|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  22  / 11 / 2014                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مانيفستو سعدي يوسف...

د. اكرم هواس *

رغم انتقادي لدور المثقفين و الأسس الثقافية بصورة عامة في مقالات متعددة الا انني لم أتعود ان اكتب عن سلوك الأفراد و افكارهم لأَنِّي اؤمن بحرية الفكر و السلوك مع الالتزام بالمسؤولية .... لكننا الان بصدد قصيدة شعر بدأت بانفعال شخصي ... و لكنها تمثل ظاهرة بدأت تتمدد... وتتمدد ردود الفعل عليها حتى كادت ان تصبح قضية عامة في ظل جو التوتر و فقدان التوازن وعدم الثقة بالاخر وتجلياته الدموية في كل شارع و واد...

هذه الظاهرة تتمثل في نوع من الشعر السياسي غير المحدد الأهداف والحدود في هذه الأيام ... حيث تعيش الأوساط الثقافية العراقية .... ارهاصات زوبعة اخرى من زوبعات سعدي يوسف الكثيرة والمتخذة اتجاهات مختلفة... والغريب ان بعض تلك الأوساط لا تجد في رد فعلها الا العودة الى لعبة طفولية تاريخانية قديمة .... حرق الكتب... و كأن الأفكار والمعتقدات والأحاسيس ... يمكن محوها هكذا بحرق بضعة أوراق ... او حتى حرق اجساد وصلبها... والأمثلة التاريخية كثيرة لنتعلم منها... ان الأفكار لا تموت والمعتقدات ستعيش أبدا في الذاكرة والأحاسيس تتفاعل اكثر مع الحرارة...

اعتقد ان مشكلة سعدي يوسف .... والآخرين من الدوائر الثقافية والسياسية... هي ايضا تكمن في انه لا يتفاعل مع التطور الاجتماعي وإنما يحاول بقدر ما وقف عجلة التطور التاريخي للمجتمعات وهذا ما يدفعه الى الشعور بالغربة والشعور بالمرارة والهزيمة نتيجة اعتبار كل ما يحدث في المجتمع ... بهذا الاتجاه او ذاك... هو خروج عن صورة نمطية جامدة... ذهنية اكثر مما تكون واقعية وتعتمد على قراءة اختزالية للتجارب التاريخية...

في قصيدته الاخيرة "مصر العروبة... عراق العجم" التي أشعلت نيران ... العراق العربي والعجمي... يعلن سعدي ان العراق اصبح عجميا... و للمقارنة بين ما هو عربي وما هو عجمي فهو يستخدم مصر كمقياس للمفهوم العربي ويذكر هنا إسماء بعض المثقفين المصريين... وينسى او يتناسى ... ان بعض هؤلاء كانوا من المنظرين لمشروع الرئيس السادات الذي انقض على مشروع عبدالناصر القومي العربي.... وبعض منهم يبدون الان افتناناً و ولعاً كبيرين بالثقافة العجمية... او الإيرانية والتركية.... ويستلهمون منها "البعد الثالث" لمفهوم الثقافة والتعايش السلمي....

لكن الأهم الذي ينساه سعدي يوسف او يتناساه في هذا الإطار... ان المجتمع المصري ... هو نموذج تاريخي .... للتعدد الثقافي وهذا هو الأساس في طبيعة السماحة الاجتماعية والتعايش السلمي بين المصريين من افارقة وفراعنة ومسلمين وأقباط ونوبيين وعرب وأوروبيين واتراك وأكراد وشركس وغيرهم كثيرون.... من شعوب وإثنيات وثقافات مختلفة.... تآلفت على مدى قرون... بل ان ما تشهده خلال السنوات الماضية من احداث مؤسفة وصراعات دموية هي نتيجة محاولة اصحاب المشاريع الضيقة بالتفرد في السيطرة والهيمنة...

ربما من السذاجة ان نطرح سؤالا علميا عن ماهية تعريف "العربي" و "العراقي" عند سعدي يوسف... فالهدف ليس احراج الرجل في مسائل أنثروبولوجية معقدة... لكن السؤال المهم يظل عن التصورات السياسية عن رمزية هذه المفاهيم في مسار مجتمع حيوي يطور ذاته من خلال التفاعل.... السلبي و الإيجابي... بين مكوناته الاجتماعية المختلفة....

لا ندري ان كان سعدي يوسف عرف من التاريخ ان محمد علي الذي بنى الأسس الاولى لمصر الحديثة لم يكن عربيا بل البانياً..... كما ان صلاح الدين الأيوبي... الذي يتغنى بأمجاده القوميون و الاسلاميون العرب... كان كوردياً... و كذا كان اغلب علماء الحضارة الأسلامية من غير العرب.... فرس وكورد واتراك وبرابرة أمازيغ واخرون من المسلمين وغير المسلمين...

ولنتساءل ايضا عن اية قومية عربية يريد ان ينظر سعدي يوسف.... الا يتذكر ان المفاهيم الاولى للقومية العربية كانت من انتاج مثقفين غير عرب كما كان رواد الماركسية العربية من الأقليات المضطهدة وان التقليدية العربية قد أنتجت داعش واخواتها...؟؟؟..

انطلاقا من حسن الظن فان من المؤكد ان سعدي يوسف محب للعراق الى درجة الجنون... و لكن هل من الحب ان يخلق هذا الشاعر الكبير العداء للعراقيين داخليا وخارجيا.... نتذكر زوبعته قبل شهور في الانتقاص من قيمة الشعر المغربي بعد ان منحه المغاربة جائزة الارگان... وهذه جائزة ثقافية ذات قيمة كبيرة كون اسمها يؤشر الى شجرة الارگان التي تعتبر رمزا وطنيا مثلها مثل الأرز في لبنان...

نتمنى ان يكون حظ المصريين افضل من حظ المغاربة وان تقابل رحابة صدر مصر بوفاء اكثر من المغرب.... ام هل يحاول سعدي يوسف الان ان يخلق أزمة مماثلة بين المثقفين المصريين والعراقيين .... ام يهدف الى زيادة التناحر الداخلي الذي لم يترك زاوية في العراق دون جراح ودماء واحقاد...؟؟؟..

هل يعتبر سعدي يوسف قصيدته الاخيرة رسالة حب وإخاء ... ام انها مانيفستو لبناء جدار جديد بين العراقيين ... وانها... كما هي طروحات الحرق والقتل والتهجير والاغتصاب.... بضاعة في سوق التكفيريات والاختزال والاقصاء الرائجة هذه الأيام ...؟؟؟.. نتمنى ان يساهم المثقفون في صنع السلام بين الناس... حبي للجميع...

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter