلحة العامة.. او هكذا يتم تصوير الموضوع...

هذا بالضبط ما حصل في قضية الكورد الفيليين... اعتبرهم النظام أعداء الشعب... وهكذا تفاعلت كل الأجهزة التابعة مباشرة للنظام ولكن أيضاً المؤسسات المكونة للدولة ... فقد تم اختصار الدولة من قبل النظام السياسي وكذلك تم تجاوز الرأي العام العراقي من قبل أيديولوجية الحزب الحاكم... وامام أنظار الجميع تم اخراج آلاف العوائل من بيوتهم منتصف الليالي بملابس النوم ووضعوا في سيارات عسكرية تقودهم الى المناطق الحدودية الوعرة بين العراق وايران لتنتظرهم عصابات تتعاون مع النظام لكي تستولي على البقية الباقية من حياة هؤلاء البؤساء من الكورد الفيليين وهي ملابس نومهم وأنوثة نسائهم...

كانت المشاهد التي تكررت عبر فترة طويلة توحي بأكبر معرض للاغتصاب خاصة ان اغلب الرجال قد تم وضعهم في سجون خاصة تمهيدا لاستخدامهم في تجارب السلاح الكيمياوي الذي استخدم لاحقا أيضاً ضد الكورد في حلبجة ... ولذلك فان الغالبية العظمى ممن وضع على الحدود كانوا من النساء والأطفال وبعض كبار السن... كثير من هؤلاء ماتوا من الجوع والعطش وكثير من النساء تعرضن الى الاغتصاب ... مشهد يذكرنا بمأساة الأرمن في تركيا العثمانية رغم ان التجارب التاريخية متعددة.. وفي الحقيقة فان العراق لوحده يقدم الكثير من التجارب المماثلة...

المهم في الموضوع هو ان النظام القضائي لم يبدي اي اعتراض على هذه الإجراءات الرهيبة كما لم يفعل اي من العشائر او المكونات الشعبية ... وهكذا اصبح الجينوسايد وكأنه امر  طبيعي وهذا ما يذكرنا بالضحية في الأساطير والثقافات القديمة فالجميع يشترك في عملية قتل الضحية دون ان يطرح احد اي سؤال عن حق الضحية في الحياة...

هذه الثقافة ما تزال للأسف قائمة وتعشعش في مخيلة وضمير الكثيرين في المجتمع رغم ان العديد من القوى والأحزاب تدّعي الدفاع عن حقوق الانسان بل وتخرج بين الحين لتدّعي الدفاع عن حقوق الكورد الفيليين... وهذا هو السبب في استمرار تفاعل هذه المأساة ... بل وفي انتاج تجارب رهيبة اخرى في العراق ...

بكلمة اخرى ..... جثث الكورد الفيليين نبتت في كل مكان في العراق وأرواحهم نبتت في السماء ولكن ذكراهم لم تنبت في ضمائر السياسيين و السلطويين...

محبتي للجميع
 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

free web counter