| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. أكرم هواس

 

 

 

 

                                                                                    الأثنين 19/12/ 2011

 

اوراق مؤتمر ستوكهولم ..1
ملاحظات اولية...

د. اكرم هواس  *

بدعوة من وزارة الهجرة و المهجرين العراقية عقد قي الفترة بين التاسع و الحادي من الشهر الجاري مؤتمر للجالية العراقية في العاصمة السويدية. المؤتمر كان مخصصا للجالية العراقية في اوروبا و كان احد الاهداف المعلنة له يتعلق بمساهمة الدياسبورا العراقية في تنمية بلدها الام و هذا ما دعاني انا شخصيا و من المؤكد اخرين غيري ايضا للمشاركة.

بعد انتهاء المؤتمر كنت قد وعدت زملائي و اصدقائي ان اكتب مجموعة مقالات عن طبيعة التحديات التي تواجه قضية التنمية التي كانت محور الورشة التي كنت احد المشاركين فيها. في هذه المقالة التي ستكون اولى تلك المجموعة سابدأ بتقديم ملاحظات اولية ستشكل مدخلا للمقالات اللاحقة و التي ستكون اكثر دقة و اختصاصا. على كل حال فان هذه الملاحظات لا تعتبر نقدا لاحد بقدر ما تتعلق بالعلاقات المجتمعية اي نمطين مهمين من العلاقات وهما العلاقة بين الدولة و المجتمع و كذلك العلاقة بين السلطة و التنمية. في المقالات التالية سأوضح هذه المفاهيم وسأعمل على ربطها بشكل مباشر بقضية التنمية.

الملاحظة الاولى هي اني كنت اعتقد او على الاقل اتمنى ان اجد اجواء المؤتمر تتسم وتؤكد هذا المعنى اي دور الجالية العراقية في تنمية العراق الا ان الجلسة الافتتاحية قد اطاحت بكثير من الاحلام وأكدت الاساطير التاريخية حول المؤتمرات التي تنظمها حكومات العالم العربي فلم اجد حضورا لوزير التنمية السويدية كما كنت قد فهمت ولا حضورا لاي متخصصين من وزارات عراقية ذات صلة بالتنمية بل ان الجلسة الافتتاحية كادت ان تتحول الى هرج و مرج لولا تدخل الوزير الذي حور في جدول الاعمال لصالح سماع شكاوى بعض الحاضرين الذين علا صوتهم بالمطالبة في حقوقهم او حصصهم من كعكة العراق بدلا من مساعدة شعبه الذي يزداد فقرا.

الجدول الاساسي الذي لم نطلع عليه الا اثناء الجلسة كان متسما بالخطابة المهرجانية التي لا تترك للحاضرين سوى التصفيق مما اغضب احدى المشاركات الثوريات و دعتها الى مقاطعة خطاب احد المتحدثين والطلب منه سماع (ارائنا) وكان ذلك طلبا شرعيا ومشجعا لولا انزلاقها ومن بعدها اخرون الى الشكوى من عدم حصولهم على التقدير ماديا او معنويا نتيجة نضالاتهم الطويلة التي تخللها السجن والحرمان....و....و.. من اجل العراق.

وعليه فان الملاحظة الثانية تتعلق بغياب او تغييب رأي المتخصصين من ابناء الجالية العراقية في وضع اولويات المؤتمر.

ملاحظة ثالثة تتعلق بمشاركة متواضعة من المرأة في المؤتمر حيث ان عدد المشاركات كان شحيحا جدا وهذه الحقيقة المرة تفتح امامنا تساؤلات كثيرة عن تحرر المرأة ودور نصف المجتمع في التنمية وامكانيات المرأة واستقلاليتها...و....و...الخ

الملاحظة الرابعة تتعلق بقضية غاية في الاهمية وهي مستقبل المهاجرين العراقيين في بلاد المهجر. كنت اود ان اطرح هذا الموضوع لكني مثل الكثيرين لم احظى بفرصة التكلم في الجلسة الافتتاحية والجلسة العامة الوحيدة. في المقابل استطاعت احدى المشاركات والتي كانت اكثر جدية من زميلتها السابقة اختراق النمطية في حق الكلام وطلبت من وزارة الهجرة والحكومة العراقية بصورة عامة ضرورة التدخل من اجل مساعدة العراقيين غير الحاصلين على حق اللجوء ضد محاولات السلطات في السويد لارجاعهم قسرا. كما ذكرت هذا موضوع مهم جدا سأعود اليه لاحقا لكن مؤقتا يمكنني القول انه رغم مداخلات متعددة لم يتم الوصول الى رؤية واضحة فقد كان هناك سوء فهم للقوانين السويدية ولامكانيات الحكومة العراقية في التدخل.

ملاحظة خامسة التي تستند الى الانطباعات الاولى للمؤتمر هي انه قد ظهر جليا ايضا انه كان هناك لبسا واضحا حول اهداف المؤتمر و تخبطا كبيرا في التنظيم و عجزا مزمنا في الادارة. فرغم محاولات القائمين باعطاء صورة مغايرة الا ان التنظيم العام كان يتسم باسلوب (التوب - داون) اي مسار فوق - تحت و (وان واي كوميونيكايشن) اي ان طرفا واحدا يتكلم والطرف الاخر او الاطراف الاخرى يستمعون فقط. هذه الملاحظة تتعلق بشكل مباشر بقضية الديمقراطية وخاصة فيما يرتبط بواحد من اهم اسسها وهو المشاركة التي تعتبر ايضا اساسا مهمها في التنمية الحديثة.

ملاحظة سادسة تؤشر مرة اخرى مشكلة التنظيم ظهرت هذه المرة في نهاية الجلسة الافتتاحية فجدول الاعمال لم يكتمل والكثيرون ممن سجلوا اسمائهم للتكلم تم تجريدهم من هذا الحق شأنهم شأن كل الاخرين الذين رفعوا ايديهم او حاولوا بطريقة او اخرى ان يصلوا الى الشخص الذي كان يسجل الاسماء ولكن دون جدوى. الطامة الكبرى لم تكن هنا فقط بل كانت في اللحظات التي تلت انتهاء الجلسة حيث طلب من الجميع تسجيل اسمائهم للمشاركة في الورش. هنا اصبت انا بدهشة اخرى لاني كنت اعتقد ان هذا الامر قد تم مسبقا مثل شأن المؤتمرات الاخرى لكني اكتشفت ان شيئا من هذا لم يتم ليس فقط بسبب عدم دقة الهدف كما ذكرت سابقا و انما ايضا و ربما هذا هو العامل الحاسم وهو حيرة القائمين على المؤتمر في قضية (لمن توجه الدعوة)..... فالمجتمع العراقي منقسم على ذاته بجميع الاتجاهات ووزارة الهجرة لابد ان تؤكد انها تمثل الجميع ولذلك فان الحيرة كانت حول اسئلة مهمة مثل هل يجب توجيه الدعوة الى ممثلي الطوائف والاديان والعرقيات ام الاحزاب والمنظمات ام المختصين.....الخ. اعتقد ان المنظمين لم يصلوا الى اتفاق واضح ولذلك تركوا الامور كي تجري على هواها.

على العموم فان الورش الست المطروحة كانت تبدو للوهلة الاولى بانها تستند الى رؤية طموحة الا انها كانت تفتقر الى الدقة في الهدف و اليات العمل وبشكل ما فانها كانت تجمع نقيضين وهما الانفتاح على افكار جديدة ومساهمة فعالة بينما بدا واضحا احتفاظ المنظمين بحق وضع الاطر والهيكليات. وهذا ما كان يذكرنا بمفاهيم التنمية التخطيطية او الممنهجة. الاشكالية التي اعتقد انها ترتبط بهذه المفاهيم في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحالي هي ان العراق يعيش حالة فوضى عامة وعليه فان محاولة وضع اسس جامدة انما تزيد من حالة الفوضى ولا تضع لها حدودا او يجد لها حلولا.

هذه الفوضى والمصالح الخاصة انعكست ايضا في اختيار المشاركين لهذه الورشة او تلك فبينما اندفع الكثيرون الى ورشة الكفاءات والتي كانت ستناقش عودة الكفاءات والامتيازات التي يمكن ان يتمتعوا بها فان ورشة دور المرأة لم تستقتطب الكثيرين حتى من النساء القلائل المشاركات. اما ورشة التنمية فتلك قصة اخرى او هي القصة الحقيقية بالنسبة لي.

المقالة القادمة ستناقش بعض الافكار المتعلقة بالنماذج المختلفة للتنمية في اطار الوضع الحالي للعراق...

 

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

free web counter