| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. أكرم هواس

 

 

 

 

                                                                                    الثلاثاء 3/5/ 2011

 

مسرحية سيئة الاخراج و لكن ذو مؤشرات خطيرة

د. اكرم هواس  *

كوني لست مسرحيا اود ان استميح المسرحيين عذرا في الولوج الى منطقة اختصاصهم و لكن عذري هو ان ما قدمه لنا الامريكيون في يوم عيد العمال العالمي لا يحتاج الى الكثير من علم الفن المسرحي حتى يدرك المرء ان الاخراج كان سيئا الى درجة البلاهة.

قدمت مسرحية قتل بن لادن على اساس فكرة الجريمة الكاملة التي يرفضها علم الجريمة بشكل قاطع. فقد هيأ الامريكيون ساحة العملية والابطال المنفذون وصورة الجمهور المتحمس اي الرئيس واركان نظامه ومن ثم قدمت ايحاءات ذهنية عن كيفية اجراء العملية البطولية وكيف انتهت برمي الجثة في البحر بحيث لا يتسنى لاية جهة اخرى التحقيق والاستقصاء وبذلك اسدل الستار عن عملية متكاملة حيث لم ينسى المخرج ان يخبرنا بانه قد تم اخذ حقيقة كون القتيل مسلما في الاعتبار يما يتعلق بالتكفين و اقامة صلاة الميت قبل رمي الجثة في البحر.
              
المشكلة الاساسية في اخراج هذه المسرحية تكمن في العديد من التساؤلات حول كيفية وصول الشخصية الرئيسية الى هذا المكان وبقائه لفترة طويلة وهو مريض في الكلى ويحتاج الى ادوية وعناية خاصة دون ان يكتشفه جهاز الاستخبارات الباكستانية التي يقع مقرها على بعد امتار من مكان تواجد هذه الشخصية المطلوبة عالميا.

هنا يبرز احد اهم المؤشرات الخطيرة لهذه العملية واعني العلاقة بين جهاز المخابرات الباكستانية و بن لادن. مؤشر خطير اخر يتعلق بالتوقيت. هنا لابد من الاشارة الى ان العديد من المعلقين يميلون الى ربط هذا التوقيت مع سعي الرئيس اوباما الى ولاية ثانية. هذا الربط لا يمكن رفضه ولكنه لا يحل اللغز في التوقيت خاصة ان موعد الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة يبعد عنا بما يقرب من السنة والنصف فلماذا لم ينتظر اوباما الى وقت قريب من موعد الانتخابات حتى يضمن قوة الدفع بشكل افضل لان المسافة الزمنية الفاصلة قد تكون حبلى بالكثير من التطورات على الساحة الامريكية بحيث انها قد تنسي الامريكيين فضل اوباما في الخلاص من العدو الاول بن لادن؟

هنا يبرز مؤشر خطير اخر حيث لا يمكن توّقع عدم اخذ اوباما وفريق عمله هذه الحقيقة في الحسبان وعليه فان المنطق يؤشر الى سيناريوهات متوقعة او ربما مخطط لها ان توصل ارهاصات هذه العملية بموعد الانتخابات القادمة بل و تتجاوزها ايضا.

حتى نفهم المعادلة بشكل افضل فعلينا ان نتذكر نقطتين هامتين مترابطتين بشكل عضوي وهما ....

اولا : استحقاقات الخروج الامريكي المرتقب من العراق نهاية هذا العام ومن افغانستان بحلول 2014. هذا الخروج المتوقع يؤرق بشكل كبير القائمين على الصناعة العسكرية في الولايات المتحدة التي تعتبر من اهم اعمدة النظام الامريكي. كما ان الركود في الصناعة العسكرية ستكون له تأثيرات سلبية بشكل كبير جدا على مجمل مستويات النمو وبالتالي سيكون وبالا على الاقتصاد الامريكي المتهالك اساسا. استنادا الى هذه الحقيقة فان مسألة انهاء العمليات الحربية تؤشر الى انحدار في دور الولايات المتحدة على المسرح العالمي و تهدد بزوال هيمنتها وربما انهاء امبراطوريتها العالمية كما تؤكد اغلب الدراسات الاستراتيجية التي تقوم بها مراكز دراسات اميركية وعالمية اخرى.

هذه الحقيقة تستدعي اطالة الحرب بايجاد ميكانيزمات جديدة ومنها الصراع المتصاعد بين العرب وايران ولكن ايضا نقل العمليات الحربية الى داخل باكستان كبديل واقعي لافغانستان طالما ان الاسباب هي ذاتها وهي محاربة الارهاب الدولي. لكن هذا النقل لا يمكن ان يمر دون ايجاد الاليات المنطقية التي تربط الارهاب بباكستان. من المهم ان نتذكر ان المستويات الاولى لهذا الربط قد جرى بالفعل منذ فترة وذلك عن طريق خلق الشرخ والصراع بين المؤسسة العسكرية الباكستانية وقوى اسلامية راديكالية اي طالبان باكستان. الان سيجري احداث صراع داخل المؤسسة العسكرية حتى تنقسم على نفسها وهذا سيؤدي الى الغاء دور الدولة وبالتالي سيستدعي تواجد القوات الامريكية واستمرار العمليات العسكرية للحفاظ على القوة النووية ومنع سقوطها بيد الجناح المؤيد للقوى الاسلامية الراديكالية.

ثانيا : تنشيط ذاكرة الارهاب التي اضمحلت كثيرا بفعل الثورات الشعبية السلمية في اغلب مناطق العالم العربي والتي كادت الى ان تصل الى بقاع اخرى في العالم وخاصة في المجتمعات المسلمة. وهنا تبرز القيمة المهمة لعملية قتل بن لادن حيث انها تريد ان تعطي مؤشرا الى موت ثقافة الصراع الدموي الذي تعتاش عليه الراسمالية الحديثة. عملية القتل بهذا الشكل المهين يتأمل منها الامريكيون واصدقاؤهم اعادة تنشيط دورة العنف وبالفعل فقد سارعت الكثير من المؤسسات الامنية وغيرها من التوجس من عمليات ارهابية محتملة في العالم كما اعلنت الشرطة في بعض الدول الغربية عن القاء القبض على مجموعات ارهابية .

جميل ان يتم حماية الناس من كل اشكال العنف ولكن الى اي مدى يمكن الفصل بين الواقع والمسرح ؟ سؤال يظل دون امكانية حقيقية للتحقق منه. فالعالم يحكمه الاقوياء والمخرج الامريكي لاحداث العالم لا يأبه كثيرا لاذواق الناس. المشكلة تكمن في رؤية الامريكيين للعالم فهم ينطلقون من فكرة ان امريكا تنتج اي شيء والاخرون سيتقبلون به مهما كان... هكذا جرت الاعراف واصبحت حقيقة تاريخية منذ ان برزت الولايات المتحدة على المسرح العالمي بعد احداث الحرب العالمية الثانية.

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

free web counter